وجّه المركز الوطني للدم في المغرب (مؤسسة عمومية)، نداء إلى الموظفين ومهنيي الصحة في مراكز التحاقن وبنوك الدم لبذل مجهودات إضافية في استقطاب أكبر عدد من المتبرعين، نظرا لما تعيشه المراكز هذه الأيام من نقص في مخازن الدم، وما لهذا الأمر من مضاعفات على صحة المرضى الذين يحتاجون يوميا إلى هذه المادة الحيوية.
وقال مدير المركز، الدكتور محمد بنعجيبة: "لا يخفى عليكم ما يمكن أن يحدث للمرضى المحتاجين إلى الدم عندما يقلّ مخزونه، هناك عدد مهم منهم يحتاجون إلى الدم في اللحظات المستعجلة، وإن لم يسعفوا سيهلكون لا محالة، وهناك من المرضى من يتفاقم مرضهم أو يكونون عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة عندما نتأخر في مدهم بأكياس الدم التي يحتاجونها"، واستدل على ذلك بمرضى السرطان المهددين بفشل العلاج الكيميائي إذا لم يحصلوا على الدم في الوقت المناسب.
وأضاف "من باب المسؤولية المنوطة بنا في هذا المجال، لا بد أن نتجنّد جميعا رغم الإكراهات والإعاقات من أجل مضاعفة الجهد وتقديم التضحيات حتى نتمكن من الاستجابة لهؤلاء المرضى".
وأعرب عن أمله الكبير في أن يلقى هذا النداء قبولاً من الموظفين ومهنيي الصحة "استشعارا منهم لروح المسؤولية ونبل المهمة التي تتعلق بإنقاذ حياة".
ولم يخف المتحدث أن التبرع بالدم ما زال يطرح إشكالاً حضارياً واجتماعياً على مستوى الإقبال والممارسة، مشيراً إلى أن التعاطي مع هذا الإشكال يجب أن يستحضر دائما الجانب الآخر من المعادلة ألا وهو المريض، وأن "مهنيي الصحة سواء كانوا أطباء أو ممرضين، إداريين أو أعوان، يفترض أن يكونوا أشد الناس تعلقا بهذا الفعل دعوة وممارسة لأنهم يعيشون مع المريض تفاصيل المعاناة".
من جهتها، أكدت مسؤولة التواصل والتحسيس بالمركز الوطني لتحاقن الدم، الدكتورة ناجية العمراوي، لـ"العربي الجديد"، أنّ النداء الذي أطلقه المركز وخص به موظفي ومهنيي الصحة، هو بمثابة تحفيز لهم على تشجيع المتبرعين خاصة في الفترات الحرجة التي يقل فيها الدم وتتزامن مع العطل الصيفية أو المدرسية، مشيرة إلى أنه الأمر لا يقتصر على المغرب بل متعارف عليه على الصعيد العالمي، ففرنسا وكندا مثلا تطلقان باستمرار حملات للتبرع بالدم وتجاوز النقص الحاصل.
وأوضحت العمراوي أن دم المتبرع يتم تقسيمه إلى 3 أجزاء: "بلازما" مدة صلاحيتها سنة وتستخلص منها بعض الأدوية التي تصلح لعدة أمراض، ثم "كريات الدم الحمراء"، التي لا تتجاوز مدة صلاحيتها 42 يوماً، وثالثا "الصفائح" التي تطرح إشكالا كبيرا ليس فقط على الصعيد الوطني بل عالميا، نظراً للحاجة الكبيرة لها، ولكون مدة صلاحيتها لا تتجاوز 5 أيام.
وتابعت "ولهذا نحن بحاجة إلى متبرعين منتظمين يوميا، حتى تتم تغطية العدد المطلوب من الدم ومشتقاته، وإنقاذ حياة المرضى، مشيرة إلى أن مركز التحاقن في الرباط يحتاج إلى ما بين 250 إلى 300 كيس دم في اليوم، فيما يحتاج مركز الدار البيضاء إلى ما بين 300 إلى 400 كيس في اليوم، ومن هذا المنطلق يتم الحرص على جمع الأكياس المطلوبة من المتبرعين حتى لا تتعرض للتلف".
وأكدت أن الاستراتيجية المقبلة للمركز هي التركيز على المتبرع المنتظم، لسد حاجيات المرضى يوميا، لافتة إلى أن الرجال يمكنهم التبرع كل شهرين، أي 5 مرات في السنة، والنساء كل 3 أشهر، أي 3 مرات في السنة.
ونفت العمراوي كل الإشاعات التي تروج عن المتاجرة بالدم أو التلاعب به، أو كون المواد المستعملة غير معقمة، موضحة أنها "تنسف المجهودات الكبيرة التي يقوم بها المركز وباقي الشركاء لتعميم التبرع بالدم في المغرب، الذي ينظمه القانون 03.94، وهو صارم في تطبيق عقوبة الحبس من 2 إلى 5 سنوات وغرامة من 10 آلاف إلى 100 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، للذين لم يحترموا إرادة المتبرع أو الضغط عليه أو أخذ الدم من طرف شخص بدون إشراف الطبيب، شراء الدم أو بيعه، أخذ الدم من أشخاص يزيد عمرهم عن 65 أو يقل عن 18 سنة، عدم المحافظة على السرية بين المتبرع والمتبرع له، استيراد أو تصدير الدم دون الحصول على إذن أو رخصة رسمية، استخدام الدم المنتهية صلاحيته".
هذه الإشاعات لم ينكرها منير بلعربي (32 سنة)، الذي أصبح اليوم من الشباب المواظبين على التبرع بالدم، بعد أن تمكن من طرد الهواجس المتعلقة باستعمال وسائل ومواد غير معقمة أو حتى المتاجرة بالدم المتبرع به.
وتحدث بلعربي لـ"العربي الجديد"، عن علاقته بالتبرع التي بدأت منذ أيام الدراسة الجامعية، خلال تنظيم إحدى حملات التبرع: "كانت تلك الحملة حافزا قويا شجعني على التبرع بالدم، وتبديد مخاوفي، لتتحول إلى عادة"، مشيرا إلى أنه يشجع عليها الأسرة والأصدقاء ومحيط العمل، انطلاقا من قوله تعالى "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
بدوره، تطرق رئيس جمعية نسيم للأعمال الاجتماعية والثقافية والتربوية، عبد الرزاق المناني، إلى أهمية التبرع بالدم، والحرص من خلال الجمعية على تنظيم حملات للتبرع سواء في الجامعات أو المؤسسات التربوية وغيرها، دون أن ينكر أن إقناع المواطنين بالتبرع بالدم يبقى أمرا صعبا ويحتاج إلى طرق خاصة لإقناعهم.
ولفت إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في تعميم ثقافة التبرع بالدم قائلا "إنها لعبت دورا كبيرا في تحفيز الشباب على التفاعل والمشاركة الإيجابية في إنقاذ حياة المرضى ومشاركة الحالات التي تحتاج إلى تدخل عاجل".
في حين ذهبت زينب الأندلسي (20 سنة)، إلى القول إنها لا تفكر أبدا في التبرع بالدم، لأنها تخاف من الحقن ومن مشهد الدم، وأنها لا تتحمس لفكرة التبرع رغم أنها تمنحها فرصة الحصول على التحاليل وفصيلة الدم بشكل مجاني.
بالمقابل، عبرت هدى سبيل (40 سنة)، عن أسفها لأنها حرمت من التبرع بالدم لأزيد من سنتين بعد إصابتها بالتهاب الكبد، الأمر الذي أثر في نفسها كونها تعرف معاناة عائلات المرضى والحاجة الكبيرة للدم.
وهذا ما أكده رئيس قسم التشخيصات والعلاجات المتخصصة بمستشفى محمد الخامس بآسفي (غرب المغرب)، الدكتور محمد هومير، الذي شدد على أهمية تعميم ثقافة التبرع بالدم حتى تكون سارية المفعول وغير موسمية، ولا يكون هناك أي نقص في هذه المادة التي تتوقف عليها حياة العديد من المرضى.
وقال لـ"العربي الجديد": "نستقبل بشكل يومي خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب حالات لمصابين في حوادث السير التي ترتفع وتيرتها، يحتاجون لكميات من الدم من أجل إسعافهم، بالإضافة إلى أمهات أنجبن في المنازل وتعرضن لنزيف حاد، ويتوقف إنقاذ حياتهن على مدهن بهذه المادة الحيوية التي يجب أن تكون متوفرة".
ودعا هومير إلى تضافر جهود كل الجهات من موظفين وأطر صحية وجمعيات المجتمع المدني للتحسيس والتوعية بأهمية التبرع بالدم لفوائده الصحية والنفسية على صحة الإنسان، بما في ذلك من تجديد للخلايا وراحة نفسية وإنقاذ لحياة المرضى.
يذكر أن عدد المتبرعين بالدم في المغرب، خلال العام الماضي، بلغ 313 ألفا و654 متبرعا، وهو ما يعادل نسبة 0.95 بالمائة من سكان المملكة، فيما بلغ عدد المتبرعين المتطوعين 93 في المائة، وهي نسبة مهمّة قاربت تلك التي تنص عليها منظمة الصحة العالمية.