مرة أخرى يجد المقدسيون أنفسهم أمام استحقاق مفروض عليهم يلزمهم دفع أثمانه، في مقابل أن يحتفل اليهود بأعيادهم الدينية بحرية وأمن، حتى لو كلفهم ذلك المزيد من الاعتقالات في صفوف أطفالهم وفتيتهم ونسائهم، وإبعادهم عن البلدة القديمة من القدس وعن المسجد الأقصى لفترات تمتد إلى عدة شهور.
ويرغم الاحتلال تجار المدينة المقدسة على إغلاق محالهم التجارية في ساعات محددة خلال تلك الاحتفالات، لتأمين مسيرات عربدة واستفزاز ينفذها المستوطنون المتطرفون الذين يجتاحون على مدى تلك الأعياد، وفي أيام السبت ولياليه، أسواق المدينة ويعتدون على المنازل والمحلات المقدسية تخريباً وإتلافاً، فيما تصبح حركة انتقال آلاف المواطنين والتلاميذ صعبة ومعقدة، وعليهم أن يواجهوا بالصبر الجميل تعنت جنود الاحتلال على الحواجز الثابتة والمتحركة وممارساتهم الإذلالية والعنيفة ضدهم.
ويقول مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "اليومين الأولين من تلك الأعياد شهدت تناقصاً حاداً في أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد، وبالتالي شهدنا هدوءاً كنا نتوق إليه على مدار العام". لكن الكسواني يلفت إلى أن اقتحامات أولئك المستوطنين تجددت، باقتحام نحو ثمانين منهم للمسجد، وسط محاولات حثيثة من بعضهم لإقامة طقوس تلمودية وصلوات خاصة، سواء في الساحات، أو خارج بوابات الأقصى، بعد أن أجازت المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، للمستوطنين الصلاة في شوارع البلدة القديمة وأزقتها. وتوقع مدير المسجد الأقصى عودة المستوطنين إلى اقتحام الأقصى بقوة، كما يحدث في العادة في نهاية الجولة الأولى من أعيادهم، وهو ما يؤكده أيضاً أحد مسؤولي الحراسة في الأقصى، الذي أشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن العدد الأكبر من هؤلاء سيأتي من مستوطنات الضفة الغربية ومن معاهدها التلمودية، ومن بعض الجامعات الإسرائيلية التي تشكلت فيها مجموعات يهودية ضاغطة للمشاركة شبه اليومية في اقتحامات الأقصى.
أما في البلدة القديمة من القدس، فيلتزم أكثر من عشرين شاباً وشابة، بينهم ناشطة من الجالية الأفريقية، قرارات بالحبس المنزلي لفترات تتراوح ما بين أسبوعين إلى شهرين، كانت صدرت بحقهم بعد اعتقالهم من منازلهم، فجر الأحد الماضي، وتوجيه اتهامات لهم بالتحريض على خرق القانون والنظام. ويقول مدير نادي الأسير في القدس، ناصر قوس، لـ"العربي الجديد"، "لم نفاجأ بحملة الدهم والاعتقالات تلك، ولا بقرارات الحبس المنزلي، فمثل هذه الإجراءات والممارسات باتت استحقاقات يدفعها المقدسيون عشية كل مناسبة وعيد لدى اليهود". يشار الى أن شقيقته زهرة، واحدة ممن اعتقلوا وتعرضوا لعقوبة الحبس المنزلي. وتهدف تلك الإجراءات بحق المقدسيين لردعهم عن مواجهة أي اقتحامات، ولتسهيل اقتحامات المستوطنين وعدم اعتراضها أو الاحتجاج عليها. وينفذ المستوطنون اعتداءاتهم حتى في عيد الغفران، الذي يفرض عليهم طلب التوبة والمغفرة من خطاياهم التي يرتكبونها بحق غيرهم.
ويشير أمجد أبو عصب، من لجنة أهالي أسرى القدس، إلى ارتفاع حاد في وتيرة الاعتقالات التي نفذتها قوات الاحتلال في القدس منذ مطلع العام الحالي. وقدم، لـ"العربي الجديد"، معطيات، أكد فيها أن قوات الاحتلال نفذت منذ بداية انتفاضة القدس الحالية مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015، "2355 حالة اعتقال في صفوف المقدسيين من كافة أحياء وقرى المدينة المقدسة". ومن بين المعتقلين، 1209 معتقلين مقدسيين تم اعتقالهم ميدانياً، بينما اعتقل 1146 شخصاً بعد اقتحام منازلهم، وهي اعتقالات كانت تتم في الغالب عشية كل مناسبة أو عيد لليهود، وخلال مواجهات كانت اندلعت رفضاً للاحتلال واحتجاجاً على قمعه.
ويقول تجار مقدسيون إن "أعمالهم تتضرر أيضاً خلال الأعياد اليهودية، حيث ترغمهم شرطة الاحتلال، خلال هذه الأعياد وفي أيام السبت، على إغلاق محالهم نزولاً عند رغبات المستوطنين الذين ينظمون المسيرات الاستفزازية في شوارع البلدة القديمة وأسواقها". "مثل هذا لا يحدث إلا في القدس، ولم يسجل مثيلاً له في أي مدينة في العالم"، يقول ناصر جبر، أحد أصحاب المحال في سوق العطارين بالبلدة القديمة من القدس لـ"العربي الجديد"، ويشاركه الرأي محمود العجلوني، صاحب محل تجاري في شارع الواد ببلدة القدس القديمة، وكانت محالهما عرضة لاعتداءات المستوطنين أكثر من مرة خلال استباحتهم لأسواق المدينة، خاصة في أعيادهم. وفي هذا الصدد، يشير حجازي الرشق، أمين سر الغرفة التجارية العربية الصناعية في القدس والمغلقة من قبل الاحتلال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الشهور الأخيرة من العام الحالي شهدت انخفاضاً بنسبة 55 في المائة في المبيعات، في حين ارتفع عدد المحلات المغلقة إلى أكثر من 300 في غضون العام الأول من الانتفاضة الشعبية الحالية، بعد أن كان عدد المحلات المغلقة قبل ذلك 270 فقط. واضطر أكثر من 4 في المائة من التجار المقدسيين لتغيير أنشطتهم التجارية واستبدالها بأخرى، بسبب إجراءات الاحتلال المشددة في القدس والبلدة القديمة فيها، والانتشار العسكري المكثف، وخشية المواطنين المقدسيين في الأحياء المجاورة للمدينة المقدسة من تعرضهم للقتل والاعتقال من قبل جنود الاحتلال الذين حولوا القدس إلى ثكنة عسكرية. وكانت أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً داخل أسوار البلدة القديمة من القدس قطاع السياحة، حيث انخفضت نسبته إلى أكثر من 90 في المائة، بسبب ممارسات الاحتلال، ونتيجة الأوضاع الأمنية السائدة في المنطقة.