رغم مرور نحو ثلاثة أعوام على إعلان المغرب البدء في مشروع طموح للغاز المسال وتحديد عام 2021 لانتهائه، إلا أن الحكومة كشفت قبل أيام عن إعادة النظر في ذلك الطموح، بعد أن بدت عدة عراقيل تحول دون تنفيذه وفق المخطط السابق.
واستهدف المغرب من المشروع، الذي أطلق عليه "المخطط الغازي الكبير"، استيراد الغاز الطبيعي المسال وتوسيع استعماله، لا سيما في إنتاج الكهرباء، إذ تقرر إنشاء محطة لاستقبال الغاز المستورد وتحويله إلى صورته الطبيعية، فضلاً عن مد خطوط أنابيب لإيصاله إلى محطات الكهرباء.
وجاء إطلاق المخطط في ديسمبر/ كانون الأول 2015، باستثمارات تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار، يوفر القطاع الخاص الحصة الكبرى منها، بجانب مساهمات من مؤسسات وطنية ودولية في إطار عقود امتياز.
ولم يكن توفير الغاز لمحطات الكهرباء والتوسع في استخدامه الهدف الوحيد من المشروع، وإنما كان يرمي إلى تقليص تبعية المغرب في قطاع الطاقة للخارج.
لكن وزير الطاقة والمعادن، عزيز رباح، قال في تصريحات في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، إن موعد 2021، الذي سبق الإعلان عنه من أجل تفعيل المرحلة الأولى من المخطط الغازي، لن يتم الالتزام به.
وأشار الوزير إلى أن التوسع في الطاقة المتحدة سيقلص حصة الغاز المسال المستهدف، لافتاً إلى أن الطاقة المتجددة ستمثل 42% في إجمالي إنتاج الطاقة خلال العام المقبل 2020 ونحو 52% في 2030، وذلك بعد بلوغها 35% العام الماضي، ما يفسر في نظره التأخر في اختيار موردين للغاز لتزويد منصة التخزين المتوقعة في المخطط الغازي.
وتشير تصريحات الوزير إلى تغييرات كبيرة في خارطة الطاقة بالمغرب، ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول المخطط الغازي الذي حظي بدعاية كبيرة خلال السنوات الماضية.
واستهدف المخطط لدى الإعلان عنه رفع مساهمة الغاز الطبيعي في استهلاك الطاقة إلى 25% في أفق عام 2030، مقابل 6% آنذاك.
وبينما تشير وزارة الطاقة والمعادن إلى أن التوسع في الطاقة المتجددة دفع إلى إعادة النظر في المخطط الغازي الكبير، إلا أن ثمة عراقيل تمثلت في توقف مصفاة النفط الوحيدة في البلاد، والتي كانت ستستغل نسبة كبيرة من الغاز المستورد، فضلاً عن وجود صعوبات في توفير الاستثمارات المطلوبة لتنفيذ المخطط الذي استهدف الوصول بكميات المستوردة إلى 5 مليارات متر مكعب في أفق 2030.
وكانت الكميات المستهدفة ستوزع بين 3 مليارات متر مكعب لإنتاج الكهرباء، ومليار متر مكعب للصناعة، ومليار متر مكعب لتلبية احتياجات مصفاة "سامير" لتكرير البترول.
لكن توقف المصفاة، منذ الخامس من أغسطس/ آب 2015، والتي توجد قيد التصفية القضائية، قد يدفع الدولة إلى إعادة النظر في أهدافها، وفق محللين في قطاع الطاقة.
ولم تجد المحكمة التجارية بالدار البيضاء حتى الآن مشترياً للمصفاة، في الوقت الذي قال فيه وزير الطاقة والمعادن إن حالة المصفاة لا تتيح عودتها للإنتاج، ما يستدعي ضخّ المستثمر استثمارات كبيرة.
يقول عمر الفطواكي، الخبير في قطاع الطاقة، إن المخطط الغازي يواجه العديد من العراقيل التي يفترض تذليلها، خاصة أن المغرب ليس بلداً منتجاً للغاز الطبيعي.
ويوضح الفطواكي في حديث لـ"العربي الجديد" أن نجاح المخطط الغازي رهين بتزويد المملكة بالغاز الطبيعي، فتأمينه في نظره يمكن أن يتم عبر الجزائر، غير أن هذه الأخيرة لن تلبي جميع انتظارات المملكة على هذا المستوى، خاصة أن لها أسواقاً في أوروبا تحرص على تلبية احتياجاتها.
ويعتبر الحسين اليمني، رئيس اتحاد الغاز والبترول، أن ذلك المشروع ما زال غير مجسد على أرض الواقع، معتبراً أنه يحتاج إلى استثمارات هائلة، وأكثر من ذلك يستدعي وضوحاً في الرؤية، خاصة فيما يتعلق بأنبوب الغاز الجزائري، والاستكشافات الجارية للغاز بحقل تاندرارا (شرق المغرب)، ومشروع أنبوب الغاز مع نيجيريا.
ويراهن المغرب على تمديد العمل بأنبوب الغاز الجزائري، الذي يعبر المملكة نحو الاتحاد الأوروبي، إذ تحصل المملكة على عائدات في شكل غاز مقابل هذا العبور، ما يؤمن احتياجاتها، حيث وصلت قيمتها إلى 160 مليون دولار خلال العام الماضي، حسب الخزانة العامة المغربية.
ويقول مصدر مطلع إن المغرب يستهلك 1.1 مليار متر مكعب من الغاز المسال، نصف تلك الكمية يأتي عبر رسوم عبور أنبوب الغاز الجزائري للأراضي المغربية، والنصف الثاني تشتريه المملكة من الجزائر.
ويرى خبراء أن مشروع المخطط الغازي سيكون غير مكلف عند استعمال الغاز الجزائري، عوض استعمال الغاز المسال المستورد من أسواق أخرى. هذا ما تؤكده الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، حسب مراقبين، غير أن المغرب يتفادى الارتهان للجارة الشرقية.
ويتجلى أن من بين مبررات مراجعة المخطط الغازي بروز معطى جديد، يتمثل في الغاز الآتي من حقل تاندرارا (شرق المملكة)، الذي أسند استغلاله إلى شركة "ساوند إنرجي" البريطانية.
وتتجه الأنظار في المغرب إلى حقل تاندرارا، إذ عبرت شركة "ساوند إنرجي" عن توقع اكتشاف كميات مهمة للمغرب، غير أن عمر الفطواكي، الخبير في الطاقة، يؤكد أن لا شيء مؤكداً إلى حدود اليوم، فهو يعتبر أنه من السابق لأوانه الحديث عن مخزون من الغاز قابل للاستغلال بالمستوى الذي توحي به الشركة البريطانية.
ويعتبر خبراء أنه حتى في حالة ثبوت التوقعات ذات الصلة بالغاز، فإن المنطقة تحتاج إلى دراسات كثيرة، خاصة تلك المرتبطة بالربط والبنيات لنقل الغاز، الأمر الذي سيستدعي استثمارات كبيرة، يفترض البحث عنها خارج المغرب.
وحصلت الشركة البريطانية على استغلال الغاز في ذلك الموقع لمدة 25 عاماً، والذي تشير التقديرات إلى أنه يحتوي على 952 مليار متر مكعب من الغاز، في ذات الوقت الذي تستغل فيه حقل سيدي المختار بمنطقة الصويرة، والذي تشير التقديرات إلى أنه يختزن 308 مليارات متر مكعب من الغاز.
وأوضح محمد الصغيري، المدير العام لشركة "ساوند إنرجي" بالمغرب، أخيراً، أن التقديرات في الموقعين السالفين تتعلق بتوقعات، وليس بكميات متأكد من وجودها.
وتدعم هذه التصريحات عدم المراهنة على مشاريع قد تبدو عملاقة، وتخلق آمالاً عريضة حولها، قبل أن يتضح أن التوقعات حولها كانت مغرقة في التفاؤل، وفق محللين في قطاع الطاقة.
وبجانب عقبات الاستثمار وتوفر الغاز، فإن موقع إنشاء محطات استقبال الغاز شهد تبايناً كبيراً بين مؤيد ومعارض، ما ساهم أيضاً في دفع الحكومة إلى إعادة النظر في "المخطط الغازي الكبير".
وتتضمّن البنية التحتية للمخطط بشكل أساسي بناء مرفأ في ميناء الجرف الأصفر، الذي سيستقبل البواخر العائمة، ومحطة لتغذية الغاز المسال، بما في ذلك محطات للتخزين، وأنبوبا لنقل الغاز بطول 400 كيلومتر.
غير أن موقع المشروع كان موضوع خلاف، فقد كان يفضل كثير من الفاعلين إقامته في ميناء طنجة أو ميناء الناظور، لاعتبارات فنية، وكذلك لخفض حجم الاستثمار، الذي يبدو للبعض أنه كبير.
ويرى محللون أن اختيار موقع الجرف الأصفر، لإنجاز المشروع، جاء تلبية لمطالب الصناعيين، المتمركزين في المنطقة، الذين يعتبرون أن ذلك الاختيار سيساعد على تخفيض كلفة نقل الغاز.
لكن عمر الفطواكي، الخبير في الطاقة، يقول إن ميناء الجرف الأصفر يحتاج إلى بنية ذات صلة بالنقل والتخزين والأمن كبيرة ومكلفة، ما يستدعي ضمان استثمارات، لا يستطيع المغرب إنجازها لوحده، الأمر الذي يقتضي إقناع مستثمرين أجانب بذلك.
ويؤكد الفطواكي أن استعمال الغاز الطبيعي خيار إيجابي إذا ما توفرت التمويلات له، خاصة أنه سيساعد على إنتاج الطاقة الكهربائية، مشدداً على أن التعامل مع تلك الطاقة ليس بالأمر السهل، لأنه يستدعي تكنولوجيا حديثة وبنية تحتية جديدة.