تجربة المجتمع اليمني مع المشاركة السياسية للمرأة قديمة قِدم التاريخ اليمني الذي وصلت في ظله امرأة إلى أعلى موقع في السلطة أكثر من مرة، لعل أولاها كانت من خلال الملكة "بلقيس" ملكة سبأ التي ذكرها القرآن الكريم مع نبي الله سليمان عليه السلام، وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد، يوم أن كان كثير من المجتمعات يحرم المرأة جانباً من حقوقها الأساسية والاجتماعية، فضلًا عن التفكير في المشاركة السياسية.
بلقيس لم تكن المرأة الوحيدة التي تسنمت رأس السلطة في اليمن، إذ حكمت خلال العصر الإسلامي الوسيط الملكة "سيدة بنت أحمد الصليحي" والمعروفة بالملكة أروى، ودام حكمها قرابة الخمسين عاماً واشتهر عهدها بالرخاء الاقتصادي والتوسع العمراني.
بعد الثورة اليمنية سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول (1962-1963) وقيام جمهوريتين في شطري اليمن، كان للمرأة حقوقها التي كفلها الدستور والقانون، وظل دورها يتصاعد على أرض الواقع في أكثر من مجال، ثم زاد تمثيلها عقب استعادة الوحدة اليمنية 22 مايو/أيار 1990 وإلى ما قبل ثورة التغيير كانت المرأة أيضاً حاضرة متى استطاعت أن تبرز دورها.
وكانت ثورة التغيير محطة لدور أكبر للمرأة اليمنية في الحياة السياسية، ذلك الدور الذي أوصلها لمنصة التكريم العالمي ممثلاً بتوكل كرمان التي حازت جائزة نوبل للسلام 2011.
ويسجل التاريخ اليمني الحديث أن اليمن كانت أول دولة في الجزيرة العربية تصعد فيها امرأة الى قبة البرلمان، وذلك في عدن بدايات النصف الثاني من القرن الماضي. وتحضر المرأة في الحكومة اليمنية الحالية بواقع 3 نساء، في 3 وزارات (من 34 وزارة) هي: الشؤون الاجتماعية، وحقوق الانسان، ووزير دولة لشؤون مجلس الوزراء؛ في حين تعد النائبة "أوراس ناجي" الأنثى الوحيدة في البرلمان اليمني الذي يضم إلى جانبها 300 رجل.
بعد ثورة التغيير
ارتفعت نسبة مشاركة المرأة اليمنية في العملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة التغيير، وحصلت على دور بارز في مختلف الفعاليات السياسية تكللت بإقرار نسبة مشاركة لا تقل عن 30 بالمئة في مختلف مؤسسات الدولة التشريعية والخدمية.
وأقر مؤتمر الحوار الوطني - الذي وضع المبادئ والموجِّهات الدستورية للمرحلة المقبلة - بأن يضمن الدستور الجديد "تشريعات وإجراءات تتضمن اتخاذ خطوات فعلية لتحقيق تمثيل للنساء لا تقل نسبته عن 30 بالمئة في الهياكل القيادية والهيئات المنتخبة والخدمة المدنية"، حسبما جاء في "وثيقة الحلول للقضية الجنوبية" التي تعد أهم وثائق مؤتمر الحوار.
وشاركت المرأة في مؤتمر الحوار بحصة مخصصة وهي 40 عضواً من بين 565 عضواً، بالإضافة إلى نسبة مشاركة مفروضة على باقي المكونات بنسبة 20 بالمئة من ممثليه للمرأة، لتصل بذلك نسبة مشاركة المرأة إلى 30 بالمئة من إجمالي المشاركين في مؤتمر الحوار.
وأقرت الحكومة اليمنية في يناير/كانون الثاني الماضي اعتماد تمثيل المرأة في الوظائف العامة والمناصب القيادية بنسبة 30 بالمئة، بما "يتماشى مع حجمها العددي، وأدوارها الإبداعية المختلفة، وبما يؤكد تعزيز قوة حضورها في كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومشاركتها في صنع القرار وتبوّؤها للمناصب القيادية على المستوى المركزي والمحلي" حسبما ذكر بيان الحكومة.
تحفُّظات
رفضت تيارات يمنية شاركت في الحوار الوطني إعطاء المرأة حصة محددة ضمن ما يسمى نظام "الكوتا"، معتبرة أن ذلك اعتساف يحمّل المرأة أكثر من جهدها، ويلغي معيار الخبرة والكفاءة على حساب اعتماد "النوع" الاجتماعي.
وتحفظت بعض القوى على الموافقة على نظام "الكوتا" للمرأة، بسبب عدم توفر قدر مناسب من الشخصيات النسائية التي تستطيع القيام بمختلف الأنشطة السياسية في مجتمع محافظ كاليمن.
ويرى المدافعون أن هذه النسبة ستمنح المرأة حقها في المشاركة، وتمثل تشجيعاً حقيقياً لدورها في المجتمع.
وأياً يكن الرأي، فإن المرأة اليمنية انتزعت حقها في المشاركة، ومن الطبيعي أنها ستواجه صعوبات في التطبيق، حيث إن النساء المؤهلات للمشاركة قد لا يغطين هذه النسبة.