08 نوفمبر 2024
المخزي عربياً في التوتر السعودي الكندي
كنّا نتمنّى، نحن العرب، في الأزمة الدبلوماسية الحالية بين السعودية وكندا، أن نأخذ جانب المملكة، ونرفع رؤوسنا بأن دولة عربية اتخذت، أخيرا، إجراءات تأديبية حازمة في حق دولة غربية متمادية علينا. ولكن، للأسف، لن نستطيع رفع رؤوسنا فخرا، ولن نتمكّن من أن نأخذ جانب الرياض في تصعيدها مع أوتاوا، فالسعودية مخطئة من حيث موضوع الأزمة المتعلق بحقوق الإنسان، من دون أن نعفي الغرب هنا من النفاق في مسائل حقوق الإنسان وتوظيفاتها السياسية.
جاء التصعيد السعودي، بعد أن أعربت وزارة الخارجية الكندية، الأسبوع الماضي، عن قلقها من الاعتقالات التي تشنها السلطات السعودية في صفوف نشطاء المجتمع المدني والناشطات النسويات، ودعت إلى "الإفراج عنهم فورا"، وهو ما أثار حفيظة الرياض وجنونها، وهي التي عدت ذلك "تدخلا صريحا وسافرا في الشؤون الداخلية للمملكة". مباشرة بعد ذلك، أعلنت الرياض السفير الكندي شخصا غير مرغوب فيه، واستدعت سفيرها من أوتاوا للتشاور. تبع ذلك إعلان سعودي عن حزمة من الإجراءات "العقابية" بحق كندا، كإيقاف جميع برامج علاج المرضى السعوديين هناك، ونقلهم من المستشفيات الكندية إلى دول أخرى، وكذلك نقل طلاب البعثات الدراسية السعوديين، وتعليق برامج التبادل الدراسي، بالإضافة إلى تجميد تعاملات تجارية واستثمارية بين البلدين، وأوقفت الخطوط الجوية السعودية رحلاتها من وإلى كندا. لم تتوقف الإجراءات السعودية عند ذلك الحد، بل أطلقت العنان لأذرعها الإعلامية للحديث عن "انتهاكات" حقوق الإنسان في كندا، خصوصا بحق السكان الأصليين، ووحشية سجونها، بل وحتى إلى الدعوة إلى استقلال إقليم كيبيك الكندي!
مرة أخرى، كنّا نتمنّى أن نفاخر بموقف عربي سجل "مواقف تاريخية" في التصدّي للتمادي
الغربي علينا، ولكن أنَّى لنا هذا، والمسألة متعلقة بسياسات الرياض المشينة، المتمثلة في البطش واعتقال نشطاء المجتمع المدني السعوديين، لا لشيء إلا لأن آراءهم ومواقفهم لا ترضي ولا تعجب العهد الجديد في المملكة! المفارقة هنا أن البيان السعودي الرسمي اعتبر تصريح الخارجية الكندية، الأسبوع الماضي، "سلبيا ومستغربا.. ومجافيا للحقيقة"، في حين أن الحقيقة أن إنكار الرياض وجود انتهاكات ممنهجة ومستمرة لحقوق الإنسان في المملكة هو الأمر السلبي والمستغرب والمجافي للحقيقة. قد يقول بعضهم هنا إن الموقف الكندي منافق، فهو لم ينتقد انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني واعتقالاتها العشوائية بحقهم مثلا. صحيحٌ. ولكن العيب الأكبر هنا يقع على الأنظمة العربية، بسبب انتهاكاتها حقوقنا نحن الشعوب، حيث لم تُبق لنا وجها لنلوم جرائم غيرنا ضدنا، كما أنها جعلتنا نهون على الآخرين، بعد أن هنَّا على أنفسنا.
في العقود الماضية، كنا ندين العدوان الغربي علينا. تكلمنا كثيرا عن إنشاء الغرب إسرائيل ودعمه المستمر لها، ونحن لم ننس بعد جرائمهم في الجزائر والعراق، وغيرهما. ولكننا اليوم عاجزون عن الحديث عن جرائم هؤلاء، في الوقت الذي يرتكب فيه القريب الجرائم نفسها، بل أفظع منها، بحقنا نحن العرب. ما فعلته أميركا في العراق فعله نظام بشار الأسد في سورية. ألم يزهق، وما زال، أرواح مئات الآلاف من أبناء شعبه ويشرّد الملايين منهم؟ بل إنه دمر بلده ليحكم خرابةً تحت وصاية روسيا وإيران! ألم تفعل السعودية والإمارات في اليمن، وما زالتا، ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة؟ ألم تأت المؤسسة العسكرية المصرية على ما تبقى من حطام مصر، فزادت في نخر جذعها الخاوي أصلا؟ أتحتاج مصر، وغيرها من دولنا العربية، من يتآمر عليها خارجيا وفيها مثل هذه القيادات؟ بل إننا ونحن نندّد باعتقال إسرائيل للشاعرة الفلسطينية، دارين طاطور، بسبب قصيدة، وللكاتبة الفلسطينية، لمى خاطر، بسبب مقالة، فإننا نداري وجوهنا خجلا من اعتقالاتٍ على الرأي تجري في بلادنا. في السعودية اعتقلت سمر بدوي (السبب الرئيس للأزمة مع كندا) بسبب رأي، كما اعتقل الشيخ سلمان العودة، لا لشيء إلا لأنه غرّد سائلا الله جَلَّ وعلا أن يؤلف بين قلوب حكام الخليج "لما فيه خير شعوبهم". دعاء اعتبره نظام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تعاطفا مع قطر التي يحاصرونها، وهي الشقيق!
ولمن أراد أن يستزيد في حالنا المخزي، أدعوه فقط إلى متابعة النقاش الرديء على مواقع
التواصل الاجتماعي، عربياً، حول الأسيرة الفلسطينية المحرّرة عهد التميمي. إنك لا تملك إلا أن تصاب بإحباط وغضب شديدين، عندما تجد نشطاء عربا كثيرين يغمزون من قناة عهد عبر عقد مقارنات بين ظروف اعتقالها إسرائيليا وظروف اعتقال فتيات عربيات في سجون عربية. بل وصل التردّي بكثيرين منهم إلى الحديث في الشرف والعرض، فالفتاة في السجون العربية مستباح شرفها وعرضها، هكذا يقولون، وكأن هذا هو المعيار، وهذا هو المطلوب إسرائيليا كذلك.. من أين أتانا هذا الانحطاط والتردّي الأخلاقي والقيمي؟ إنه فعل أنظمة عربية فاجرة ومتسلطة، أسقطت كرامتنا وهيبتنا في أعيننا، وَبَرْمَجَتْنا على الذلّ، فسقطنا في أعين الآخرين. ولعل في التذكير هنا إفادة، إذ كانت السلطات الأمنية والاستخباراتية الأميركية في حقبة "الحرب على الإرهاب"، خلال رئاسة جورج بوش الابن، تبعث المعتقلين العرب والمسلمين إلى دول عربية ومسلمة، ليمارسوا التعذيب عليهم، على الرغم من أن الأجهزة الأميركية لم تكن تقلّ إجراما هنا، وفي سجن أبو غريب في العراق، وباغرام في أفغانستان، وغوانتنامو في كوبا، أمثلة قليلة من كثير. ولكن بعض الدول العربية والمسلمة أمهر وأكثر كفاءةً في انتهاك حقوق الآدمية! يكفي أنه لا توجد أنظمة وقوانين ومحاكم قادرة على محاسبتهم.
ما سبق ليس دفاعا عن الموقف الكندي، أو أي موقف غربي آخر يتوسّل "حقوق الإنسان" عربيا لفرض سياسات جائرة بحقنا، أو حتى لممارسة العدوان علينا، إنما هي صرخةٌ للتنبيه من العار الذي نحياه نحن العرب، والذي مكَّنَ تجار المبادئ في الغرب أن يسوّقوا بضاعتهم المغشوشة علينا. بالمناسبة، أليس في مسارعة أنظمة مستبدّة، كما في مصر والإمارات والبحرين، للوقوف مع السعودية ضد كندا ما يقول الكثير عن حالنا الكئيب؟ لا تدعم تلك الأنظمة العربية المستبدّة بعضها إلا في مواقف الخزي.
جاء التصعيد السعودي، بعد أن أعربت وزارة الخارجية الكندية، الأسبوع الماضي، عن قلقها من الاعتقالات التي تشنها السلطات السعودية في صفوف نشطاء المجتمع المدني والناشطات النسويات، ودعت إلى "الإفراج عنهم فورا"، وهو ما أثار حفيظة الرياض وجنونها، وهي التي عدت ذلك "تدخلا صريحا وسافرا في الشؤون الداخلية للمملكة". مباشرة بعد ذلك، أعلنت الرياض السفير الكندي شخصا غير مرغوب فيه، واستدعت سفيرها من أوتاوا للتشاور. تبع ذلك إعلان سعودي عن حزمة من الإجراءات "العقابية" بحق كندا، كإيقاف جميع برامج علاج المرضى السعوديين هناك، ونقلهم من المستشفيات الكندية إلى دول أخرى، وكذلك نقل طلاب البعثات الدراسية السعوديين، وتعليق برامج التبادل الدراسي، بالإضافة إلى تجميد تعاملات تجارية واستثمارية بين البلدين، وأوقفت الخطوط الجوية السعودية رحلاتها من وإلى كندا. لم تتوقف الإجراءات السعودية عند ذلك الحد، بل أطلقت العنان لأذرعها الإعلامية للحديث عن "انتهاكات" حقوق الإنسان في كندا، خصوصا بحق السكان الأصليين، ووحشية سجونها، بل وحتى إلى الدعوة إلى استقلال إقليم كيبيك الكندي!
مرة أخرى، كنّا نتمنّى أن نفاخر بموقف عربي سجل "مواقف تاريخية" في التصدّي للتمادي
في العقود الماضية، كنا ندين العدوان الغربي علينا. تكلمنا كثيرا عن إنشاء الغرب إسرائيل ودعمه المستمر لها، ونحن لم ننس بعد جرائمهم في الجزائر والعراق، وغيرهما. ولكننا اليوم عاجزون عن الحديث عن جرائم هؤلاء، في الوقت الذي يرتكب فيه القريب الجرائم نفسها، بل أفظع منها، بحقنا نحن العرب. ما فعلته أميركا في العراق فعله نظام بشار الأسد في سورية. ألم يزهق، وما زال، أرواح مئات الآلاف من أبناء شعبه ويشرّد الملايين منهم؟ بل إنه دمر بلده ليحكم خرابةً تحت وصاية روسيا وإيران! ألم تفعل السعودية والإمارات في اليمن، وما زالتا، ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة؟ ألم تأت المؤسسة العسكرية المصرية على ما تبقى من حطام مصر، فزادت في نخر جذعها الخاوي أصلا؟ أتحتاج مصر، وغيرها من دولنا العربية، من يتآمر عليها خارجيا وفيها مثل هذه القيادات؟ بل إننا ونحن نندّد باعتقال إسرائيل للشاعرة الفلسطينية، دارين طاطور، بسبب قصيدة، وللكاتبة الفلسطينية، لمى خاطر، بسبب مقالة، فإننا نداري وجوهنا خجلا من اعتقالاتٍ على الرأي تجري في بلادنا. في السعودية اعتقلت سمر بدوي (السبب الرئيس للأزمة مع كندا) بسبب رأي، كما اعتقل الشيخ سلمان العودة، لا لشيء إلا لأنه غرّد سائلا الله جَلَّ وعلا أن يؤلف بين قلوب حكام الخليج "لما فيه خير شعوبهم". دعاء اعتبره نظام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تعاطفا مع قطر التي يحاصرونها، وهي الشقيق!
ولمن أراد أن يستزيد في حالنا المخزي، أدعوه فقط إلى متابعة النقاش الرديء على مواقع
ما سبق ليس دفاعا عن الموقف الكندي، أو أي موقف غربي آخر يتوسّل "حقوق الإنسان" عربيا لفرض سياسات جائرة بحقنا، أو حتى لممارسة العدوان علينا، إنما هي صرخةٌ للتنبيه من العار الذي نحياه نحن العرب، والذي مكَّنَ تجار المبادئ في الغرب أن يسوّقوا بضاعتهم المغشوشة علينا. بالمناسبة، أليس في مسارعة أنظمة مستبدّة، كما في مصر والإمارات والبحرين، للوقوف مع السعودية ضد كندا ما يقول الكثير عن حالنا الكئيب؟ لا تدعم تلك الأنظمة العربية المستبدّة بعضها إلا في مواقف الخزي.