ربما تبدو بعض التفاصيل غير مهمّة، إلا أن تعطيل شبكات الهاتف، في إقليم قندوز في أفعانستان، أثّر على حياة المواطنين بشكل كبير. وعلى الرغم من الأوضاع الأمنية الصعبة، لا يستطيع هؤلاء الاطمئنان على بعضهم بعضاً.
في بعض المناطق النائية في أفغانستان، ليس مبالغاً القول إن سلطة الدولة تقتصر على المباني الحكومية. وعلى بعد أمتار منها، تجد المسلحين يصولون ويجولون. وفي مناطق أخرى، قد تتولى الحكومة الأمن نهاراً، والجماعات المسلّحة ليلاً. في أجواء كهذه، يدفع المواطن الأفغاني ثمناً باهظاً.
من بين المشاكل التي يُواجهها المواطن الأفغاني في شمال أفغانستان، وتحديداً في إقليم قندوز، تعطيل خدمة شبكات الهاتف بعد صلاة المغرب وحتى صباح اليوم التالي من قبل الجماعات المسلحة. هكذا، يجد المواطنون أنفسهم عاجزين عن التواصل مع بعضهم بعضاً في ساعات معينة، على الرغم من استعادة قوات الأمن الأفغانية السيطرة على مدينة قندوز، وذلك بعد استيلاء حركة "طالبان" عليها في سبتمبر/ أيلول الماضي. لكن مناطق عديدة ما زالت في قبضة طالبان، التي استطاعت بسط نفوذها فيها وإقامة معاقل آمنة لها فيها.
هكذا، تبدو طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة قادرة على تطبيق جميع قراراتها، بما فيها تعطيل شبكات الهاتف، في وقت ظلّت السلطات المحلية عاجزة فيه عن مواجهة القضية بحزم، وتوفير خدمة الهاتف للمواطنين على مدار الساعة، الأمر الذي أثّر سلباً على حياة المواطنين. ونتيجة تصرفات الجماعات المسلحة وصمت الحكومة أو عجزها عن المواجهة، يشعر عدد كبير من المواطنين بالقلق، خصوصاً أولئك الذين يضطرون إلى الخروج يومياً إلى السوق لتأمين قوتهم، أو الذين يعملون في الحقول، في ظل الوضع الأمني غير المستتب. بالتالي، يؤدي تعطيل خدمة شبكات الهاتف إلى انقطاع التواصل بين أولئك الذين يخرجون للعمل وبين أفراد الأسرة الباقين. هذا الأمر يضاعف هموم هؤلاء، خصوصاً أنهم يعانون من الفقر ومشاكل اجتماعية أخرى.
في هذا الإطار، يقول الشاب الثلاثيني، محمد أيوب، الذي يبدو وكأنه في الستين من العمر بسبب الفقر، إن "المواطن يعاني الأمرّين بسبب لامبالاة أطراف الصراع". يضيف أن "مشاكلنا ليست قليلة في المنطقة التي نعيش فيها. وإذا تأخر أحدنا في المساء، تعيش الأسرة بكاملها في حالة من القلق بسبب عجزها عن الاتصال والاطمئنان". ويسأل عن هدف تعطيل خدمات الهاتف. يسأل أيضاً عمّا تعنيه الجماعات القتالية بالأهداف الجهادية لتنفيذ كثير من مخططاتها كتعطيل شبكات الهاتف، وتفجير الجسور، والأماكن العامة، والمدارس، والمكاتب الحكومية، وغيرها. ولم يبقَ له إلّا مطالبة الجماعات المسلحة بأن "ترحم شعباً عانى كثيراً خلال العقود الماضية، وقد عاش في فقر وخوف بعدما ارتكبت في حقه جرائم لا يمكن لأحد وصفها". ويناشد جميع أطراف الصراع الامتناع عمّا قد يضرّ بالشعب، وعدم التعرّض لشبكات الهاتف، خصوصاً أن الوضع في الإقليم يعدّ متوتراً، ويحتاج الناس إلى التواصل مع بعضهم بعضاً.
اقرأ أيضاً روح الأمين حسن: آلاف التلاميذ الأفغان بلا تعليم
من جهته، يشير سميع الله إلى أنه عانى كثيراً للعثور على سيارة لنقل زوجته إلى المستشفى نتيجة تعطيل خدمات شبكات الهاتف. يتابع: "في ذلك اليوم، مرضت زوجتي بعد صلاة العشاء، وكنتُ مضطراً إلى نقلها إلى المستشفى. حاولت جاهداً الاتصال بصاحب سيارة أجرة أعرفه، لكنني لم أتمكن من ذلك لأن الشبكة كانت معطّلة". ظل يبحث عن سيارة في القرية التي تبعد عن المدينة، حتى فقدت زوجته الوعي. وبعد ساعات عدة، تمكن من العثور على سيارة أجرة، بعدما سار وشقيقه إلى الحي المجاور وسط حالة أمنية سيئة، ونقل زوجته إلى المستشفى.
يوضح الرجل أنه لو كانت شبكات الهاتف تعمل، لكان تأمين سيارة أجرة أمراً سهلاً للغاية، ونقل زوجته إلى المستشفى من دون أن تتألم على مدى ساعات، وتعيش العائلة في حالة قلق. ويشير المسؤولون الأمنيون إلى أن لديهم خطة لمواجهة المسلحين، خصوصاً تعطيل خدمات شبكات الهاتف. ويطالبون الشركات بعدم تلبية مطالب المسلحين. في هذا السياق، يوضح المسؤول الأمني في إقليم قندوز، محمد معصوم هاشمي، أن الحكومة الإقليمية تؤمن الحماية لكل الشبكات والموظفين، لافتاً إلى أنها تطلب منها ألا تأخذ تهديدات المسلحين على محمل الجد.
أما الجماعات المسلّحة، فلم تبد رأيها حتى الآن بشأن القضية. لكنها عادة ما تبرّر مثل هذه الأعمال بالوصول إلى "الأهداف الجهادية". وترى قبائل وبعض المواطنين من سكان قندوز أن المسلحين، الذين كانوا يعيشون في الجبال قبل بدء البرد، صاروا يبيتون لياليهم في القرى، ويخشون من أن يخبر المواطنون السلطات عن مواقعهم. لذلك، يلجؤون إلى تعطيل خدمات شبكات الهاتف.
بطبيعة الحال، ثمّة أسباب مجهولة لتعليق شبكات الهاتف وتفجير مكاتبها وأبراجها في عدد من المناطق، من قبيل ما حصل في إقليم ننجرهار. وتقول قبائل في الإقليم إن المسلّحين فجروا أربعة أبراج لشبكات الهاتف خلال الأيام الماضية في مناطق مختلفة من الإقليم، الأمر الذي أدى إلى تعطيل تام لشبكات الهاتف. من جهة أخرى، يرى البعض أن الجماعات المسلحة تحصل على أموال من الشركات، من خلال تهديدها بتفجير أعمدتها ومكاتبها، أو تهديد موظفيها بالقتل والخطف.
هكذا، يعيش المواطنون في حالة من الخوف الدائم. ولا يبدو أن أزمتهم هذه قد تحل في وقت قريب بسبب عدم تأدية الحكومة دورها.
اقرأ أيضاً: أفغانيّات هربن من المنزل... فسجنّ