لليوم الثالث على التوالي، يعيش أهالي سيناء المصرية، تحديداً سكان مدينتي الشيخ زويد ورفح، معاناة كبيرة، على خلفية الحملة العسكرية التي بدأها الجيش المصري بدعوى "مواجهة الجماعات المسلحة". وكان الجيش قد أطلق حملة "حقّ الشهيد"، لمواجهة العناصر المسلحة، بيد أنها ليست الحملة الأولى التي يشنّها بشكل موسّع منذ الدفع بقوات إضافية إلى سيناء للغرض ذاته. ومع تزايد الحملات الموسّعة، لم تنجح أي منها من تنفيذ أهدافها، أي القضاء على الجماعات المسلّحة، وعلى رأسها تنظيم "ولاية سيناء"، التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وتكون أغلب تلك الحملات العسكرية، موجّهة على أرض الواقع إلى أهالي سيناء من المدنيين، فيسقط العديد منهم قتلى وجرحى، فضلاً عن تعرّضهم لخسائر مادية مرتبطة بمثل هذه الحملات.
ورغم تأكيدات المتحدث الرسمي العسكري المصري، عن "قتل المئات من العناصر المسلّحة في سيناء"، على مدار أكثر من عامين، وتحديداً عقب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، إلا أن المحصّلة على أرض الواقع لا تعكس هذه الادعاءات. ولا تجد حملات الجيش إلا الأهالي للتنكيل بهم، وسط عمليات قتل واعتقالات عشوائية تستمرّ أياماً عدة، وتتعدد فيها مظاهر الانتهاكات. كما أن "ولاية سيناء" لم يعلن عن تنفيذ عمليات موسعة ضد قوات الجيش، إلا يوم الإثنين، حين استهدف آليتين عسكريتين، أسفرت عن مقتل ضابط ومجند، وإصابة آخرين. بيد أن متابعة عمليات القصف تكشف حجم العشوائية التي يتم استهدافها بسلاح الطيران، الذي يتنوع بين مروحيات "أباتشي" وطائرات "إف 16"، وأحياناً طائرات مجهولة من دون طيار.
وسادت الشيخ زويد ورفح حالة من الارتباك الشديد في صفوف الأهالي، بين الراغبين في مغادرة منازلهم خوفاً من سقوط قذيفة عشوائية عليهم، وآخرين يرون أن الخروج في مثل هذه الأجواء الملتهبة في ظل الحملة العسكرية يُعدّ مغامرة غير محسوبة، بحسب مصادر قبلية.
اقرأ أيضاً: قصف ودمار واعتقالات في حملة الجيش المصري بسيناء
وتقول المصادر لـ "العربي الجديد"، إن "الأوضاع في سيناء تصبح أكثر صعوبة، في ظل حالة التعتيم المفروضة بعد قانون الإرهاب، وقبلها بالتأكيد، ولكنها تزايدت بشكل مريب". وتضيف أن "الأهالي باتوا في حيرة من أمرهم، وبعضهم يُفضّل التهجير طواعية، خوفاً من صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات". وتشدد المصادر أن "هذا التفكير كان سائداً عن وجود توتّر في الأوضاع، ولكن الآن لا أحد يستطيع الخروج من منزله، بسبب العمليات الموسعة، وإلا فإنه سيتعرض إما لرصاصة أو قصف من الطائرات". وتلفت إلى أن "استمرار الأوضاع في سيناء على هذا النحو، سيؤدي إلى أوضاع أكثر صعوبة، وسط تزايد نفوذ المسلحين وتأييد عدد من الأهالي له، انتقاماً من الانتهاكات ضدهم".
ويتزامن تحليق الطيران المكثف مع حملة عسكرية في المناطق الجنوبية للشيخ زويد ورفح، وكان اليوم الأول من الحملة بمثابة تمهيد لليومين التاليين. ووفقاً لنشطاء من سيناء، فإن طفلة أصيبت برصاص الجيش في رفح، خلال حملة الجيش، في اليوم الأول. أما اليوم الثاني فكان يوماً صعباً للغاية على سكان المدينتين، بعد تزايد طلعات الطائرات الحربية وأصوات الانفجارات التي تهزّ سيناء بأكملها.
كما أغلقت قوات الجيش مع اليوم الثاني للحملة، الشيخ زويد تماماً، بعد إغلاق الأهالي المحلات التجارية، وعدم نزول أحد من منزله، خوفاً من اعتقاله أو إصابته برصاصة عشوائية من قوات الجيش. كما سقطت قذائف من مدفعية الجيش على منازل عدة جنوبي رفح، أسفرت عن إصابة سبعة أطفال وعدد من النساء، بينهم حالات خطرة. وعثر الأهالي على جثة رباح رمضان عيد الترباني، الذي كان معتقلاً لدى الجيش قبل بضعة أيام من الحملة العسكرية.
وقتلت قوات الجيش سيدة تُدعى هدى، أثناء مرورها من كمين البوابة غرب الشيخ زويد، كما أطلقت قوات الجيش النار على شاب في الشيخ زويد، وتركته ينزف من دون التدخل لإسعافه، أو السماح للأهالي بإنقاذه. وتوغلت قوات الجيش في منطقة سوق الثلاثاء في الشيخ زويد، وفرضت حظر تجوال على المنطقة، ومنع تجول السكان، وسط اختفاء مظاهر الحياة تماماً.
أما في اليوم الثالث، فلم يتغيّر الوضع كثيراً لناحية معاناة الأهالي، بعد أن كشفت مصادر بسيناء، أن "أربعة مدنيين قُتلوا برصاص قوات الجيش، في اليوم الثالث للحملة العسكرية الموسعة". وأضافت المصادر لـ "العربي الجديد"، أن "قوات الجيش أطلقت النيران على مدنيين، خلال الحملة".
من جهته، يقول الخبير العسكري، اللواء طلعت مسلم، إن "الجيش ينفذ حملة عسكرية موسّعة ضد الجماعات الإرهابية، وهي إحدى الخطوات للقضاء عليه". ويضيف مسلم لـ "العربي الجديد"، أن "الأهم في مثل هذه الحملات هو عدم التعرض للمدنيين بشكل موسع، وإن كان هناك تجاوزات تحدث ولكن بشكل غير مقصود".
ويشير إلى أن "الجيش حقق نجاحات كبيرة في سيناء، مع استمرار ملاحقة العناصر المسلحة في الصحراء، جنباً إلى جنب مع إخلاء المناطق الحدودية من السكان". ويؤكد أنه "لا بدّ بين كل فترة وأخرى القيام بعمليات موسعة لضبط العناصر المسلحة التي تختبئ وسط المدنيين".
من جانبه، يقول أحد الخبراء، رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إن "حملة الجيش الأخيرة فشلت قبل أن تبدأ، نظراً لغياب الهدف والخطة". ويضيف أن "الأزمة تتلخّص في وجود رغبة في عمل استعراض إعلامي، بوجود عمليات وملاحقة المسلحين، بيد أن الحقيقة على أرض الواقع لا تثبت ذلك".
ويؤكد أن "تنظيم ولاية سيناء تطوّر بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، والأزمة باتت مرتبطة بنقص المعلومات حول تحرّكات التنظيم. بالتالي فإن كل الحملات التي تحصل من دون معلومات موثقة ومؤكدة ستفشل".
اقرأ أيضاً: مصر تهمّش سيناء