قبل بضع سنوات قرر عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة من شباب قرية تارميكت، القريبة من مدينة ورزازات في جنوب شرق المغرب، خلق بدائل تجعلهم يشاركون بشكل مجدٍ في الحياة العامة، خاصة أن أعداد رفاقهم ممن يعانون الإعاقة ليست قليلة.
وأسس الشباب "جمعية الكرامة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بتارميكت"، لتكون إطارا جامعا لأعمالهم، لخدمة قضيتهم والعناية بفئتهم. والتي بدأت أنشطتها بدروس في محو الأمية وتعلم أساسيات الكتابة والقراءة، لتساعد هؤلاء الشباب على تجاوز مشكلة افتقاد المدارس العمومية في المنطقة لفصول دراسية مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. بالإضافة إلى محاولة خلق مشاريع بسيطة لتصبح مصدر دخل مناسب لهم.
نظرة المجتمع
ويعتقد الكاتب العام لجمعية الكرامة، عمر أودادن، أن الحيف الذي تعانيه هذه الفئة مرتبط بالفهم المجتمعي وقدرته على التخلص من تلك النظرة الدونية للشخص المعاق.
ويعدد أودادن في تصريحه لـ"العربي الجديد" جملة من المشاكل التي يجابهها هؤلاء بشكل يومي، يبقى أبرزها عدم القدرة على الوصول إلى الخدمات العمومية بشكل طبيعي، "حتى ركوب سيارة أجرة، يصبح أمرا شبه مستحيل بالنسبة للأشخاص المعاقين، لأن السائقين يتصرفون بمنطق الأولوية للأسوياء بدنيا وذهنيا، ولا يريدون تضييع الوقت في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة"، يضيف عمر أودادن بحسرة كبيرة.
ويرى الناشط المجتمعي، محسن بيوض، أن هؤلاء يحاولون الاستمرار بالاعتماد على مجهودهم الفردي في غياب أي دعم رسمي من المسؤولين المحليين.
ويتابع بيوض لـ"العربي الجديد": "إنهم يشتغلون بمفردهم ويستمرون في المحاولة رغم كل العقبات والمشاكل التي تعترضهم، على سبيل المثال تواجه منتجاتهم مشكلة التسويق، لكنهم ورغم ذلك لا يتوقفون أبدا ويستمرون في العمل، حتى في غياب مدخول مناسب يحقق لهم التوازن المالي".
استغلال رخيص
وتزيد معاناة هذه الفئة المهمشة في ظل وجود من يحاولون استغلال وضعهم الخاص.
ولعل قصة الحسين أودارا، تعبير قاسٍ عن جشع البعض وغياب قيم الإنسانية لديهم.فحين اعتقد الحسين أنه تخلص من لعنة وضعه الاجتماعي حين حصل على رخصة استغلال "مأذونية سيارة أجرة"، وأوكل الحسين لأحد الأشخاص مهمة الاشتغال على السيارة على أن يحصل على الجزء الأكبر من عائدها نهاية كل شهر، بموجب عقد بين الطرفين، إلا أن الطرف الثاني أخل بالاتفاق ورفض إعادة الرخصة والسيارة إلى صاحبها.
ولا يزال الحسين، الذي يعيش ظروفا نفسية سيئة، ينتظر إلى اليوم حكما بالإنصاف من المحكمة التي أنهكه، ماديا ومعنويا، التنقل إليها بشكل مستمر، إضافة إلى قيام شخص بالاحتيال عليه في قطعة أرض وسرق كل مدخراته.
الحسين.. لم يسلم من الاستغلال |
ولا تنتهي حكايات الاستغلال للأشخاص المعاقين، فقصة الشابة المعاقة ذهنيا التي تعرضت للاستغلال الجنسي من طرف أحد أقاربها، ما جعلها تحمل سفاحا.
فلم يعتقد أهل الشابة المسكينة أن وحشا بشريا من أقربائها سينتهز فرصة تواجدها وحيدة في المنزل أثناء مغادرة أسرتها لحضور حفل زفاف محلي للانقضاض عليها، مستغلا براءتها وعدم إدراكها ما يجري من حولها، ورغم أن إحدى جارات العائلة قد أمسكت المجرم متلبسا بفعلته الشنيعة، غير أنها تسترت عليه إلى أن اكتشفت العائلة حمل ابنتها.
معركة مع الواقع
هذا الشعور بالظلم المجتمعي، لم يثبط من عزيمة هؤلاء الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة في قرية تارميكت، فهم واعون بواقعهم يتعايشون معه ولا يتعبون من محاولات تغييره، جاعلين من هذا التحدي معركة إثبات للذات.
فعبد العالي بركة، الشاب الحرفي في مجال صناعة الحلي والذي يعاني من إعاقة حركية، يرفض السقوط في فخ الإحباط، ويرى أن إعاقته لا تشكل حائلا بينه وبين الاندماج في مجتمعه رغم العراقيل التي يواجهها يوميا.
"أنا سأستمر في الاشتغال دائما والقيام بالحرفة التي أجيدها من أجل تحسين وضعي وعدم الاستسلام للإعاقة، أنا لا أرى نفسي غير قادر على القيام بما يقوم به الأشخاص الطبيعيون، رغم أن المكان الذي أشتغل فيه ليس لائقا، ويفتقد للمقومات المطلوبة وعدم توافر المواد الأولية لعملي واضطراري للسفر لجلبها، إلا أن ذلك ليس مبررا للتوقف، وعلى الآخرين -مواطنين ومسؤولين- أن يتوقفوا عن النظر إلينا وكأننا نستجدي العطف"، يقول عبد العالي لـ"العربي الجديد" بتصميم كبير لم تنقص منه لغة الرفض الذي وجهت به عدد من طلبات العمل التي تقدم بها.
إثبات الذات
حسن أيت عبد الله، شاب في العشرينيات من عمره، يعاني من إعاقات متعددة على مستوى السمع والبصر والحنجرة، اضطر إلى مغادرة مقاعد الدراسة مبكرا بسبب عجزه عن مسايرة زملائه في الفصل.
واستطاع حسن أن يتألق على المستوى الرياضي بالحصول على عدد من الميداليات في الأولمبياد الخاص بالرياضيين ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب وخارجه، في مسابقة ألعاب القوى، رغم ضعف الإمكانات.
حسن.. تغلب على إعاقته وضعف إمكاناته بتميزه الرياضي |
لا يتدرب حسن إلا نادرا، وبدون مدرب، ويأمل أن يستمر ويحقق المزيد من البطولات، لكنه ملزم في نفس الوقت بإعالة أسرته البسيطة، والبحث عن لقمة العيش من خلال عمله كبائع للرغيف.
"أنا سعيد جدا لما حققته، لا أعرف إن كنت سأستطيع الاستمرار في غياب الدعم المادي والمعنوي لي أم لا. فأنا عليّ مساعدة عائلتي التي لا مورد رزق لها، لا يمكنني أن أترك العمل وإلا سنموت جوعا، خاصة أن عائلتي لا يوجد فيها من يستطيع العمل غيري، لا أحد يلتفت إلى الناس مثلنا، إضافة إلى أننا في قرية نائية جدا لا تحظى بأولوية المسؤولين"، يقول حسن بصوت مبحوح ومتلعثم بسبب أعراض الإعاقة.
صور من إبداعات الشباب المعاقين بالجمعية
اقرأ أيضاً:
"بويا عمر": معتقل أصحاب الإعاقات الذهنية في المغرب
مطالبات بإنشاء صندوق لحماية المعوقين في المغرب
المغرب: صعوبات مالية تواجه تأمين علاج الفقراء