وتشكو السلطة في المغرب مما تعتبره تحاملاً متعمداً من طرف بعض المنظمات الدولية، خصوصاً التي ترصد وضع حقوق الإنسان وانتشار الفساد، وهو ما أدى إلى تشكيل لجنة جديدة مكونة من عدة وزارات، أهمها الداخلية والدولة لحقوق الإنسان والمجتمع المدني وغيرها من القطاعات المعنية، للرد رسمياً على هذه التقارير "المعادية". وتعقد هذه القطاعات الوزارية قريباً أول اجتماعاتها بشكل رسمي، من أجل التنسيق في ما بينها، وإعداد تقارير ترد على تصنيفات وبلاغات هذه المنظمات الدولية، وهو ما كشف عنه الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني والمتحدث باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، بالقول إن هذه اللجنة ستكون متخصصة في رصد ما تتضمنه تقارير بعض المنظمات الدولية الحقوقية.
ويرى الخلفي أن اللجنة لن تكتفي برصد مضامين التقارير الدولية التي تنطوي على مغالطات وافتراءات على المغرب، بل سترد عليها أيضاً، من خلال تقارير وبيانات تشرح للرأي العام الوطني والدولي حقيقة تلك الادعاءات وخلفياتها، وتبرز المعلومات الصحيحة للواقع الراهن الذي تعيشه البلاد. وتعتبر منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" (أمنستي) من أكثر المنظمات الحقوقية الدولية التي تخلق صداعاً للحكومة المغربية، بسبب تقاريرهما المتواترة التي تنتقد حرية التعبير في البلاد، وترصد ما تصفه بخروقات لحقوق الإنسان في المملكة، ما أدى إلى تصنيف المغرب في مراتب متدنية. ولم يخرج التقرير الجديد لمنظمة "أمنستي" حول حقوق الإنسان في المغرب عن تقاريرها السابقة، إذ "اعتبرت أن الهجوم على حرية التعبير وصل إلى مستويات غير مسبوقة"، متهمة السلطات المغربية بفرض قيود على بعض المنظمات وبطرد نشطاء أجانب. كما انتقدت ما وصفته "بإسكات أصوات المعارضة". واستندت المنظمة الدولية إلى الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من مناطق المملكة، مثل الريف قبل أشهر، ومدينة جرادة أخيراً، لتطالب "الحكومة المغربية بالاستماع إلى الشارع بدلاً من الإجهاز عليه". وانتقدت أيضاً "تزايد التضييق على الصحافة والجمعيات غير الحكومية".
وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان لم تقف صامتة، وردت على تقرير "أمنستي"، حتى قبل تشكيل اللجنة الجديدة، متهمة المنظمة بكونها تعتمد على "مغالطات وتعميمات وأحكام جاهزة" بهدف الإساءة إلى صورة البلاد. كما ردت الحكومة، في الوقت ذاته، على التقرير السنوي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، في يناير/ كانون الثاني الماضي. وبالإضافة إلى تقارير المنظمتين التي "تتعمد" ديباجة تقارير تحمل مواقف سلبية من عدد من القضايا الحقوقية، فإن الحكومة المغربية لا تنظر بعين الرضا إلى ما يرد أحياناً من منظمات دولية أخرى، آخرها مؤشر "الديمقراطية في العالم"، الذي أعدته "ذي إيكونوميست إنتليجنس للأبحاث والتحليل" البريطانية، الذي صنف المغرب في المرتبة 101 عالمياً من مجموع 167 بلداً في العالم. وفي تقرير جديد، صنفت "منظمة الشفافية الدولية" المغرب في المرتبة 81 من بين 180 دولة، في التصنيف الدولي لمؤشر مدركات الفساد لسنة 2017، ليحقق المغرب تقدماً بتسعة مراكز، غير أن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أكد في لقاء حكومي، أنه "تقدم إيجابي، لكنه غير كافٍ للبلاد"، فيما اعتبرت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أن "أكثر القطاعات تضرراً من الفساد هي القضاء والعقارات والإدارة والصحة".
كل هذه التصنيفات والتقارير الدولية دفعت الحكومة المغربية إلى إحداث لجنة مكونة من عدة وزارات للرد عليها. ويرصد أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، محمد الزهراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ثلاث ملاحظات رئيسية تطبع هذه التقارير ومنهجية عمل المنظمات الحقوقية الدولية. الملاحظة الأولى، وفق الزهراوي، تتمثل في أن "هناك صنفاً من التقارير الحقوقية الدولية يفتقر إلى المهنية ولا يحترم أبسط المقومات والقواعد التي تستلزمها الموضوعية، وهذا الأمر يرتبط بطريقة جمع المعطيات والتأكد منها وإدراج مختلف وجهات النظر وغيرها. والملاحظة الثانية هي أن هناك بعض التقارير المنحازة التي تحمل في ثناياها نزعة عدائية مليئة بالأحكام والاتهامات الجاهزة، كما أنها غير متوازنة، بحيث تميل للانحياز إلى بعض الجهات. وأما الثالثة فهي أن هناك تقارير حقوقية موضوعية إلى حد ما، تحترم المعايير والشروط المعتمدة في إعداد التقارير".
ويلفت الأستاذ الجامعي إلى أن ما سماه "سوء الفهم" بين الحكومة والمنظمات الحقوقية الدولية ناتج عن غياب التواصل وانحياز بعض المنظمات في مقاربتها، إذ كانت الحكومة سابقاً تفتقر إلى تصور، ولا تمتلك القدرة التواصلية اللازمة للدفاع عن مواقف المغرب أمام المنتديات الدولية. ويشير الزهراوي إلى أن هذه المعطيات تسوغ إحداث هذه اللجنة الحكومية لرصد تقارير المنظمات الدولية إزاء الأوضاع في المغرب والرد عليها، معتبراً أنه إجراء، وإن كان متأخراً، فإنه قد يساهم في تدارك الاختلالات السابقة وتصحيح مجموعة من المغالطات التي تتضمنها بعض التقارير التي ترسم صورة غير دقيقة عن المملكة. ويقول إن "الرهان الأساسي ليس على اللجنة الوزارية في حد ذاتها بل على طريقة عملها ومدى قدرتها على بلورة رؤية واضحة للدفاع عن المكتسبات الحقوقية التي راكمها المغرب، وفي الوقت ذاته الحرص على إجراء تقييمات موضوعية لعمل المؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان"، وفق تعبيره.