31 أكتوبر 2017
المقاومة الفلسطينية: الردع ذخر يحظر تبديده
زخرت الصحف والدوريات الصادرة عن مراكز التفكير الرائدة في الكيان الصهيوني، أخيراً، بأدبياتٍ كثيرةٍ هدفت إلى تقييم نتائج حرب غزة 2014 بمناسبة ذكراها الثانية؛ وصدرت عدة كتب تناولت عبَر الحرب، واعتنت باستخلاص دروسها؛ إلى جانب استهلاك الفضائيات مساحةً كبيرةً من وقت المشاهد الصهيوني لبث برامج حوارية وأفلام وثائقية حول نتائج الحرب وتداعياتها. لكن أكثر ما اتسم به الجدل الصهيوني الذي احتدم مع حلول هذه الذكرى هو المطالبة بتشكيل لجنة تحقيقٍ رسمية، للتحقيق في "إخفاقات" الحرب، بالاستناد إلى ما جاء في تقرير "مراقب الدولة" الذي صدر أخيراً، واتهم المستويات السياسية والعسكرية العليا بكثير من مظاهر التقصير. ومما أضفى صدقيةً على هذه المطالبة انضمام ذوي جنود الاحتلال الذين قتلوا في الحرب إلى المطالبين بتشكيل لجنة التحقيق. ومن الأهمية التنويه إلى أن تقرير "مراقب الدولة" رصد أربعة أوجه لنتائج تقصير المؤسستين، السياسية والأمنية، عشية الحرب وخلالها، وهي: عدم الإقدام على خطواتٍ كان يمكن أن تمنع الحرب؛ والسماح بإطالة أمد الحرب، لتصبح ثاني أطول حرب بعد حرب 48، والتسليم باستهداف الجبهة الداخلية؛ إلى جانب الثمن البشري الذي دفعته إسرائيل، وشمل مقتل67 جنديا وخمسة مستوطنين.
لكن، في مواجهة الجدل المحتدم داخل الكيان الصهيوني، بشأن الحرب ونتائجها وتداعياتها، السؤال هنا: هل استخلص الفلسطينيون العبر من هذه الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 2200 فلسطيني، وجرح أكثر من عشرة آلاف آخر، وتدمير آلاف المنازل كاملة وجزئياً؟. وفي تقدير كاتب هذه السطور، يجب أن يجيب التقييم الفلسطيني على السؤال: هل كان في وسع الفلسطينيين تجنب هذه الحرب، أو على تقدير أقلّ تقصير أمدها؟
أهمية الإجابة في أنها تستجلي مدى عمق الوعي الفلسطيني بأهمية توفر مركبات بيئة الحرب التي يفترض أن تؤسس لمراكمة إنجازات الجانب الفلسطيني، ما يسمح ببلورة تصور إستراتيجي فلسطيني، للتعاطي مع تحولات العلاقة مع الكيان الصهيوني في المستقبل. فإذا أسهم السلوك الفلسطيني في توفير المسوّغات للصهاينة لشن الحرب، فإنه يفترض أن تكون المبادرة لهذا السلوك نتاج حسابات دقيقةٍ وتقدير عميق بأن هناك من العوامل ما يكفي لضمان لتحقيق إنجازات سياسية في أعقاب هذه الحرب.
ويدل تتبع أحداث حرب 2014 على أن الطرف الفلسطيني كان في وسعه تقليص أمد الحرب، وبالتالي، تجنب كثير من نتائجها، لكنه اختار، في المقابل، التشبث بمطالب لا تسمح بيئة الحرب بتحقيقها؛ ما أفضى ليس فقط إلى إطالة أمد الحرب، بل زاد من كلفتها البشرية والمادية.
يكتسب إيضاح هذه النقطة أهمية كبيرة، حيث إنه يمكن أن تتوفر ظروفٌ قد تفضي إلى مواجهاتٍ أخرى في المستقبل؛ وبالتالي، هناك حاجة لاستخلاص العبر والدروس. فبعد عامين على انتهاء الحرب، مركّبات البيئة التي سادت خلالها ليس فقط لم تتحسن بالنسبة للفلسطينيين، بل ازدادت سوءاً. فالبيئة الإقليمية التي لعبت دوراً رئيساً في توفير الظروف أمام إسرائيل، لمواصلة عدوانها من دون أن تكون مضطرةً للتجاوب مع مطالب المقاومة، على الرغم من بطولاتها وإبداعاتها وتضحياتها الجسام، أصبحت أكثر حميميةً لإسرائيل، وأشد عداءً
للفلسطينيين. في الوقت نفسه، يمنح الانقسام الفلسطيني الداخلي، والذي يزداد اتساعاً، الصهاينة مزيداً من هامش المناورة، في حال نشبت حربٌ جديدة، ما يعني أن البيئة الداخلية لا تقل إشكالاً عن البيئة الإقليمية. ومنذ انتهاء الحرب، تمكّنت إسرائيل من تحقيق مزيد من الاختراقات على الساحة العالمية، تجعل الحصول على شرعيةٍ دوليةٍ لشن حرب جديدة على غزة، ليس مهمة صعبة بشكل خاص. وإن كان استثمار الصهاينة في العلاقات مع إفريقيا جعل رواندا ونيجيريا اللتين كانتا عضوين غير دائمين في مجلس الأمن تصوتان ضد كل مشروع قرار دعا إلى وقف حرب 2014 من خلال التجاوب مع الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، فإن الشواهد تدلل على أن البيئة الدولية باتت مريحةً أكثر للكيان الصهيوني.
وفيما يتعلق بعامل موازين القوى، لم يحدث أي تغيير عليها، وهي التي ظلت تميل بشكل كبير لصالح الاحتلال.
ولا يعني إدراك المقاومة مركبات بيئة الحرب المطلوبة التقليل من شأن إنجازاتها الكبيرة في الحرب، بل على العكس. ولعل أهم إنجاز حققته المقاومة تمثل في تحقيق الردع في مواجهة الاحتلال، فعلى الرغم من أن بيئة الحرب كلها حالياً تميل لصالح الكيان الصهيوني، إلا أن أحداً من وزراء إسرائيل، باستثناء وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، لا يبدي حماسة لشن حرب جديدة. ومنذ تعيين ليبرمان في منصبه الجديد، يحرص رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، على تأكيد أن قرار الحرب بيده هو، ليدلل على أن مواقف ليبرمان المسبقة بشأن غزة غير مقبولة على الحكومة التي يرأسها. ليس هذا فحسب، بل إن وزراء نتنياهو الأكثر تطرفاً، وفي مقدمتهم وزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، باتوا يجاهرون بتأييد فكرة تدشين ميناء عائم لغزة، فقط من أجل تقليص فرص نشوب حرب، وهو طلبٌ رفعته المقاومة الفلسطينية خلال الحرب.
وبسبب قوة الردع التي حققتها المقاومة، فإن المستويات الأمنية الصهيونية باتت تجاهر برفضها توصيات لجنة "شمغار" التي حثت على عدم إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، في صفقات تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية؛ حيث إن هذه المستويات غير واثقة أن الجيش قادر على منع عمليات الاختطاف.
من هنا، يجب على المقاومة الاحتفاظ بقوة ردعها، واستنفاد الطاقة الكامنة فيه، لضمان تحقيق مكتسباتٍ لشعبنا، وتقليص مظاهر الحصار عليه، وهذا يتطلب عدم تبديد هذا الإنجاز، وتجنب الاستدراج إلى مواجهاتٍ في ظل بيئةٍ سلبية.
لكن، في مواجهة الجدل المحتدم داخل الكيان الصهيوني، بشأن الحرب ونتائجها وتداعياتها، السؤال هنا: هل استخلص الفلسطينيون العبر من هذه الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 2200 فلسطيني، وجرح أكثر من عشرة آلاف آخر، وتدمير آلاف المنازل كاملة وجزئياً؟. وفي تقدير كاتب هذه السطور، يجب أن يجيب التقييم الفلسطيني على السؤال: هل كان في وسع الفلسطينيين تجنب هذه الحرب، أو على تقدير أقلّ تقصير أمدها؟
أهمية الإجابة في أنها تستجلي مدى عمق الوعي الفلسطيني بأهمية توفر مركبات بيئة الحرب التي يفترض أن تؤسس لمراكمة إنجازات الجانب الفلسطيني، ما يسمح ببلورة تصور إستراتيجي فلسطيني، للتعاطي مع تحولات العلاقة مع الكيان الصهيوني في المستقبل. فإذا أسهم السلوك الفلسطيني في توفير المسوّغات للصهاينة لشن الحرب، فإنه يفترض أن تكون المبادرة لهذا السلوك نتاج حسابات دقيقةٍ وتقدير عميق بأن هناك من العوامل ما يكفي لضمان لتحقيق إنجازات سياسية في أعقاب هذه الحرب.
ويدل تتبع أحداث حرب 2014 على أن الطرف الفلسطيني كان في وسعه تقليص أمد الحرب، وبالتالي، تجنب كثير من نتائجها، لكنه اختار، في المقابل، التشبث بمطالب لا تسمح بيئة الحرب بتحقيقها؛ ما أفضى ليس فقط إلى إطالة أمد الحرب، بل زاد من كلفتها البشرية والمادية.
يكتسب إيضاح هذه النقطة أهمية كبيرة، حيث إنه يمكن أن تتوفر ظروفٌ قد تفضي إلى مواجهاتٍ أخرى في المستقبل؛ وبالتالي، هناك حاجة لاستخلاص العبر والدروس. فبعد عامين على انتهاء الحرب، مركّبات البيئة التي سادت خلالها ليس فقط لم تتحسن بالنسبة للفلسطينيين، بل ازدادت سوءاً. فالبيئة الإقليمية التي لعبت دوراً رئيساً في توفير الظروف أمام إسرائيل، لمواصلة عدوانها من دون أن تكون مضطرةً للتجاوب مع مطالب المقاومة، على الرغم من بطولاتها وإبداعاتها وتضحياتها الجسام، أصبحت أكثر حميميةً لإسرائيل، وأشد عداءً
وفيما يتعلق بعامل موازين القوى، لم يحدث أي تغيير عليها، وهي التي ظلت تميل بشكل كبير لصالح الاحتلال.
ولا يعني إدراك المقاومة مركبات بيئة الحرب المطلوبة التقليل من شأن إنجازاتها الكبيرة في الحرب، بل على العكس. ولعل أهم إنجاز حققته المقاومة تمثل في تحقيق الردع في مواجهة الاحتلال، فعلى الرغم من أن بيئة الحرب كلها حالياً تميل لصالح الكيان الصهيوني، إلا أن أحداً من وزراء إسرائيل، باستثناء وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، لا يبدي حماسة لشن حرب جديدة. ومنذ تعيين ليبرمان في منصبه الجديد، يحرص رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، على تأكيد أن قرار الحرب بيده هو، ليدلل على أن مواقف ليبرمان المسبقة بشأن غزة غير مقبولة على الحكومة التي يرأسها. ليس هذا فحسب، بل إن وزراء نتنياهو الأكثر تطرفاً، وفي مقدمتهم وزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، باتوا يجاهرون بتأييد فكرة تدشين ميناء عائم لغزة، فقط من أجل تقليص فرص نشوب حرب، وهو طلبٌ رفعته المقاومة الفلسطينية خلال الحرب.
وبسبب قوة الردع التي حققتها المقاومة، فإن المستويات الأمنية الصهيونية باتت تجاهر برفضها توصيات لجنة "شمغار" التي حثت على عدم إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، في صفقات تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية؛ حيث إن هذه المستويات غير واثقة أن الجيش قادر على منع عمليات الاختطاف.
من هنا، يجب على المقاومة الاحتفاظ بقوة ردعها، واستنفاد الطاقة الكامنة فيه، لضمان تحقيق مكتسباتٍ لشعبنا، وتقليص مظاهر الحصار عليه، وهذا يتطلب عدم تبديد هذا الإنجاز، وتجنب الاستدراج إلى مواجهاتٍ في ظل بيئةٍ سلبية.