ولعل أكثر ما وسم الحياة السياسية في المغرب، خلال الصيف، هو الاحتجاجات التي عرفتها منطقة الريف عموماً، ومدينة الحسيمة خصوصاً، وما تلاها من متابعات واعتقالات.
وانطلق الصيف ساخناً في الريف المغربي من خلال مسيرات واحتجاجات حاشدة في الحسيمة، إذ طالب الغاضبون بتنمية المنطقة، والتراجع عن حشدها بالقوات الأمنية، وتوفير العمل والصحة والتعليم العالي بالمدينة.
هذه الاحتجاجات بدأت في الواقع منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد مصرع بائع سمك شاب يدعى محسن فكري داخل شاحنة للقمامة، إذ كان يحاول استرداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية، لكن الاحتجاجات اشتدت وتيرتها بشكل لافت خلال أشهر الصيف.
وتحول ملف "حراك الريف" إلى كرة الثلج، إذ تصاعدت تبعاته إلى مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، أسفرت عن إصابات واعتقالات في صفوف عشرات نشطاء الريف.
هذا الوضع المتوتر، في منطقة الريف، دفع العاهل المغربي ليعلن عن غضبه مما يجري في الحسيمة ثلاث مرات متتالية، وفي مناسبات مختلفة، وهو الغضب الذي لا زالت تداعياته مفتوحة على جميع الاحتمالات.
في المرة الأولى أعلن العاهل المغربي عن قلقه مما يقع في منطقة الريف خلال لقائه بالرئيس الفرنسي ماكرون، الذي تحدث للصحافة عن انشغال الملك العميق من أحداث الريف، دون أن يقدم تفاصيل أوفى حينها.
وفي المرة الثانية، وخلال مجلس وزاري ترأسه العاهل المغربي في شهر يوليو/تموز الماضي، ظهر الملك غاضباً كما لم يكن من قبل، وطالب عدة وزراء لهم ارتباط بمشروع "الحسيمة منارة المتوسط" الذي تأخر تنفيذه على الأرض منذ 2015، بعدم أخذ العطلة الصيفية، ومباشرة الأعمال المتأخرة التي كانت أحد أسباب خروج سكان الريف إلى الشارع.
وفي المرة الثالثة كان غضب الملك المغربي أكبر عندما تناول في خطاب العرش في 30 يوليو/تموز المنصرم، أحداث الحسيمة، وألقى باللائمة على المنتخبين والأحزاب السياسية، ولأول مرة في ذلك الخطاب بدا العاهل المغربي غاضباً من الطبقة السياسية التي أعرب صراحة أنه لم يعد يثق فيها، محذراً مسؤولين لم يذكرهم بالاسم من أنه سيتخذ في حقهم قرارات صارمة، إن لم ينكبوا على العمل لفائدة الصالح العام، عوض الانكباب على مصالحهم الشخصية، أو قضاء مآربهم السياسية والانتخابية.
الغضب الملكي تبعه قرار بإنشاء لجنة تحقيق لمعرفة المسؤولين المتورطين في تأخر تنفيذ مشروع الحسيمة، وهي اللجنة التي تقول عدة مصادر متطابقة إنها أنهت عملها، وسلمت نتائج التحقيق إلى القصر، في انتظار اتخاذ قرارات حاسمة في وقت قريب.
ويرى مراقبون أن الوقت المرتقب لصدور قرارات بإعفاء مسؤولين، وربما وزراء أيضا، على خلفية نتائج التحقيق الذي تم بأوامر ملكية، قد يكون عند الدخول السياسي في البلاد الذي عادة ما يصادف بداية الخريف وافتتاح دورة البرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر/تشرين الأول القادم.
هذا الانتظار جعل عدداً من المسؤولين يضعون أياديهم على قلوبهم خوفاً من أن تطاولهم يد المحاسبة، بسبب تداعيات تأخر تنفيذ مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، كما أنه يحول الخريف المقبل إلى فصل ساخن يعد بغير قليل من المفاجآت القوية على غير العادة في المملكة.
صيف المشهد السياسي في المغرب لم يمر دون أن يسجل تواري شخصية سياسية وازنة، وعودة أخرى لا تقل عنها وزنا، والأمر يتعلق باستقالة إلياس العماري، زعيم حزب الأصالة والمعاصرة، وعودة عبد الإله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية، إلى الأضواء بعد غياب طويل أملاه قرار إعفاء الملك له من رئاسة الحكومة، بسبب تأخره في تشكيلها مدة ناهزت ستة أشهر.