31 أكتوبر 2024
المغرب في مساءلته الاحتجاجات
لمواجهة وضع اجتماعي ومجالي محتقن، تطبعه الاحتجاجات القطاعية، ومظاهر التذمر والسخط التي انتشرت في مدن صغيرة عبر مختلف جهات المغرب، خصوصا الريف والشرق والجنوب، وأمام استفحال مشاعر اليأس بسبب إكراهات الحاضر وضغوطه، وبسبب ضبابية المستقبل، وعدم الثقة في عدد من المؤسسات، بما في ذلك آليات الوساطة التقليدية المتمثلة في الأحزاب والنقابات. وفي ظل انعدام الضمانات الملموسة، والخدمات الأساسية الجيدة والضرورية، وفي محاولة عقلنة طرح القضايا الهوياتية، وإدارة الأزمات والتوترات والفوارق الاجتماعية والمجالية، في هذه الغضون كلها، يحتاج المغرب، حسب فاعلين ونشطاء وخبراء في مجالات كثيرة، مصالحات جديدة وإصلاحات كبرى، وصدمة وعي جماعية وطنية إيجابية تحرك مختلف القوى السياسة والأفراد والفرقاء والفاعلين والجمعيات والمنظمات وشتى المرجعيات.
في هذا السياق، بادر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، باعتباره مؤسسة دستورية تشتغل على ملفات حقوق الإنسان بشتى أصنافها وأجيالها، وتعمل على ضمان حمايتها، إلى تنظيم لقاء للتفكير أخيرا في الرباط، بشأن "التعابير العمومية وتحديات العدالة المجالية". وكان لافتا تبني رئيسة المجلس، الحقوقية والسفيرة السابقة أمينة بوعياش، خطابا جريئا ولغة صريحة غير معهودة، عندما أكدت ارتفاع منسوب الشك والارتياب لدى التعابير العمومية الناشئة (أي الحركات الاحتجاجية) إزاء الوسائط والبنيات السائدة. وظهور أشكال وأنماط جديدة للتواصل والتعابير، والانخراط المكثف للشباب والفئات الأكثر هشاشة. وتساءلت المسؤولة الحقوقية: هل يمكن للعدالة المجالية، في ضوء هذه المواصفات، أن تشكل إطارا للتجاوب والتفاعل الخلاق مع هذه التعابير وأداة للمساءلة؟ وتوقفت عند معضلةٍ باتت تزعج الفرقاء السياسيين والدولة معا، وتكمن في أزمة الثقة وأزمة شرعية المؤسسات التي يعتبرها المواطن المغربي، في أحيانٍ كثيرة، بعيدة عنه وعما يشغله، وبطيئة في عملها، أو غير فعالة، إلى أن تتجاوزها تحديات اليوم، من حيث صياغة أجوبة موضوعية بخصوص التباطؤ الاقتصادي، وتوفير شروط الحماية الاجتماعية الكافية، وضمان قواعد الشفافية؛ إلى جانب تحديات النموذج التنموي. وانتبهت المتدخلة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي سهلت الانتشار الهائل للآراء المتطرّفة، ما يعني تعزيز الانغلاق، وإقامة حاجز يحول دون التعرف على الآراء المختلفة، ويقوم بتعميم الشك في المؤسسات.
ومن هذا المنطلق، هناك من يطرح بإلحاح فكرة تشكيل جبهة وطنية عريضة، نواتها الصلبة
العقلاء والحكماء من مختلف الفعاليات السياسية والنقابية والثقافية والحقوقية والاقتصادية والمدنية، قصد تصليب التماسك الوطني والاجتماعي وتقويته، والاضطلاع بأدوار تاريخية في حماية ما تحقق من مكتسبات ودعم الإصلاحات الهادفة إلى تأهيل عدد من المنظومات والقطاعات، وترسيخ الخدمات والمؤسسات وتطويرها في دولة مستقرة، ومتضامنة وعصرية بكل المقاييس. دولة يبادر أغنياؤها إلى توظيف قسط من ثرواتهم في التنمية والمساهمة في دعم الاستقرار الاجتماعي، والاستثمار الضامن للنمو الاقتصادي. ويرى نشطاء كثيرون في شبكات التواصل الاجتماعي أن خطوة في هذا الاتجاه هي دليل شعور وطني رفيع، في سياق يحتّم التحلي بثقافة التضامن والتعاضد وتقديم بعض التضحيات. وهذه الخطوة هي أيضا في صالحهم، وفي صالح الوطن بأكمله، وهذا ما يعزّز مفهوم الدولة التي تفكر بمنطق جماعي، وترعى المجموعة الوطنية، وتحميها، وتمكّنها من الاستفادة من ثروات البلاد، في إطار من العدالة والكرامة، وتستفيد من أفكار (واقتراحات) مواطنيها الذين يفعلون ذلك بناء على إيمانهم الوطيد بخدمة الوطن، والمساهمة في تنميته، والوقوف في وجه أي خطر قد يتربّص به، بعيدا عن النزوعات الانتهازية والجشع والريع. والممارسات السياسية التي تلهث خلف بريق الثروة والجاه، والوصول السريع إلى القمة، خصوصا في مشهد مؤثث بأقنعة تمويهية وشعارات هجينةٍ لا تعدو أن تكون وسيلة لدغدغة العواطف وذر الرماد في العيون، لا سيما في الأزمنة الانتخابية.
ويعتبر مهتمون بالشأن المغربي الداخلي أن الديناميات المدنية والاجتماعية والمجالية كانت من الأسباب الأساسية التي أدت إلى إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما أن تقرير الخمسينية الذي نشر في 2006، وتضمن خريطة طريق متعددة المسالك، ما كان ليرى النور، لولا القيمة المضافة لمجمل هذه الديناميات، خصوصا وأن مختلف المؤشرات تظهر أن الفاعلين السياسيين كانوا عاجزين على إدارة النقاش، وإقامة حوار بين الأفكار بشكل متفتح ينتصر للمصلحة العامة. وهذا ما أدى إلى أن تفقد السياسة مصداقيتها، والتي كرستها الأحزاب بهشاشتها وضعفها. وبناء على ذلك، تحولت الدولة إلى مجال حيوي جذاب لاستقطاب النخب، وهذا ما أفضى إلى تجريد الأحزاب، وحتى تنظيمات التكنوقراط من الكفاءات، ليفسح المجال واسعا أمام البيروقراطية الإدارية في المؤسسات العمومية والمنتخبة، والتي تحولت إلى أهم عائق يحول دون التجاوب السريع والفعال مع انتظارات الحركات الاحتجاجية ومطالبها. وهذا ما دفع رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الاعتراف صراحة "بأن أزمة أداء السلطات العمومية، خصوصا على مستوى العلاقة بين المركز والمحيط، أدت إلى بروز أشكال جديدة من التعابير. وهذه الأشكال والأنماط التي تبدأ بالتداول الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتطور إلى فعل عمومي، باتت تسائل السياسة العمومية، وتتطلب بالضرورة آليات للتفاعل والحوار من هذه السلطات".
اختناق الإصلاحات التي تم الإعلان عنها منذ عقدين تقريبا، ووصولها إلى المأزق، وأن
الأجوبة المقدمة من الحكومة لاحتواء المطالب الاجتماعية تكتسي طابعا تقنيا، كما أن نزوع الأحزاب السياسية إلى الاصطفاف إلى جانب الديناميات التي تصدر عن المؤسسة الملكية، وسعي هذه الأحزاب، بكل أطيافها، إلى امتلاك المواقع التي تمكّنها من الاحتفاظ بمسافة قريبة من السلطة المركزية، عوض أن تجتهد في بلورة وصياغة برامج، تتضمن أجوبة عن المشكلات الرئيسية التي تقض مضاجع المغاربة. ..هذه كلها عوامل أحدثت حالة عامة من خيبة الأمل، خصوصا في صفوف الشباب مع تزايد أعداد حاملي الشهادات الجامعية الباحثين عن الشغل.
من هنا يمكن تفسير النفور من السياسة كما تمارس على أرض الواقع، ومقاطعة الانتخابات، بأنه ليس رفضا بسيطا واعتباطيا لفعل السياسة وللأحزاب، بل يعبر أيضا عن سلوك اجتماعي احتجاجي ينتقد مؤسسات الدولة والحكومة وآليات الوساطة التقليدية. وهنا خطورة الموقف، حيث يصعب العثور على مخاطب بعينه، ما يرشح التعابير العمومية والحركات الاحتجاجية لكي تتحول إلى عنصر تأزيم بنيوي دائم وشامل.
الرهان الذي يشغل حاليا أغلبية المغاربة يتمثل، بالدرجة الأولى، في تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، ومحاربة اليأس والإحباط الذي بات ينخر الشباب المغربي، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، والقطع مع معادلة السياسة مقابل الثروة. وإعادة الاعتبار للكفاءات ذات المصداقية، فلا قيمة لأي إصلاحات دستورية وسياسية، إذا لم تكن مصحوبةً بقرارات جريئة لتقويم الاعوجاجات التي طاولت أساليب التدبير والتسيير، واحتواء الاختلالات التي مست النموذجين، الاقتصادي والاجتماعي، وتجاوز فشل الاختيارات المتبعة في القطاعات الاستراتيجية والاجتماعية الأساسية، خصوصا التعليم والصحة والتشغيل.
ومن هذا المنطلق، هناك من يطرح بإلحاح فكرة تشكيل جبهة وطنية عريضة، نواتها الصلبة
ويعتبر مهتمون بالشأن المغربي الداخلي أن الديناميات المدنية والاجتماعية والمجالية كانت من الأسباب الأساسية التي أدت إلى إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما أن تقرير الخمسينية الذي نشر في 2006، وتضمن خريطة طريق متعددة المسالك، ما كان ليرى النور، لولا القيمة المضافة لمجمل هذه الديناميات، خصوصا وأن مختلف المؤشرات تظهر أن الفاعلين السياسيين كانوا عاجزين على إدارة النقاش، وإقامة حوار بين الأفكار بشكل متفتح ينتصر للمصلحة العامة. وهذا ما أدى إلى أن تفقد السياسة مصداقيتها، والتي كرستها الأحزاب بهشاشتها وضعفها. وبناء على ذلك، تحولت الدولة إلى مجال حيوي جذاب لاستقطاب النخب، وهذا ما أفضى إلى تجريد الأحزاب، وحتى تنظيمات التكنوقراط من الكفاءات، ليفسح المجال واسعا أمام البيروقراطية الإدارية في المؤسسات العمومية والمنتخبة، والتي تحولت إلى أهم عائق يحول دون التجاوب السريع والفعال مع انتظارات الحركات الاحتجاجية ومطالبها. وهذا ما دفع رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الاعتراف صراحة "بأن أزمة أداء السلطات العمومية، خصوصا على مستوى العلاقة بين المركز والمحيط، أدت إلى بروز أشكال جديدة من التعابير. وهذه الأشكال والأنماط التي تبدأ بالتداول الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتطور إلى فعل عمومي، باتت تسائل السياسة العمومية، وتتطلب بالضرورة آليات للتفاعل والحوار من هذه السلطات".
اختناق الإصلاحات التي تم الإعلان عنها منذ عقدين تقريبا، ووصولها إلى المأزق، وأن
من هنا يمكن تفسير النفور من السياسة كما تمارس على أرض الواقع، ومقاطعة الانتخابات، بأنه ليس رفضا بسيطا واعتباطيا لفعل السياسة وللأحزاب، بل يعبر أيضا عن سلوك اجتماعي احتجاجي ينتقد مؤسسات الدولة والحكومة وآليات الوساطة التقليدية. وهنا خطورة الموقف، حيث يصعب العثور على مخاطب بعينه، ما يرشح التعابير العمومية والحركات الاحتجاجية لكي تتحول إلى عنصر تأزيم بنيوي دائم وشامل.
الرهان الذي يشغل حاليا أغلبية المغاربة يتمثل، بالدرجة الأولى، في تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، ومحاربة اليأس والإحباط الذي بات ينخر الشباب المغربي، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، والقطع مع معادلة السياسة مقابل الثروة. وإعادة الاعتبار للكفاءات ذات المصداقية، فلا قيمة لأي إصلاحات دستورية وسياسية، إذا لم تكن مصحوبةً بقرارات جريئة لتقويم الاعوجاجات التي طاولت أساليب التدبير والتسيير، واحتواء الاختلالات التي مست النموذجين، الاقتصادي والاجتماعي، وتجاوز فشل الاختيارات المتبعة في القطاعات الاستراتيجية والاجتماعية الأساسية، خصوصا التعليم والصحة والتشغيل.