صحيح أن الدستور الأميركي لا يُميّز بين المرشحين في الدين والأصل والمهنة والجنس لتولّي منصب الرئيس، لكن التمييز في المواطنة بين المواطن بالتجنّس والمواطن بالولادة مسموح به، عندما يتعلق الأمن بمنصب الرئيس كحالة استثنائية وحيدة.
ويستند هذا التمييز الدستوري إلى نصّ وارد في المادة الثانية من الدستور الأميركي، بأنه "لا يكون أي شخص سوى المواطن بالولادة، مؤهلاً لمنصب الرئيس، كما لا يكون مؤهلاً لذلك المنصب أي شخص لم يبلغ سن الخامسة والثلاثين، ولم يكن مقيماً في الولايات المتحدة مدة 14 عاماً".
وإذا كان النصّ الدستوري بمثل هذا الوضوح، فما الذي يجعل محامٍ ضليعٍ في القانون وعضو بارز في أعلى مجلس تشريعي في الولايات المتحدة، السيناتور تيد كروز، المولود في كندا لأم أميركية، يغامر بخوض الانتخابات الرئاسية، وهو يدرك أنه مولود في بلد أجنبي وليس في الأراضي الأميركية؟
يجيب كروز عن هذا السؤال بما معناه، إن المواطنة بالولادة لا تعني الولادة في الأراضي الأميركية بالضرورة، وإنما تعني ألا تكون المواطنة مكتسبة بالتجنّس. ولهذا السبب لم يُقدّم كروز شهادة ميلاده لإثبات "أميركيته" بالولادة، بل قدّم شهادة ميلاد والدته.
هذا التفسير لم يقنع منافسه القوي رجل الأعمال، دونالد ترامب، مثلما لم يقنع العديد من خبراء القانون الدستوري. ولكن إذا استمر تصاعد نجم كروز وضاقت الفجوة بينه وبين ترامب، فإن خفوت الجدل القانوني عن أهليته للرئاسة لن يستمر، بل سيُحال في نهاية المطاف إلى المحكمة العليا لتفصل فيه. وإذا ما اقتنعت المحكمة بذلك وفاز كروز بالرئاسة، فسيكون أول رئيس للولايات المتحدة يولد خارجها.
اقرأ أيضاً طريق البيت الأبيض 2016: تحوّل جذري بمفهوم التنافس التقليدي
لكن الموانع القانونية لا تُمثّل شيئاً مقارنة مع الصعوبات الأخرى الأكثر حساسية، التي لا ينصّ عليها الدستور والقوانين، ولكنها تؤدي دوراً جوهرياً في تحديد النتائج النهائية بطريقة ديمقراطية لا غبار عليها. السيناتور ماركو روبيو، مؤهّل دستورياً لمنصب الرئاسة كونه مولوداً في الأراضي الأميركية، لكن والده ووالدته من أصول كوبية، وهو ما يُفسّر إلى حدّ ما تفوق ترامب عليه، وعلى زميله في التطرف كروز، في استطلاعات الرأي العام بين الجمهوريين.
وعلى الرغم من أن الأميركيين بطبيعتهم يتجنّبون إثارة قضايا الدين والأصل العرقي والجنس في الأحوال العادية، إلا أنه يجوز في الانتخابات ما لا يجوز في غيرها. بالتالي يؤدي الدين والمذهب دوراً محورياً في اختيار من يرأس الولايات المتحدة، وما يؤكد ذلك أن واحداً فقط من بين جميع الرؤساء الأميركيين لا ينتمي إلى الطائفة البروتستانتية، وهو الرئيس الأميركي المُغتال جون كيندي، أول وآخر رئيس كاثوليكي.
وإذا كانت شعبية كيندي وشخصيته ساهمتا في بروزه رئاسياً، إلا أن الأمر كان معكوساً للمرشحين الفاشلين لأسباب قد تكون دينية، ومنهم مرشح الحزب الجمهوري عام 2012 ميت رومني، الذي ينتمي لطائفة المورمون (طائفة منشقّة عن البروتستانتية)، ومن قبله مرشح الحزب الديمقراطي، وزير الخارجية الحالي، جون كيري، الذي فشل عام 2004، في تكرار تجربة كيندي، ويصبح ثاني رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة، ولم يكرّر المحاولة بعد ذلك.
يرى الناشط الأميركي الشاب ديفيد باكمان، أن "الأميركيين متسامحون فيما يتعلق بالأصل والعرق واللون والجنس ولكن الديانة ستظل عاملاً مهماً في تقييم رؤسائهم، ولو لم يكن (الرئيس الحالي باراك) أوباما بروتستانتياً، لما نجح في الوصول للبيت الأبيض".
ويعتقد الناشط، أن "الديانة تؤدي دوراً مهماً في التأثير على قرار الناخبين الأميركيين"، مستبعداً لهذا السبب أن "ينجح أي يهودي أميركي في الوصول للرئاسة في هذه المرحلة". ويعيد التذكير أن "المرشح الديمقراطي آل غور خسر أمام جورج بوش عام 2000، لمجرد أنه اختار نائباً يهودياً له هو السيناتور، جوزيف ليبرمان، فكيف إذا كان المرشح للرئاسة نفسه يهودياً؟".
لكن التصفيات الأولية التي جرت في ولاية أيوا، يوم الاثنين، واستطلاعات الرأي السابقة واللاحقة، أظهرت تصاعداً مطرداً في حظوظ السيناتور اليهودي، بيرني ساندرز، الذي قال إن "مسألة فوزه مرهونة بمدى مشاركة الجيل الجديد في الانتخابات"، في إشارة ضمنية إلى أن جيل الشباب أكثر بُعداً عن الارتهان للحواجز الدينية والمذهبية. ويعتقد المحلل السياسي الأميركي، برينت بودوسكي، أن "حركة شبابية تقدّمية واسعة بدأت بالبزوغ في الولايات المتحدة"، متوقعاً أن "تعصف الحركة الشبابية بالقيادات السياسية التقليدية في الانتخابات الحالية".
وجاءت ردود الفعل العصبية من جانب حملة كلينتون الانتخابية ضد تقدّم ساندرز، لتؤكد صحة هذا الرأي، وترفع من احتمال فوز ساندرز بترشيح الحزب الديمقراطي. وقد يصبح بذلك أول يهودي أميركي يُنتخب رئيساً للولايات المتحدة، على حساب حلم آخر هو انتخاب أول رئيسة للولايات المتحدة في التاريخ الأميركي.
يكفي ساندرز الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي هذا العام، لإجهاض حلم هيلاري كلينتون للمرة الثانية، في أن تصبح أول رئيسة للولايات المتحدة، ليكرر بذلك ما فعله أوباما الذي أجهض حلم كلينتون في المرة الأولى عام 2008، عندما فاز بتمثيل الحزب الديمقراطي، قبل أن يصبح أول رئيس أسود في البيت الأبيض.
لكن تمثيل مرشح يهودي للحزب الديمقراطي في انتخابات 2016، بقدر ما يعني تأجيل حلم المرأة الأميركية في الوصول للرئاسة والقضاء نهائياً على طموح هيلاري كلينتون الرئاسي، فإنه لا يضمن بالضرورة إيصال مرشح من الأقلية اليهودية لرئاسة الولايات المتحدة، كما لا يضمن دعم يهود أميركا لهذا المرشح، إذ إن بعضهم ينظر إليه كيساري ليبرالي من فيرمونت، أكثر مما يعتبرونه يهودياً.
اقرأ أيضاً انطلاق التصفيات التمهيدية لسباق البيت الأبيض: أيوا صفارة البداية