وأكدت عمليات قوات النظام، ومليشيات إيرانية مساندة لها، عدم جدية الضامن الروسي لاتفاق التهدئة في تمهيد الطريق أمام التوصل لوضع آليات مراقبة تضمن رسوخ وقف إطلاق النار، ما من شأنه ردم هوّة عدم ثقة تتسع بين موسكو والمعارضة السورية. وكانت الرعاية الروسية لتهجير عدد كبير من سكان حي الوعر الحمصي، برعاية مباشرة من القاعدة الرئيسية في حميميم، بمثابة "رصاصة الرحمة" على كل مسار أستانة، إذ تبيّن للمعارضة المسلحة أن هذا المسار الطارئ، لم يكن سوى محاولة لشراء الوقت للقضاء على المعارضة، في أبرز معاقلها.
وأشار عضو وفد قوى الثورة العسكري، النقيب سعيد نقرش، إلى أن اتفاق التهدئة "بات حبراً على ورق". وقال، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إن "الروس يحاولون تسويق فكرة أنهم طرف ضامن للاتفاق، لكن الوقائع أثبتت أنهم طرف مع النظام، ومشاركون في جرائمه". وأكد أن محاولات تهجير أهالي حي الوعر في حمص كان أحد الأسباب الرئيسة وراء وضع محددات للعودة إلى العاصمة الكازاخية مرة ثالثة. وكان وفد قوى الثورة العسكري أكد أنه لن يذهب إلى "أستانة 3"، المتوقع في 14 مارس/آذار الحالي في العاصمة الكازاخية، إلا إذا تم تثبيت وقف إطلاق النار، وإيقاف عمليات تهجير السوريين في عدة مناطق، آخرها حي الوعر الحمصي. وطالب الوفد، في بيان أول من أمس، بـ"تأجيل موعد لقاء أستانة إلى ما بعد نهاية الهدنة المعلنة من 7 إلى 20 الشهر الحالي"، مؤكداً أن "استمرارية الاجتماعات ترتبط بتقييم نتائج وقف إطلاق النار والالتزام به"، مشترطاً "استكمال مناقشة وثيقة آليات وقف إطلاق النار قبل الذهاب إلى أستانة، كما كان متفقاً عليه في أنقرة".
وحاولت المعارضة السورية التحلي بـ"الصبر" إزاء الخروقات الجوهرية لاتفاق التهدئة من قبل النظام، وحلفائه، كي لا تظهر أمام المجتمع الدولي بمظهر المعطل للحلول السياسية، لكنها وجدت نفسها مطالبة بموقف واضح، بعد أن خسرت أهم معاقلها في محيط دمشق، أثناء فترة سريان اتفاق وقف إطلاق النار، ما يجعل من هذا الاتفاق مجرد واجهة خالية من أي قيمة سياسية وعسكرية. وخسرت المعارضة السورية المسلحة معقلها الأبرز في منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق، وهي على وشك خسارة حي الوعر الحمصي، ومناطق في دمشق وريفها، إضافة إلى مناطق في محافظة درعا جنوب البلاد. وبات من الواضح أن النظام وحلفاءه متفقون على حصر المعارضة في محافظة إدلب بانتظار الظرف المناسب لشن حملة واسعة النطاق عليها في تكرار لسيناريو حلب، ما يعني القضاء على المعارضة وفرض حلول تُبقي النظام ورأسه في السلطة.
ومن المفترض أن تبدأ اجتماعات "أستانة 3" غداً الثلاثاء، للبحث في آليات تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، لكن اعتذار وفد القوى العسكري عن الحضور ومطالبته بتأجيل الموعد، يفقد المباحثات، في حال انعقادها، الكثير من أهميتها، وربما يُودي بمسار أستانة التفاوضي إلى الفشل الكامل. كما من المرجح أن تلقي هذه التطورات بظلالها على مسار جنيف التفاوضي المنوط به التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، لا يبدو أنها تلوح في أفق قريب، خصوصاً أن الأمم المتحدة تأمل بالتخفيف من حدة "العنف" في سورية لخلق أجواء مناسبة للتفاوض. ولم يتأخر الرد الروسي على رفض وفد قوى الثورة العسكري التوجه إلى أستانة بتصعيد عسكري واسع النطاق، شمل غالبية المناطق التي لا تزال تحت سيطرة قوات المعارضة. وحاولت قوات النظام فجر أمس الأحد استعادة مناطق خسرتها أخيراً في مدينة درعا جنوب البلاد، لكنها جوبهت بصد من قوات المعارضة المدافعة عن حي المنشية، قابله النظام بقصف مدفعي وجوي أدى إلى مقتل مدنيين، بينهم طبيب معروف، وناشط إعلامي. كما حال تصعيد مفاجئ في حي الوعر الحمصي أمس دون توقيع اتفاق مع الجانب الروسي، ينص على تهجير مقاتلي المعارضة وعائلاتهم ومدنيين آخرين إلى شمال سورية، في الوقت الذي واصلت فيه قوات النظام محاولاتها اقتحام حيي برزة والقابون شمال شرقي دمشق، ومناطق في الغوطة.
ولا تتوقع المعارضة أن يفضي التفاوض مع النظام، سواء على المسار العسكري أو السياسي، إلى نتائج، ما لم تتبلور استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة حيال الملف السوري، إذ ليس من المتوقع صمود أي مخرجات من دون مباركة من واشنطن، التي تبدو أنها مشغولة بملف محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتعتبره أولوية. وبدأت وزارة الدفاع الأميركية الزج بقوات من المارينز استعداداً لمعركة الرقة، التي لا يزال الغموض يلف بعض جوانبها، إذ يبدو أن الإدارة الأميركية لم تحسم أمرها لجهة الجهات التي ستعتمد عليها بشكل كامل في اقتحام الرقة. وتؤكد محاولات الإدارة الأميركية إقناع أنقرة الانخراط في المعركة، تيقّن واشنطن من عدم قدرة "قوات سورية الديمقراطية" على انتزاع السيطرة على المدينة، لكن المسعى الأميركي يصطدم برفض تركي المشاركة في معركة يكون لهذه القوات دور فيها. بموازاة ذلك، لا تزال هذه القوات، التي تضم فصائل غير متجانسة، تشكّل مليشيا الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي وتتولى مهمة التوجيه فيها، تتقدم في ريف الرقة الشرقي في محاولات حثيثة لتأكيد قدرتها القيام بالمهام الملقاة عليها من قبل التحالف الدولي لـ"عزل" مدينة الرقة، في مسعى منها لإبعاد المعارضة السورية المسلحة، المدعومة من تركيا، عن معركة استعادة السيطرة على أهم معاقل تنظيم "داعش" في سورية.
وأعلنت غرفة عمليات "غضب الفرات"، المشرفة على المعارك، أمس الأحد السيطرة على قرية كأس عجيل، بعد يوم من سيطرتها على قرية المتاب شرق الرقة. وفي السياق، قالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الرقة وريفها اكتظت بالنازحين من ريف حلب الشرقي أمام تقدم قوات النظام، ومليشيات إيرانية، وأخرى محلية تساند هذه القوات وتمارس عمليات انتقام واسعة النطاق بحق المدنيين في قرى سيطرت عليها أخيراً. وحذرت المصادر من "مآسٍ" في حال استمرت هذه القوات بالتقدم باتجاه ريف الرقة الغربي الذي يضم عشرات القرى، مطالبة بتوفير ممرات إنسانية للمدنيين للوصول إلى أماكن آمنة تحت رقابة دولية. وطالب الملتقى المدني في الرقة، والتابع للمعارضة السورية، بـ"إيقاف القصف العشوائي" على المدينة، مشيراً، في بيان السبت، إلى أن المدنيين وحدهم ضحايا هذا القصف، داعياً إلى العمل على عدم حصول تجاوزات من "قوات سورية الديمقراطية" بحق المدنيين "كي لا تحصل نزاعات وصدامات قومية"، وفق البيان الذي صدر في مدينة أورفا جنوب تركيا التي تضم عدداً كبيراً من أبناء الرقة المهجرين.