ذهل الحاج حسين الغراوي (66 عاماً) حين تعرّف إلى هوية صاحب المنزل الكبير الذي يكاد ينتهي بناؤه. هو ببساطة جار فقير له، عطف عليه الحاج طوال سنوات. الغراوي المعروف بمساعدة المحتاجين في أحد أحياء مدينة الصدر (الشعب) الفقيرة، شرقي بغداد، يؤكد أنّ جاره كان حتى سنوات قليلة خلت لا يملك حرفة بل يعمل بأجرة يومية لا تكفي لسدّ غذاء أسرته. وهو ما دفعه إلى ترك المنزل الذي يستأجره ويسكن في معسكر مهجور للتخلص من عبء الإيجار.
بالرغم من تفاجئه، فرح الغراوي للرزق الذي حلّ على جاره. كانت فرحة قصيرة إذ علم أنّ مصدر الثراء يكمن في تجارة المخدرات. يقول الغراوي لـ"العربي الجديد" إنه شاهد سيارة فخمة لا يعرف اسمها، ترجل منها جاره القديم أبو حيدر. الأخير اعترف له بعمله في تجارة المخدرات بعد شكره على مساعدته لسنوات طويلة كان خلالها فقيراً معدماً. يوضح الغراوي: "قال لي إنّه ليس نادماً على العمل في المخدرات فهو لا يجبر أحداً على شرائها. كذلك، أكد أنه ليس خائفاً من المحاسبة، إذ كان يحدثني ونحن في الشارع من دون أن يخفض صوته، وقال لي: اطمئن يا حاج فلن أسجن... هناك من يحميني".
تجارة المخدرات في العراق باتت تلقى رواجاً بحسب مختصين ومطلعين. وفقاً لمصدر في جهاز أمني حساس في وزارة الداخلية العراقية تحدث إلى "العربي الجديد" فإنّ تعقب تجار المخدرات مهمة شكلية لا أكثر. يوضح أنّ "شخصيات مسؤولة في الدولة هم وراء هذه التجارة" من دون أن يكشف عن أسماء محددة. لكنه يؤكد أنّها شخصيات بارزة ومدعومة من مليشيات مسلحة.
يشير المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أنّ "تجارة المخدرات ازدادت منذ أكثر من عام بشكل خطير، كما أنّ المعلومات المؤكدة لدى وزارة الداخلية أنّ هذه المخدرات التي تصل إلى العراق من الخارج يجري تهريبها أيضاً إلى دول مجاورة، بل إنّ بعضها يصل إلى أوروبا".
أبو أحمد الشمري واحد من عدة أسماء يتستر بها رجل ثلاثيني العمر يقول إنّه على اتصال بموزعي مخدرات "الحشيشة". هو يعمل بصفة موزع ثانوي يتسلّم "البضاعة" من موزعين مرتبطين بشكل مباشر بتجار رئيسيين، ودوره يتمثل في توزيعها مجدداً على البائعين الصغار.
يكشف الشمري لـ"العربي الجديد" أنّ نسبة تعاطي "الحشيشة" في ارتفاع بمدينة بغداد، التي بدأ شبابها الباحثون عن اللهو بالتعرف إلى المخدرات منذ وقت غير بعيد. يشير إلى أنّ "الحشيشة تنتشر أكثر في مدن العراق الجنوبية، فهذا الصنف لم يستسغه الشباب في بغداد سابقاً، فبدأ التجار في تطعيم خلطة النارجيلة به. وبذلك، اعتاد عليه كثيرون".
اقــرأ أيضاً
يقول الشمري إنه يجني أرباحاً جيدة من تجارته هذه، مؤكداً أنّه في غضون عامين تمكن من شراء منزل فخم في وسط بغداد، بالإضافة إلى دخوله في استثمارات في مجال العقارات.
وبالرغم من تخفيه تحت أسماء مستعارة في تعامله مع زبائنه، إلاّ أنّ الشمري يعيش حياته باطمئنان كما يقول. يوضح أنّ "العمل مبني على الثقة وهذا أمر ضروري، ومن أعمل لصالحه يملك القوة التي تجعلني مطمئناً". يتابع أنّ "السرّ يكمن في الميليشيات. من يملك ميليشيا أو ينتمي إليها يكون محمياً. اليوم القوة والسلطة في العراق للمليشيات، ومن أعمل معهم ينتمون إلى مليشيات لها نفوذ واسع في العراق".
ظهرت المليشيات داخل العراق بعد غزو البلاد عام 2003 وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وكان لظهورها أثر بالغ على البلاد، فقد انتشرت أعمال العنف الطائفي منذ عام 2005، واستمرت حتى اليوم، خصوصاً مع ارتفاع العدد إلى أكثر من 50 مليشيا.
يقول المحلل السياسي علي الصميدعي لـ"العربي الجديد": "هناك شخصيات كبيرة في الدولة همها تكوين ثروة كبيرة بطرق سهلة، لذلك يعتمد هؤلاء على مليشيا مسلحة تساعدهم في الاتجار بالممنوعات من جهة، ونيل قوة يحتمون بها وسلطة ونفوذ يستولون بهما على المشاريع والأعمال الحكومية من جهة أخرى".
يتابع: "لا يخفى على أحد اليوم أنّ المليشيات تبتز شركات المقاولات في المشاريع الكبرى والمتوسطة بل حتى الصغيرة، وتستحصل على نسب مالية من هذه المشاريع تحت تهديد السلاح، وإلا لن ينفذ المشروع. تجارة المخدرات من بين وسائل جني الأرباح التي تنتهجها المليشيات، بالإضافة إلى مشاريع أخرى لا أخلاقية منها الدعارة، إذ باتت الكثير من مكاتب الدعارة تعمل في بغداد والمحافظات تحت شعار مؤسسات وشركات تجارية وغير ذلك".
المخدرات باتت اليوم رعباً حقيقياً لعائلات عراقية تفقد أبناءها. عادل الزهيري نجح في إنقاذ ابنه الشاب (19 عاماً) من الإدمان. يقول: "كان ابني قد بدأ للتو في تعاطي الحشيشة. اكتشفت ذلك بعد مراقبته وشكي بتصرفاته. نحل جسمه وصار قليل الكلام ومنطوياً. علمت في ما بعد أنّه أدمن على حبوب هلوسة طوال أكثر من ثلاثة أشهر ليتحول بعدها إلى الحشيشة. لله الحمد أنقذته". يقول إنّه استعان بطبيب مختص، وحجر على ولده وبدأ في علاجه تدريجياً، وتطلّب ذلك شهراً واحداً.
يشير الزهيري إلى أنّ إدمان ابنه دفعه إلى تحذير الناس في المناسبات العامة والخاصة: "أعتقد أنّني أساهم في إنقاذ الشباب من خلال تنبيه أولياء الأمور. لست أنا فقط بل جميع العائلات باتت تخاف على أبنائها من هذا الخطر".
اقــرأ أيضاً
بالرغم من تفاجئه، فرح الغراوي للرزق الذي حلّ على جاره. كانت فرحة قصيرة إذ علم أنّ مصدر الثراء يكمن في تجارة المخدرات. يقول الغراوي لـ"العربي الجديد" إنه شاهد سيارة فخمة لا يعرف اسمها، ترجل منها جاره القديم أبو حيدر. الأخير اعترف له بعمله في تجارة المخدرات بعد شكره على مساعدته لسنوات طويلة كان خلالها فقيراً معدماً. يوضح الغراوي: "قال لي إنّه ليس نادماً على العمل في المخدرات فهو لا يجبر أحداً على شرائها. كذلك، أكد أنه ليس خائفاً من المحاسبة، إذ كان يحدثني ونحن في الشارع من دون أن يخفض صوته، وقال لي: اطمئن يا حاج فلن أسجن... هناك من يحميني".
تجارة المخدرات في العراق باتت تلقى رواجاً بحسب مختصين ومطلعين. وفقاً لمصدر في جهاز أمني حساس في وزارة الداخلية العراقية تحدث إلى "العربي الجديد" فإنّ تعقب تجار المخدرات مهمة شكلية لا أكثر. يوضح أنّ "شخصيات مسؤولة في الدولة هم وراء هذه التجارة" من دون أن يكشف عن أسماء محددة. لكنه يؤكد أنّها شخصيات بارزة ومدعومة من مليشيات مسلحة.
يشير المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أنّ "تجارة المخدرات ازدادت منذ أكثر من عام بشكل خطير، كما أنّ المعلومات المؤكدة لدى وزارة الداخلية أنّ هذه المخدرات التي تصل إلى العراق من الخارج يجري تهريبها أيضاً إلى دول مجاورة، بل إنّ بعضها يصل إلى أوروبا".
أبو أحمد الشمري واحد من عدة أسماء يتستر بها رجل ثلاثيني العمر يقول إنّه على اتصال بموزعي مخدرات "الحشيشة". هو يعمل بصفة موزع ثانوي يتسلّم "البضاعة" من موزعين مرتبطين بشكل مباشر بتجار رئيسيين، ودوره يتمثل في توزيعها مجدداً على البائعين الصغار.
يكشف الشمري لـ"العربي الجديد" أنّ نسبة تعاطي "الحشيشة" في ارتفاع بمدينة بغداد، التي بدأ شبابها الباحثون عن اللهو بالتعرف إلى المخدرات منذ وقت غير بعيد. يشير إلى أنّ "الحشيشة تنتشر أكثر في مدن العراق الجنوبية، فهذا الصنف لم يستسغه الشباب في بغداد سابقاً، فبدأ التجار في تطعيم خلطة النارجيلة به. وبذلك، اعتاد عليه كثيرون".
يقول الشمري إنه يجني أرباحاً جيدة من تجارته هذه، مؤكداً أنّه في غضون عامين تمكن من شراء منزل فخم في وسط بغداد، بالإضافة إلى دخوله في استثمارات في مجال العقارات.
وبالرغم من تخفيه تحت أسماء مستعارة في تعامله مع زبائنه، إلاّ أنّ الشمري يعيش حياته باطمئنان كما يقول. يوضح أنّ "العمل مبني على الثقة وهذا أمر ضروري، ومن أعمل لصالحه يملك القوة التي تجعلني مطمئناً". يتابع أنّ "السرّ يكمن في الميليشيات. من يملك ميليشيا أو ينتمي إليها يكون محمياً. اليوم القوة والسلطة في العراق للمليشيات، ومن أعمل معهم ينتمون إلى مليشيات لها نفوذ واسع في العراق".
ظهرت المليشيات داخل العراق بعد غزو البلاد عام 2003 وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وكان لظهورها أثر بالغ على البلاد، فقد انتشرت أعمال العنف الطائفي منذ عام 2005، واستمرت حتى اليوم، خصوصاً مع ارتفاع العدد إلى أكثر من 50 مليشيا.
يقول المحلل السياسي علي الصميدعي لـ"العربي الجديد": "هناك شخصيات كبيرة في الدولة همها تكوين ثروة كبيرة بطرق سهلة، لذلك يعتمد هؤلاء على مليشيا مسلحة تساعدهم في الاتجار بالممنوعات من جهة، ونيل قوة يحتمون بها وسلطة ونفوذ يستولون بهما على المشاريع والأعمال الحكومية من جهة أخرى".
يتابع: "لا يخفى على أحد اليوم أنّ المليشيات تبتز شركات المقاولات في المشاريع الكبرى والمتوسطة بل حتى الصغيرة، وتستحصل على نسب مالية من هذه المشاريع تحت تهديد السلاح، وإلا لن ينفذ المشروع. تجارة المخدرات من بين وسائل جني الأرباح التي تنتهجها المليشيات، بالإضافة إلى مشاريع أخرى لا أخلاقية منها الدعارة، إذ باتت الكثير من مكاتب الدعارة تعمل في بغداد والمحافظات تحت شعار مؤسسات وشركات تجارية وغير ذلك".
المخدرات باتت اليوم رعباً حقيقياً لعائلات عراقية تفقد أبناءها. عادل الزهيري نجح في إنقاذ ابنه الشاب (19 عاماً) من الإدمان. يقول: "كان ابني قد بدأ للتو في تعاطي الحشيشة. اكتشفت ذلك بعد مراقبته وشكي بتصرفاته. نحل جسمه وصار قليل الكلام ومنطوياً. علمت في ما بعد أنّه أدمن على حبوب هلوسة طوال أكثر من ثلاثة أشهر ليتحول بعدها إلى الحشيشة. لله الحمد أنقذته". يقول إنّه استعان بطبيب مختص، وحجر على ولده وبدأ في علاجه تدريجياً، وتطلّب ذلك شهراً واحداً.
يشير الزهيري إلى أنّ إدمان ابنه دفعه إلى تحذير الناس في المناسبات العامة والخاصة: "أعتقد أنّني أساهم في إنقاذ الشباب من خلال تنبيه أولياء الأمور. لست أنا فقط بل جميع العائلات باتت تخاف على أبنائها من هذا الخطر".