المعارضة السورية والرهان على ما بعد انكفاء "داعش"

29 سبتمبر 2014
جدل بشأن غارات التحالف في سورية (أحمد علي/الأناضول)
+ الخط -

لا تزال غارات طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية موضع جدل في سورية، بين من يراها ضرورية للتخلص من سطوة تنظيم "الدولة الإسلامية" تمهيداً للتخلص من بطش النظام، ومن يراها هدية مجانية تقدم للنظام في الوقت الذي بدأ فيه التنظيم تركيز جهده على محاربة النظام، وانتزع منه بالفعل جميع مراكزه في محافظة الرقة، وكان على وشك مهاجمة مطار دير الزور العسكري، لولا هذه الضربات.

هذا التوجس من غارات التحالف، وجد صداه لدى العديد من الهيئات السياسية والفصائل العسكرية التابعة للمعارضة ولا سيما مع استهداف الغارات لقوى أخرى غير تنظيم الدولة، ما جعل كثيراً من هذه الفصائل تتحسب من أن تكون هي بدورها مدرجة على قائمة القصف بوصفها تنظيمات "إرهابية متطرفة"، فبادرت إلى إخلاء مقارها، وصدرت عنها مواقف معترضة على القصف الذي أوقع ضحايا مدنيين في بعض الحالات.

بل إن عناصر من حركة "حزم" المدعومة من الولايات المتحدة كانوا ضحية لضربات التحالف في ريف ادلب حين حاولوا المساعدة في جهود الإنقاذ بعد تعرض مواقع "جبهة النصرة" للقصف في اليوم الأول من الغارات.

وما زاد من توجس هؤلاء مبادرة قوات النظام، بما فيها سلاح الطيران، إلى استهداف المناطق نفسها التي تضربها قوات التحالف، وآخرها قصف طيران النظام أمس السبت مواقع لتنظيم الدولة في محيط مطار دير الزور العسكري، وهو ما يشير إلى أن ثمة تنسيقاً عملياتياً على الأرض بين التحالف والنظام، وإلا فكيف تحلق طائرات من جهتين مختلفتين، ويفترض انهما غير صديقتين، في سماء المنطقة نفسها من دون تنسيق مسبق.

في المقابل، يرى المرتاحون للغارات أنها قد تكون مجرد بداية الطريق لعملية أوسع ستؤدي في النهاية إلى التخلص من النظام عبر التثبيت التدريجي لوقائع جديدة تقلص الأرض التي يسيطر عليها، أو على الأقل تثبتها وتمنعه من أي توسع مستقبلي.

وتعتمد الآلية التي ستسير عليها الأمور، وفق هؤلاء، ونقلاً عن مصادر وتحليلات مختلفة، على الضعف المفترض الذي سيحل بقوات "تنظيم الدولة" تدريجياً جراء الغارات، ما يحد من قدراته الهجومية (توقفت تقريباً كل العمليات الهجومية للتنظيم، باستثناء هجومه على عين العرب) وإجبار قوات التنظيم في مرحلة لاحقة على الانسحاب من بعض المواقع المكشوفة أو التي لا يستطيع تأمين عناصره فيها من ضربات الطيران، ما يخلق تالياً "مناطق فارغة" ينبغي أن تدخلها قوات أخرى للحفاظ على الأمن فيها.

ويرى هؤلاء أن واشنطن، ووفق ما يصرح مسؤولوها بشكل متكرر، لن تسمح أن يكون النظام هو الطرف الذي يملأ الفراغ عند أية انسحابات لتنظيم الدولة، وأن الجهة التي ستحل مكان تنظيم الدولة هي "القوى المعتدلة" في المعارضة السورية المسلحة والتي دربت واشنطن سابقاً بمساعدة دول اقليمية آلافاً من مقاتليها، وأعلنت أنها ستدرب أكثر من خمسة آلاف آخرين خلال الفترة المقبلة.

وفي هذا السياق تأتي تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية، مارتن ديمبسي، التي قال فيها إن غارات التحالف على عناصر "الدولة الإسلامية" في سورية عرقلت عمل قيادة التنظيم وقدرته على التحكم على الأرض إضافة إلى عرقلة قدراته اللوجستية.

ويوضح ديمبسي أمام الصحافيين في وزارة الدفاع الأميركية أن الحملة حتى الآن أثّرت على البنية التحتية للتنظيم، ويشير إلى الحاجة إلى ما بين 12 و15 ألف مقاتل من المعارضة السورية لاستعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها في المواجهة مع تنظيم الدولة شرقي البلاد.

وحسب معطيات مختلفة، فانه يوجد بالفعل نحو عشرة آلاف مقاتل مدربين بإشراف أميركي، ويبقى انتهاء تدريب الخمسة آلاف الآخرين، ليتطابق الرقم مع ما أعلنه ديمسبي.

يترافق ذلك مع إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن بلاده زوّدت المعارضة السورية المعتدلة بالسلاح ويمكن أن تمدها بالمزيد، في وقت أعلن فيه في أنطاكيا التركية عن اجتماع بين فصائل من المعارضة وأعضاء في الكونغرس الأميركي.

كذلك كان لافتاً قول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تصريحات نشرت أمس السبت، إن القوات التركية قد تساهم في إنشاء منطقة آمنة في سورية في حالة ابرام اتفاق دولي على اقامة ملاذ للاجئين الذين يفرون من مقاتلي الدولة الاسلامية، مؤكداً أن "المنطق الذي يفترض ان تركيا لن تشارك عسكرياً خاطئ". وأضاف "عند توزيع الأعباء ستضطلع كل دولة بدور معيّن وستنفذ تركيا الدور المنوط بها مهما كان"، مضيفاً أن العمليات الجوية وحدها لن تكفي.

من الواضح أن جميع الأطراف إما تتحسب أو تراهن على مرحلة ما بعد ضرب تنظيم "داعش" وهي مرحلة قدر مسؤولون أميركيون أن تمتد أشهراً وسنوات، لكن سيتم على الأرجح قبل ذلك تشكيل رؤية أميركية ودولية متماسكة بشأن مصير "القضايا العالقة" في المنطقة ومصير نظام بشار الأسد، فضلاً عن "القوى البديلة" التي ستتسلم الحكم في سورية.

وكل ذلك في إطار صفقات ومساومات ستخوض فيها أطراف عدة، في مقدمتها إيران التي ستناور حول مسألتين رئيسيتين وهما برنامجها النووي ومصير نظام الأسد، فضلاً عن أطراف عربية قبلت المشاركة السياسية والعسكرية في التحالف الراهن، مقابل أن يكون لها كلمة في تقرير هذه القضايا.

المساهمون