المقالة البتراء: أكاذيب السلفية المتسعودة
قرأت المقالة الأخيرة لياسر برهامي في جريدة "الفتح" التابعة له، وكان حرياً أن أرد عليها رغم هامشية قيمته وجماعته في الواقع السياسي والإسلامي المصري..
فهو يقول في المبتدأ إن موقفهم قد تغير من جماعة الإخوان، عما كان عليه سابقاً، علماً أن دعوتهم السكندرية قامت أساساً على محادة الإخوان ومحاولة منافستها، ويشهد جميع من عايش فترة التسعينيات بأنهم كانوا يتسلمون مساجد الإخوان "وغيرهم كالقطبيين" من الأمن في كل المحافظات، ويجولون البلاد طولا وعرضا في ظل اعتقالات الإخوان وتلفيق القضايا لهم، فإذا كان هذا فعلهم ضد الإخوان يوم كان يظنها "خيراً فيه دخن" فما بالك بعدما اكتشف بدعتهم وخارجيتهم وتكفيرهم للناس كما يزعم؟!.. وكان قد أفصح سابقاً بأن عداءه لهم قديم منذ ألقاه بعضهم خارج المسجد.
أما قطبية شكري مصطفى وأنه كان أحد أفراد المجموعة التربوية الخاصة للأستاذ سيد قطب؛ فهي أكذوبة صلعاء فلم يزعم أحد أن شكري تتلمذ على يد الأستاذ سيد، بل إن معاصرته له في السجن كانت فترة قصيرة جداً، ولا يستطيع برهامي أن يثبت أنه التقاه أو استفاد منه شيئاً، كما لم يكن شكري في مجموعة الأستاذ محمد قطب التي رفضت توقيع الاعتذار لعبد الناصر، والتي تميزت فيما بعد كفئة مستقلة عن الإخوان بعد خروجها من المعتقل في منتصف السبعينيات، كما كانت مستقلة عن جماعة المسلمين (التكفير والهجرة) ولا علاقة لها بها.
والغريب أن المهندس خيرت الشاطر والدكتور محمود غزلان وغيرهما من أعضاء مكتب الإرشاد الذين يتهمهم بالقطبية؛ كانوا بالفعل في الجماعة الإسلامية وانضموا للإخوان بعيداً عن مجموعة قطب؛ وما تبلور عنها في شكل جماعة منفصلة لاحقاً، فهذه كذبة أخرى واضحة من برهامي بخصوص فصل جيل السبعينيات.
ثم هو يخلط بين التنظيم الخاص الذي ينتمي إليه الأستاذ مصطفى مشهور صاحب قضية السيارة الجيب عام 1949، وبين القطبيين رغم أن الأولى أسبق من الثانية بسنوات طويلة ولا علاقة بينهما، ولم يكن الأستاذ مشهور من مجموعة قضية 65، فما علاقة مشهور والتنظيم السري بسيد قطب ومجموعته؟
مما يفضي لنتيحة واحدة وهي أن برهامي يقوم بتوضيب المشهد ليوافق صورة ذهنية يحاول تلفيقها فقط!!.. وهذه طريقة أغلب السلفيين من هذه العينة في الحقيقة، أي تلفيق الجزئيات بجوار بعضها لإخراج مشهد نهائي لطيف يناسبهم، فيقوم برص الشيخ سيد قطب بجوار شكري مصطفى ومعهم الشيخ عبد المجيد وبجانبه مشهور، وفي النهاية يضع الأستاذ حازم أبو إسماعيل ويضعني في الصورة ليكتمل المشهد!
وهنا لا بد من ذكر نقطتين في غاية الأهمية:
الأولى: أن برهامي نفسه كان يكفر الحكام وله كتابات قديمة منشورة مكتوبة ومسموعة في هذا السياق، كما أنهم عقدوا مؤتمراً لنعي أبو مصعب الزرقاوي وآخر لدعم "الجهاد السوري" الذي لن أذكر ما أعرفه عن دور مجموعة برهامي في تخريبه، وكذلك هناك شهادات موثقة كتابة لكوادر كانت ضالعة في جماعة برهامي قبل أن تفارقها عن مجموعة مسلحة كانت تابعة لها، وقتل قائدها في نزاع قبلي بمطروح بعد الثورة، فلماذا لم يعتبر ذلك تحريضا على العنف ولا تخريباً للمجتمعات؟!.. أم أن تلك المجموعات كانت -وربما ما زالت- تعد لضرب الإسلاميين كصحوات نائمة؟!
الثانية: في ما يخص الشيخ عبد المجيد وجماعة القطبيين "أهل السنة والجماعة لاحقاً"؛ فإن نسبة برهامي لفكر التوقف والتبين للشيخ عبد المجيد الشاذلي هو كذب محض ولا دليل عليه، فلا علاقة له ولا لمدرسة الأستاذ سيد بجماعة التوقف والتبين التي حاولت اغتيال أبو باشا والنبوي إسماعيل، ولا بمجموعة الدكتور مجدي الصفتي ومحمد كاظم لا من قريب ولا من بعيد، وحاصل ما يقوله منظروا المدرسة القطبية في مسائل الاعتقاد؛ هو كلام أهل السنة في تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه، ولكنهم ركزوا فيها على المناطات الثلاثة من الحاكمية والولاء والنسك؛ وهو ما أحدث الإشكال في فهم بعض تلاميذ المدرسة كما غيرهم، وإن حاول البعض التقاط بضعة عبارات واردة في كتب الشيخ الشاذلي فذلك لأن السلفية في مصر أغلبها وخاصة مدرسة برهامي تعاني فهم المسائل الأصولية لضعفهم في علم الأصول الذي لا يعرف برهامي فيه الفرق بين المجمل والمفسر ولا بين الظاهر والنص ولا بين الدلالات اللفظية والمعنوية.
كما أن الدكتور الشاذلي أفتى لي شخصياً -وأشهد الله على ذلك- والرجل بين يدي الله؛ بأن الفن كالتمثيل مثلاً في أصله ليس محرماً وحتى الاختلاط المنضبط والذي لا تبرج فيه ولا ملامسة بين الرجال والنساء، طبعاً كان يتحدث عن الفن المنضبط بالشروط الشرعية المعتبرة فلا يروج لباطل أو فساد أو محرم.
كما أفتى بأن بعض العلماء المتقدمين أحلوا الموسيقى لأنهم نظروا إلى روح النص، وإن كان الجمهور على تحريمها وقوفاً عند ظاهر النص، ولكنه قال نحسن الظن بالأولين فإنهم لم يحلوا الطرب مثلاً كأن تغني امرأة والناس يطربون لساعات فهذا حرام، وإنما أحلوه فيما يقرب للخير كالوثائقيات والحماسة ونحوها.
وعندما تعجبت من أن قائل هذا الكلام هو من يوصف بتكفير المسلمين والتوقف فيهم إلى ما هنالك قال: والله أنا لم أقسُ على الأمة يوماً في حياتي، ثم شكا من تورط البعض القليل ممن انتسب للمدرسة القطبية في أقوال غالية أو متشددة وتبرأ من تكفير المسلمين.
وبغض النظر عن قبول هذه الفتاوى من فضيلته رحمه الله -وهو من أهل الفتوى- أو ردها؛ فإن الشاهد منها هو ما ذكرته في تعقيبي الأخير ورده الكريم عليَّ فيه.
وأما المحاولات الدائمة من برهامي ومعه كل السلفية المتسعودة؛ لوسم مدرسة الأستاذ الشهيد سيد قطب بهذه الأوصاف الكاذبة، فذلك لأنه رحمه الله كان فضيحة لكل هؤلاء، لذا يبغضونه ويعادونه كما لم يبغضوا أحداً قط، فهو عاصمة الصبر ومدرسة الإباء ورفض الظلم والبراءة من الظالمين وتمحيض التوحيد بالتحكيم.
قطب عقبة تاريخية في طريقكم تؤرقكم وتزعجكم لأنها تكشفكم وتؤزكم وتأطركم على الحق ليلاً ونهاراً وأنتم تتأبون عليها ذلك. وتريدون قتله مراراً وتكراراً كما قتلتم ضمائركم من قبل، وكلما قتلتموه عاد ليُقتل في ذات الله مرات ومرات فيظهر شأنه ويعلو في كل مرة. وكأنكم تستدعونه في أحلامكم التعسة كل ليلة ليجلدكم ويؤطركم في إطاركم الصحيح ويحشركم في خانة العمالة والارتزاق.
وأما الجبهة "المسماة" بالسلفية فلن أقف عن اتهاماته لها كثيراً فلا قيمة لها عندي ولن أنشغل بفئوية بغيضة، ولكنني أؤكد فقط أننا شيء صنعه الله لاستنقاذ اسم السلفية ومسماها، وإيقاف وسم السلفية والسلفيين بالخيانة والارتزاق، نتيجة لأفعالكم البغيضة ومناهجكم المأجورة السقيمة، وإثبات موقفاً مختلفاً عنكم وعن سلفية مموليكم.
ثم يأتي ذكره للشيخ حازم أبو اسماعيل وزجه في نفس الفئة التكفيرية المزعومة وهو عجيب فهو يقول: "تبين لنا" لمجرد أن الرجل شرفنا بالجلوس معنا على منصة واحدة!!
عقلية إقصائية متحيزة سقيمة حقاً، علماً أن هذه المدرسة تفهم بهذه الطريقة بالفعل، بمعنى أن فلاناً إذا جلس مع هؤلاء فهو متطابق معهم في كل شيء، رغم أن جميع من ذكرهم برهامي في واقعة مؤتمر الإسكندرية مختلفون ومن مدارس شتى كما أن تصوراته عنهم جميعاً -وأنا منهم- كلها توهمات وأكاذيب ومغالطات يعرفها كل أحد، فلا يستطيع أن يثبت مثلاً تورط الشيخ حازم ولا تورطنا في تكفير أحد ولا ممارسة العنف ضد أحد، كما أنه نسي أن يجعل للشيخ المحلاوي دوراً في الصورة الكاريكاتورية التي يرسمها للمشهد.
وأخيراً تلك الأعجوبة التي ادخرها لآخر مقالته البتراء، حيث يقول: إنهم تأكدوا من أن الإخوان يستبطنون التكفير من أمرين، الأول: شهادة خصومهم المنشقين عنهم!! والثاني: لما وقعت الوقائع وتبينت الحقائق من كلمة لشخص قال فيها: من يرش مرسي بالماء نرشه بالدم! وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.
مع أن كلا الخطابين بلاغيان ويقال أكثر منهما في الخلافات والصراعات بل بين الصحابة والكبار قيل مثل هذا وأكثر منه، كما يحتمل الشرع ذلك مع البغاة والصيال والفئات الممتنعة عن الشرائع الظاهرة المتواترة كذلك؛ كالسيسي وفرقته الضالة المارقة فضلاً عن تبديل الشرائع ومحادتها.
وربما يقوله الضعيف كثيراً ليرهب عدوه المعتدي القوي وهذا مشهود من جميع البشر تقريبا، كما أن السيسي وجنوده هم من فعلوا ذلك واقعياً وليس لفظياً، فلماذا لم يعتبرهم برهامي تكفيريين؟!
ثم يزعم أنهم أرادوا الحفاظ على أمن المجتمعات ومتى كان ذلك يتحقق بالانحياز لصف الطغاة والمجرمين، والمشاركة في تدمير المجتمع حرفياً عبر التحول لبوق وأداة في أيديهم وما زال ذلك مستمراً يشهده كل أحد، فلتكن صادقاً مع نفسك يا برهامي وقل أنكم كنتم تحافظون فقط على مصالحكم ومكتسباتكم واستثماراتكم التي يغض النظام الطرف عنها مثل الثلاثين مليوناً التي سرقها صديقك وموضع ثقتك وغيرها كثير مما تعرف.
وأخيرا النقطة الأهم بعد توضيبه للمشهد وهي قضية أنه لم يذكر جرائم السيسي وحزبه وملئه الواقعة المتحققة في حق الشعب كله والأمة كلها والبلد بكل مقدراته والفقراء والمجتمع بكل شرائحه وأهل سيناء وتهجيرهم وقتلهم بالآلاف كل هذا لم يلاحظه ربما لضآلته وبساطته.
فما علاقة رفضك للإخوان بتأييدك للنظام المجرم؟ ما التلازم الذي لا ينفك بينهما؟ ثم هل نسيت أنكم كنتم تتآمرون مع المجلس العسكري ضد الثورة والإخوان والجميع منذ بيان رفض الثورة وتحريمها وحتى الانقلاب العسكري مروراً بالانضمام لجبهة الخراب المسماة بالإنقاذ؟!
حتى لو زعمت أن الإخوان هم السبب لما جرى فما العلاقة بين السببية واعتناق نتائجها الإجرامية الفاسدة؟! ثم ألم يكن يسعك أن تنفي اتهام الإخوان بأنهم "يستبطنون" التكفير وتشكك في ذلك التماساً للسلامة الأصلية في المسلمين؛ وعدم أخذ كلام الخصوم دليلاً، فلا يصلح حتى كقرينة، بالإضافة إلى أن الإخوان جماعة كبرى يستحيل إضمار شيء من مبادئها وأصولها؛ كما تفعل مع السيسي المجرم ونظامه وجنوده الذين قتلوا المسلمين عياناً بياناً، تارة بأن تشكك في أعداد الشهداء، وأخرى بأن تتهمهم بأنهم هم السبب وأنهم كانوا مسلحين، إلى آخر هذا الباطل والهراء!!.. ثم ألا يعد خطاب "إحنا شعب وأنتم شعب، لنا رب ولكم رب" ألا يعد تكفيرياً بألفاظ ودلالات تكفيرية واضحة!!
خلاصة مقالة برهامي إذن أنها محاولة لحصر المعركة في دائرة الإخوان أو الجبهة أو الشيخ حازم، ومحاولة تحريفها عن حقيقتها وتصويرها بأنها علمية عقدية، وإدخال المتابع في تفاصيل لا هدف منها سوى التشويش، لكن ذلك لن يغير من حقيقة مواقفهم البسيطة الواضحة لكل الأطراف، والتي لا تحتاج لكل هذه التبريرات الملتفة، وهي أنهم آثروا السلامة على الكرامة، وأنهم لم يعد لهم وزن عند أحد، لا الانقلاب ولا غيره وكذلك يفعل السلطان بخصيانه وإمائه.
فهذا مقال يسعك تدبيسه وتكديسه لإقناع أتباعك على غير بينة من الله ورسوله، ولكنه لا يغني عن الحق شيئاً، فماذا بعد الحق إلا الضلال.