المعذرة.. المعذرة أيها التاريخ!
إذا كان التزوير والتزييف يتم للأحداث الجارية التى نعيشها ونحياها لدرجة وصلت بوسائل الإعلام وبعض الشخصيات التى تتصدر المشهد إلى صناعة نجوم صراخ إعلامي والادعاء بأن باراك أوباما من الإخوان، وأن أخاه المسؤول المالي للتنظيم الدولى للإخوان فى أفريقيا، وأن البرداعي ترأس جلسات هذا التنظيم، فليس هناك ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب إذا تم تزييف وتزوير التاريخ البعيد نسبيّاً، والذي مازال بعض من عاصروا أحداثه وشاركوا فيه على قيد الحياة.
ومن بين التهم العديدة التى يتم توجيهها إلى الإخوان ويتم التركيز والإلحاح عليها لتثبيتها ومحاولة رسم صورة ذهنية لها لدى المتلقي، اتهام الإخوان فى وطنيتهم، وهي تهمة ليست جديدة، فلم تنقطع الاتهامات طوال العام الذي تولى فيه محمد مرسي الحكم، ومع أن الرجل محتجز أو مختطف منذ وقوع الانقلاب في 3 يوليو/تموز 2013، لم يتم تقديم دليل واحد على صحة الاتهامات.
فمنذ أعلن الإخوان دخولهم معترك السياسة عام 1938، لم يتوانوا عن العمل فى سبيل خدمة القضية الوطنية، وكان الهدف الذى أجمعت عليه الحركة الوطنية آنذاك، هو الاستقلال ووحدة وادي النيل، وكانت رؤية الإخوان للاستقلال أكثر اتساعاً من القوى الأخرى، فلم تقف عند حد المطالبة بالاستقلال السياسي، بل تعدت ذلك إلى المطالبة بالاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. كما رأى الإخوان أن الجهاد، وليس المفاوضات، هو السبيل لتحقيق الأماني الوطنية، وقد كان الجهاد ضد حكم الإنجليز أحد أهداف تأسيس النظام الخاص، المعروف إعلاميّاً بالتنظيم السري، بين عامى 1939و1940 وقد قام هذا الجهاز بعدد من العمليات ضد الإنجليز قبل اندلاع الأعمال الفدائية فى القناة عقب إلغاء معاهدة 36.
وقد اتخذت القضية الوطنية زخماً كبيراً عقب الحرب العالمية الثانية من جانب جميع القوى السياسية فى مصر، التى وجدت أن الظروف ملائمة لتحقيق أهداف الحركة الوطنية، وقد سارع الإخوان في سبتمبر إلى عقد جمعية عمومية للإخوان حضرها 2500 عضو للنظر فى موقف الإخوان من القضية الوطنية، كما عقدوا فى أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، مؤتمراً شعبيّاً حضره ما يقرب من أربعين ألفا لتأكيد المطالب الوطنية.
وفي مصر قاد حسن البنا فى أغسطس/آب 1947، مظاهرة كبرى انطلقت من الأزهر إلى ميدان العتبة، لتأييد موقف الحكومة فى مجلس الأمن، وقد تصدى البوليس للمظاهرة وأطلق النار عليها، مما أدى إلى مقتل ثلاثة من المتظاهرين وإصابة العديد منهم، من بينهم حسن البنا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 1951، أقدمت حكومة الوفد على إلغاء معاهدة 36، بعد أن وصلت المفاوضات مع الإنجليز إلى طريق مسدود، وقد رحب الإخوان بهذه الخطوة التى ترتب عليها اتجاه الحركة الوطنية إلى العمل المسلح لمقاومة الإنجليز. عبر هذا العرض الموجز لمحطات من دور الإخوان فى القضية الوطنية، يتضح أن الإخوان قاموا بدور وطني كبير، سواء على الصعيد السياسي، من خلال التعريف بالقضية الوطنية، وعقد المؤتمرات وتنظيم المسيرات والإضرابات وغيرها، فلا يصح اليوم إطلاق الكلام على عواهنه، واتهام من هم أهل للوطنية والدفاع عن مصالح الأمة بالخيانة، وما إلى ذلك من تعابير حقودة من دون توفير جدل منطقي حول ذلك، وإثباته بالأدلة التاريخية.