تنتظر الحكومة في المغرب خلال العام الجديد ملفات سياسية واجتماعية ساخنة عدة للبت فيها، كملفات التعليم والتشغيل والمفاوضات مع النقابات والأمازيغية، وأخرى تشكل تحديات حقيقية يتعين تجاوزها بأقل الخسائر، مثل تمدد الاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من منطقة بالبلاد.
في البداية، ما يتعيّن على حكومة سعد الدين العثماني أن تكسبه في مستهل السنة الجديدة هو الحسم في تعويض أربعة وزراء أعفاهم الملك محمد السادس من مهماتهم، وأيضاً تحديد الوزير المكلف بالشؤون الأفريقية. وهو التعديل الحكومي الذي لم يبصر النور بعد رغم مرور زهاء 70 يوماً على الإعفاء. ويرى مراقبون أن "الترقب المُصاحب للإعلان عن التعديل الحكومي في المغرب يعيد إلى الأذهان ما حصل من قبل لعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المعفى، بعد أن فشل في تشكيل الحكومة لنحو ستة أشهر. الأمر الذي دفع الملك محمد السادس إلى إعفائه في مارس/آذار الماضي من رئاسة الحكومة، وتعويضه بخلفه العثماني".
ويجد التعديل الحكومي أمامه حاجزين رئيسيين، الأول هو "تهافت" بعض الأحزاب للمشاركة في الحكومة على "ابتلاع" الحقائب الوزارية الشاغرة، ما يضع العثماني في تحدي الموازنة بين تحضير أسماء الوزراء الجدد وبين عدم إغضاب حلفائه في الحكومة. الحاجز الثاني هو كثرة سفريات العاهل المغربي خارج البلاد، وهو الذي يتعين أن يصادق على مقترحات رئيس الحكومة، وفق الدستور، ثم يستقبل الوزراء الجدد المعينين. كما أن أمام الحكومة المغربية تحدياً آخر مرتبطاً بتأمين أكبر قدر ممكن من الانسجام بين المكونات الستة للحكومة، في خضم ما يروج بشأن وجود تجاذبات بين بعض أحزاب الأغلبية، تحديداً بين حزبي العدالة والتنمية القائد للحكومة وحزب التجمع الوطني للأحرار.
و"التنافر" الموجود بين الحزبين "المتحالفين" داخل الحكومة، و"المتخاصمين" في جبهات سياسية واجتماعية أخرى، يعود إلى فترة سابقة عندما أدى زعيم "الأحرار" عزيز أخنوش، دوراً حاسماً في دخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة ضد رغبة بنكيران والعدالة والتنمية، الشيء الذي هزّ العلاقة بين الحزبين، رغم أنهما في الظاهر ينفيان وجود توترات بينهما.
ويجد رئيس الحكومة نفسه مجبراً على تقليص هذه التوترات بين حزبه وحزب "الأحرار"، كما يجد نفسه مضطراً لإيقاف الانتقادات التي يوجهها له بعض قياديي العدالة والتنمية. وهو ما يجعل مراقبين يرجحون سنة جديدة عسيرة على العثماني لضمان الانسيابية في العمل الحكومي، وعدم انفراط عقد فريقه.
وتُجابه حكومة العثماني أيضاً تمدد الاحتجاجات في أكثر من رقعة في المملكة، إذ لا يزال ملف الحسيمة قائماً بعد طيّ صفحة معتقلي الريف بعد، في ظلّ اندلاع احتجاجات حاشدة بمدينة جرادة، في الأيام الأخيرة من العام الماضي، ضد وفاة شابين شقيقين في بئر سرية للفحم.
ويطالب سكان جرادة برفع التهميش عن منطقتهم بعد إغلاق مناجم الفحم، بسبب بعض المتنفذين في قطاع الفحم. ويتهمون نواباً ومسؤولين محليين بمساندتهم. وهو نفس المطلب الذي رفعه آلاف المحتجين بمدينة الحسيمة، والذي كان من نتائجه غير المباشرة إعفاء وزراء عدة بالحكومة.
وتخشى الحكومة في المغرب من تمدد رقعة الاحتجاجات الشعبية أكثر في العام الحالي، وخصوصاً أنها تتخذ مطالب اجتماعية محضة رافعة لها، من قبيل رفع التهميش وإرساء التنمية، أو المطالبة بالتحقيق في عدم تنفيذ مشاريع ملكية، أو الشكاوى من ارتفاع أسعار الماء والكهرباء، أو من ندرة الماء الصالح للشرب، وغيرها من المطالب.
ويبدو أن السنة الجديدة ستشهد تطبيق الخطة الحكومية لمواجهة هذه الاحتجاجات التي بدأت تنتشر شيئاً فشيئاً في عدد من المناطق، خصوصاً التي تقع فيها حوادث تهز الرأي العام الداخلي، مثل حادثة طحن بائع السمك بالحسيمة، ووفاة شابين في بئر عشوائية للفحم بجرادة، وهي الخطة المُلزمة للوزراء بالنزول إلى الساحات والشوارع وملاقاة السكان والإنصات إلى شكاويهم.
كما تنتظر الحكومة مواكبة وحل ملفات ساخنة قيد الدرس والمناقشة، كإلغاء مجانية التعليم العام، الذي من المرتقب أن يثير الكثير من الجدل خلال العام الجديد، بالنظر إلى توقع معارضته الشديدة من طرف الكثير من النشطاء والجمعيات والفئات الشعبية.
وهناك ملف آخر لا يقل حساسية ينتظر طريقة تفاعل الحكومة المغربية معه في السنة الجديدة، وهو ملف تطبيق ترسيم اللغة الأمازيغية في التعليم والإعلام والقضاء، والذي يلاقي امتعاض الحركة الأمازيغية التي ترفض مسألة التدريج الذي اقترحته الحكومة، وتستعد لإشعال موجة من الاحتجاجات ضد المشروع الحكومي بشأن الأمازيغية.
كما تبرز مسألة أخرى متعلقة بمفاوضات الحكومة مع النقابات العمالية في رهان عسير يواجه مدى مرونة العثماني وصلابته في آن واحد، مرونته في التعاطي مع مطالب النقابات كرفع الحدّ الأدنى الأجور، وصلابته في عدم الانسياق أمام هذه المطالب بسبب محدودية الموارد المالية للدولة. وما يجعل من السنة الجديدة عسيرة على العثماني في هذا الملف، هو رفض النقابات الحوار مع وزير التشغيل محمد يتيم قبل نهاية السنة الماضية.