تُنظّم المعارضة الروسية، اليوم السبت، مسيرة وسط موسكو لإحياء ذكرى اغتيال أحد رموزها البارزين، زعيم حزب "بارناس" الليبرالي المعارض، بوريس نيمتسوف، الذي قُتل على بعد أمتار من الكرملين في ساعة متأخرة من مساء 27 فبراير/شباط 2015، عندما كان في طريق العودة إلى منزله برفقة الأوكرانية آنا دوريتسكايا.
وعلى الرغم من مرور عام على جريمة اغتيال نيمتسوف وتوقيف المشتبه بهم في تدبيرها وتنفيذها، لم تتمكن جهات التحقيق الروسية من الوصول إلى المحرضين، مع استمرار تضارب روايات دوافع القتلة. وقبل ذكرى مرور عام على وقوع الجريمة، قررت لجنة التحقيق الروسية تمديد حبس خمسة مشتبه بهم بالضلوع في تدبير عملية اغتيال نيمتسوف، ومن بينهم المقاتل السابق بكتيبة "سيفير" (الشمال) الشيشانية، زاور دادايف، الذي يعتبره التحقيق "منفذاً".
سبق لدادايف أن اعترف بعد توقيفه في مارس/آذار 2015، بارتكابه الجريمة، وبدئه هو ومساعديه بالتخطيط لها في يناير/كانون الثاني 2015، بسبب موقف نيمتسوف الداعم لمجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية، التي تعرّضت لهجوم بسبب نشرها رسومات مسيئة للإسلام. إلا أن دادايف نفى شهادته فيما بعد، وزعم أنه أدلى بها تحت التعذيب بالتيار الكهربائي.
ويستبعد إيليا ياشين، نائب رئيس حزب "بارناس"، الصديق المقرّب لنيمتسوف، أن يكون موقفه من "شارلي إيبدو" سبباً لاغتياله، معتبراً أن الجريمة كانت "عملية اغتيال مقابل أجر". يقول ياشين في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "نيمتسوف كان آخر شخص يمكن اتهامه بمعاداة الإسلام، بل كان متسامحاً جداً، وتمّ اغتياله لدوافعٍ سياسية، لأنه كان زعيماً للمعارضة، وذلك بهدف ترويع الرافضين لسياسات (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".
وحول أسباب فشل جهات التحقيق في الوصول إلى المحرضين على الجريمة بعد مرور عام كامل، يُرجّح المعارض الروسي الذي سبق له أن اتهم زعيم الشيشان، رمضان قديروف، بالضلوع فيها، أن "أعلى قيادة سياسية في البلاد تتستر عليهم".
اقرأ أيضاً روسيا تهدد المنظمات الأجنبية: خوف من ميدان معارض؟
يؤكد ياشين وجود مخاوف على حياة رئيس حزب "بارناس"، ميخائيل كاسيانوف، وذلك بعد تصويب قديروف على كاسيانوف عبر منظار بندقية قنص في مقطع فيديو على "إنستاغرام" (تم حذف الفيديو فيما بعد). ويضيف أن "هناك تهديدات مباشرة وحقيقية لحياة كاسيانوف من قيادة الشيشان، وتم التأكد بعد الاعتداء الأخير أن أفراداً من وزارة الداخلية الشيشانية يتعقبونه".
وبمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال نيمتسوف، قدّم ياشين قبل أيام تقريراً بعنوان "تهديد للأمن القومي" حول النظام الحاكم في الشيشان، يتناول فيه مسيرة قديروف من مسلّح قاتل ضد الجيش الروسي في التسعينيات من القرن الماضي، إلى حاكم الشيشان، واعتماده على دعم ضخم من الميزانية الفيدرالية الروسية و"جيش خاص" يدين بالولاء له شخصياً.
يصف التقرير الشيشان بأنها "دولة إسلامية محلية" تعيش وفقا لتقاليدها وقوانينها، وتحصل في الوقت نفسه على مليارات من الميزانية الروسية. كما يشير التقرير إلى أنه "بزيادة رأس ماله السياسي والعسكري، تحول زعيم الشيشان في جوهر الأمر من حاكم إقليم إلى شخصية، يمكنها الحديث مع بوتين على مستوى متكافئ، وعدم الاعتراف بأي مؤسسة في روسيا باستثناء مؤسسة الرئاسة".
وحول أسباب ولاء القوات الشيشانية بشكل مطلق لـ"قديروف" شخصياً، يوضح التقرير أن "نواة هذه القوات تشكّلت من الانفصاليين السابقين، الذين تمّ العفو عنهم بقرار من زعيم الشيشان الذي سمح لهم بحمل السلاح من جديد، ولكن تحت قيادته".
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في سبتمبر/أيلول المقبل، وهي أول انتخابات تشهدها البلاد منذ بدء أزمتها الاقتصادية الخانقة بسبب تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو على خلفية الوضع في أوكرانيا، تواجه المعارضة الروسية مضايقات متزايدة.
يُذكر أن نيمتسوف (من مواليد عام 1959) شغل منصب حاكم مقاطعة نيجني نوفغورود، قبل أن ينتقل إلى موسكو ليشغل منصب نائب رئيس الوزراء، ثم نائب رئيس مجلس الدوما (النواب) في نهاية عهد الرئيس الروسي الراحل، بوريس يلتسين، وبداية عهد بوتين.
ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الـ21، تحول نيمتسوف إلى أحد أبرز رموز المعارضة "غير النظامية" في روسيا، إلى أن تم اغتياله بإطلاق أربع رصاصات في ظهره قبل عام، وأثارت الجريمة ردود فعل غاضبة واستنكارا واسعا في روسيا وخارجها.
اقرأ أيضاً: سياسة تكميم الأفواه تطيح تقرير "بوتين. الحرب"