توفي القيادي البارز في حزب "العدالة والتنمية" المغربي، ووزير الدولة، عبد الله باها، مساء أمس الأحد، بعد أن دهسه قطار في منطقة بوزنيقة، جنوب العاصمة الرباط، خلال تفقده موقع غرق النائب البرلماني، أحمد الزايدي.
وكان الزايدي، قد غرق، قبل أسابيع في أحد وديان المنطقة نفسها حيث توفي باها.
ويعتبر فقدان باها ضربة قوية للحكومة ورئيسها بنكيران، نظراً للعلاقة القوية التي تربط الرجلين، ولاعتماد بنكيران في تسيير شؤون الحكومة على باها، الأمر الذي دفع الكثيرين لإطلاق لقب "الصندوق الأسود" عليه.
وتلقى الرأي العام السياسي، وفاة باها بكثير من الدهشة، حيث شكل الخبر مفاجأة وصدمة، خصوصاً لدى حزب "العدالة والتنمية"، باعتبار أن الرجل ترجّل من سيارته، بعد أدائه صلاة المغرب، ليلقي نظرة على مكان وفاة البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي.
ووجد رجال الأمن صعوبة بالغة في معرفة هوية باها، من شدة صدمة القطار لجسده، حيث كان المحدِّد الرئيس لشخصيته بطاقة تعريفه الرسمية، فضلاً عن رقم سيارته التي ركنها في الجانب الأيمن، قبل أن يحاول قطع السكة الحديدية، ليلقى حتفه سريعاً.
ونعى حزب "العدالة والتنمية" باها، الذي يعتبر أحد قيادييه الكبار، فقد كان يشغل منصب نائب الأمين العام للحزب، فيما أعلنت وزارة الداخلية المغربية أن مصالح الأمن المتخصصة فتحت تحقيقاً للكشف عن ملابسات الحادث بكلّ دقّـة، وأن نتائج التحقيق سيتم الكشف عنها فور استكمال عمل المحققين".
ويعتبر باها رفيق درب رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، فقد رافقه في مسار الحركة الإسلامية منذ بدايتها خلال سبعينيات القرن الماضي. وبالرغم من أن الدستور المغربي الجديد، الذي تمت المصادقة عليه في يوليو/تموز 2011، لا يشير إلى منصب "وزير دولة" في هيكلة الحكومة، إلا أن رئيس الحكومة أصر على تخصيص هذا المنصب لصديقه باها، تجسيداً لعمق علاقتهما الأخوية المتينة.
فداحة رحيل باها
في الأثناء، أجمعت مختلف أطياف المشهد السياسي في المغرب على فداحة فقدان باها.
من جهته، بادر الملك المغربي محمد السادس، إلى بعث تعزية إلى رئيس الحكومة، أورد فيها أن "وفاة الفقيد لا تعد خسارة فادحة لأسرته المكلومة وحدها، وإنما هي رزء جسيم بالنسبة لنا ولحكومة المملكة، لما كان يتحلى به، من خصال رجل الدولة الكبير".
وشهد بيت بنكيران، طيلة اليوم الإثنين، تقبّل التعازي، حيث حضرت وجوه من كل الاختلافات السياسية.
وحضرت إلى بيت العزاء أيضاً شخصيات رفيعة المستوى، تقدَّمَهم بعض مستشاري الملك محمد السادس، منهم عمر عزيمان، فضلاً عن عدد من الوزراء، من قبيل وزير الفلاحة والصيد البحري، وزير الأوقاف، وزير السياحة وغيرهم، فضلاً عن قياديين سياسيين.
وقال وزير السياحة، لحسن حداد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الرجل مشهود له بالحكمة، إذ لا يتحدث سريعاً لتسجيل المواقف السياسية، بل يتأمل ملياً أين تتوجه كلماته التي غالباً ما يسعى للتوفيق بين المتخاصمين".
وتابع الوزير أن فقدان باها، "خسارة للحكومة لا يمكن تعويضها، حيث كان ملجأ لأعضاء الحكومة عندما يرغبون في رأي سديد يحسم بعض الملفات"، قبل أن يؤكد أنه "على الرغم من هذه الخسارة الإنسانية فإن عمل الحكومة سيستمر من خلال استلهام مواقفه وحكمته وتبصره".
من جهته أكد رئيس فريق حزب "العدالة والتنمية" في مجلس النواب، عبد الله بوانو، ضمن تصريحات صحافية، أن وفاة باها "فاجعة ألمت بنا وبكل المقاييس"، مبرزاً أن وفاة سياسي محنك من طينة باها "ليست خسارة للحزب فقط وإنما خسارة للمغرب كله".
وأردف القيادي في الحزب ذي التوجهات الإسلامية، أن الراحل "كان رجل التوافقات والتوازنات والقرارات السياسية الحكيمة"، مشيراً إلى أن الفقيد "كان يربط دائماً المسؤولية بالمحاسبة ويدعو باستمرار إلى ضرورة تخليق العمل السياسي من أجل الرقي به إلى مستويات أفضل".
ويرى مراقبون أن باها، كان له الفضل في تشكيل الغالبية الحكومية الحالية، بقيادة حزب "العدالة والتنمية"، والتي جاءت في خضم "الربيع العربي"، وذلك بفضل حنكته ومرونته السياسية، وميله إلى التوافقات السياسة عوض المواجهات.
بدوره، صرح الأمين العام لحزب "الاستقلال" المعارض، حميد شباط، أنه على الرغم من كل الخلافات السياسية مع حزب "العدالة والتنمية"، غير أن كلمة حق يجب أن تقال إزاء باها، حيث إنه "كان يشتغل في صمت"، مضيفاً أن "عمله يطغى عليه الإخلاص وحب الوطن".