يعود الحديث في كل مرة يحقق فيها مقاتلو المعارضة السورية انتصارات على قوات النظام قرب حدود اللاذقية، إلى الحديث عن بدء معركة الساحل. ويعتقد كثير من المراقبين أن معركة الساحل ستحقق أهدافاً غاية في الأهمية، إذ إنها ستعجّل في رحيل النظام عبر ضرب الحاضنة الشعبية له، كما حدث في معركتي الساحل الماضيتين "أم المؤمنين عائشة"، و"الأنفال"، واللتين أجبرتا النظام على تحريك قدراته العسكرية باتجاه الساحل السوري، مع أن الهجومين كانا ضعيفين بالقياس إلى المعطيات الراهنة الآن، والتي تجعل المعارضة تعيش أفضل أيامها منذ انطلاق الثورة، فبدء معركة من هذا النوع في هذا الوقت، يعني تبدلات كثيرة في الخارطة السورية، كما أن فتح المواجهات في قلب مناطق النظام سيمنع مشروع التقسيم المطروح بقوة في الأوساط الدولية والإقليمية.
لكن قرار بدء معركة الساحل من عدمه، بحسب بعضهم، يرتبط بقرار دولي وإقليمي، بما أن المعركة تغيّر موازين القوة بشكل رئيسي، فضلاً عن تواجد الأقليات في تلك المنطقة. وإلى أن يتم اتخاذ القرار، تبدو المعركة في سهل الغاب حتى الآن معركة الأهداف الاستراتيجية، والتي يأتي على رأسها المحطة الحرارية وسد زيزون وقرى تل واسط والزيارة، وإلى أن تحقق قوات المعارضة أهدافها في الوصول إلى جورين، لا يبدو التفكير في ما بعدها مطروحاً على الطاولة.
ويبدو أن "جيش الفتح" عازم تماماً على ضمان قرى سهل الغاب، بما فيها القرى الموالية للنظام، مع استعادته خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية السيطرة على عدة نقاط في محيط سهل الغاب، في وقت تدور فيه اشتباكات عنيفة قرب حاجز البحصة، القرية الموالية للنظام، والتي لا تبعد سوى مئات الأمتار عن معسكر جورين. هذا التقدّم يفتح الباب أمام "جيش الفتح" للسيطرة على بلدة زيزون التي تحوي محطة زيزون الحرارية، وهي أهم النقاط التي يتصارع عليها "جيش الفتح" وقوات النظام، والأخيرة قد لا تتوانى عن تدمير المحطة في حال شعرت أنها ستخسرها تماماً، إذ تفيد الأنباء أنه تم تدمير القسم الشمالي من المحطة بالكامل جراء القصف الجوي للنظام. وتكمن أهمية محطة زيزون الحرارية بأنها المحطة الوحيدة التي تغذي محافظة إدلب بالكهرباء، إضافة إلى بعض القرى في سهل الغاب، وبالتالي فمن المتوقّع أن يحتدم الصراع عليها في الأيام المقبلة، كونها أحد أهم مصادر التيار الكهربائي في تلك المناطق.
وعلى الرغم من أن المحطة قد خرجت عن الخدمة منذ نحو شهر، وتعرضت للقصف في الكثير من أجزائها، فيما يتدبر السكان أمورهم الآن عبر مجموعات التوليد الخاصة والعامة، إلا أن المحطة ستكون نقطة تحوّل لصالح الطرف الذي يسيطر عليها، يشمل هذا الهدف السيطرة على سد زيزون في البلدة ذاتها، التابعة إدارياً لمحافظة حماه. وكان السد قائماً أمام بحيرة تبلغ سعتها نحو سبعين مليون متر مكعب، من مياه الأمطار ونهر العاصي، ويُستخدم مخزونها في ري منطقة الغاب، لكن السد الذي أُنجز عام 1995 انهار بعد ذلك بسبع سنوات، وتحديداً في بداية يونيو/حزيران عام 2002، وأدى الحادث الذي لم تكشف دمشق نتائج تحقيقه حتى الآن، إلى مقتل أكثر من 22 شخصاً كانوا يسكنون في المنطقة التي غمرتها مياه السد بعد انهياره، قبل أن تقوم قوات النظام بترميمه من جديد.
اقرأ أيضاً: معركة سهل الغاب: المعارضة تسعى لتحييد النظام شمالي سورية
ويهدف "جيش الفتح" بعد ذلك إلى السيطرة على قرية فورو بسبب قربها من معسكر جورين التابع للنظام، والذي يُعدّ الخزان البشري لقوات وميلشيات النظام، إذ يتم إرسال الأرتال العسكرية منه إلى مناطق الاشتباكات مع فصائل المعارضة، ويطل على أغلب القرى الموالية للنظام في السهل، علاوةً على أهميته الاستراتيجية لموقعه بين تلك القرى الموالية، فيما يُعدّ أيضاً أحد مراكز القصف التي يتم منها قصف القرى والمدن في سهل الغاب بريف حماه.
وبوصول "جيش الفتح" إلى جورين، ستكون معركة الساحل قد أصبحت على الأبواب، في حين يبقى قرار شن هذه المعركة من عدمه غير معروف، إذ ستكون جورين الحد الفاصل بين مقاتلي المعارضة من ريف اللاذقية الشمالي وريف حماه الشمالي الغربي وريف إدلب الجنوبي الغربي من جهة ومقاتلي النظام في ريف اللاذقية الشرقي وريف حماه الشمالي الغربي، وجورين هي قرية في ناحية شطحة التابعة لمنطقة السقيلبية، وتقع في أقصى الشمال الغربي لمحافظة حماه.
وفي هذا السياق، يؤكّد المسؤول الإعلامي في حركة "أحرار الشام" الإسلامية أبو اليزيد، أن "الهدف الرئيسي لجيش الفتح منع قوات النظام من التفكير في الرجوع إلى محافظة إدلب، وتخليصها من القصف"، موضحاً "أننا نعرف أن النظام لن يتخلى عن سهل الغاب، ونريد قطع الطريق وأخذ السهل، لأن ذلك سيضمن لنا عدم عودة النظام، إذ سيفصل نهر العاصي بين مناطقنا في سهل الغاب ومناطق قوات النظام في الساحل".
ويؤكد أبو اليزيد لـ"العربي الجديد" أن "معركة الساحل غير مطروحة على الأرض حالياً"، مبيناً أن "محطة زيزون بوابة لدخول المناطق الاستراتيجية الأخرى الممثلة بالزيارة وتل واسط، فسهل الغاب عبارة عن مناطق مترابطة، وصولاً إلى منطقة جورين".
يُذكر أن سهل الغاب يُشكّل سهلاً منبسطاً خصباً، يمرّ فيه نهر العاصي، ويبلغ طول السهل نحو 80 كيلومتراً، وعرضه بين 10 و13 كيلومتراً، وهو محاط بجبال عالية، خصوصاً من الجهة الغربية، ويبلغ عدد سكان السهل الغاب نحو 250 ألف نسمة، نزح معظمهم جراء القصف والمعارك الجارية، ويسكنه العديد من العشائر العربية العريقة، مثل الدمالخة والويس والجيس وبني سعيد، ويشكل تنوّعاً طائفياً يسكنه السنّة والعلويون والإسماعيليون والمرشديون.
اقرأ أيضاً: النظام السوري يحرّك جبهة الساحل: معركة مقبلة؟