صحيح أنّ المكتبة الوطنية في لبنان غابت طويلاً، وفقدت دورها، لكنّها تعود الآن في مبنى جديد، وآمال كبيرة، تطمح للعب دور ثقافي واجتماعي كبير
افتتحت في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، المكتبة الوطنية اللبنانية في منطقة الصنائع في بيروت. جرى الافتتاح في احتفال رسمي حضره رئيسا الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري، وشخصيات عدة، كان أبرزها محمد حسن جابر الجابر، سفير دولة قطر، الجهة المانحة للهبة التي مكّنت من إعادة افتتاح المكتبة.
لكنّ ضخامة الاحتفال والكلمات الوجدانية التي ألقيت حينها لم تكفِ للإجابة عن تساؤلات المهتمين بالمكتبة، ولم تمكّنهم من معرفة تفاصيل حول آلية عملها ودواماتها وشروط زيارتها. وهي تفاصيل أعلن عنها مدير المكتبة الوطنية، حسان العكرة، في حديث إلى "العربي الجديد".
يقول العكرة إنّ المكتبة فتحت أبوابها أمام الجميع، ويمكن للجميع زيارتها خلال دوام عملها المحدد من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية من بعد الظهر خلال أيام العمل. يضيف أنّ الهدف من فتح الباب أمام الناس في الفترة الأولى هو الاطلاع على المكتبة والاعتياد عليها. يطمح العكرة لإطالة دوام عمل المكتبة لتتمكن من استقبال المهتمين حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، لكنّه يعترف بعدم القدرة على تأمين ذلك في الوقت الحالي بسبب قلة عدد الموظفين. إذ يبلغ العدد الحالي سبعة وعشرين موظفاً: "المكتبة في حاجة إلى عدد أكبر من الموظفين، لكنّ واقع الدولة مرير ولقمة العيش هي الأولوية، وليست الثقافة".
ابتداءً من الخميس الماضي، بدأت المكتبة نشاطاتها الثقافية مساء كلّ خميس، من الساعة الخامسة حتى السابعة، أو من الساعة السادسة حتى الثامنة، بحسب نوع النشاط. إذ ستتنوع الأنشطة ما بين محاضرات، وندوات، ومؤتمرات، ونقاشات حول كتب، وغيرها. وخلال النصف الثاني من الشهر الجاري ستنظم المكتبة يوم "الأبواب المفتوحة" المخصص للصحافيين للتجول في المكتبة. وسيعقد بعد الجولة مؤتمر صحافي يعرض خلاله العكرة الخطة الخمسية لعمل المكتبة.
تتألف المكتبة من عدة أقسام يمكن للزائرين الاستفادة منها، وهي القاعة المشتركة أو قاعة القراءة الأساسية، والتي تتسع لمئة وستين شخصاً. وقاعة القراءة المخصصة للباحثين إضافةً إلى ثلاث قاعات لإقامة النشاطات وحديقة ومسرح. تتسع القاعات المخصصة للباحثين لخمسين شخصاً، من طلاب ماجستير ودكتوراه أو حتى طلاب إجازة وبكالوريوس. أما الأقسام الأخرى من المكتبة فمتاحة فقط أمام موظفيها، وهي ثلاثة طوابق لتخزين الكتب، ومختبر ترميم الكتب والمخطوطات. وبعد الانتهاء من ترميم محتوى المكتبة سيستقبل المختبر من يرغب بترميم كتبه بطريقة احترافية.
وقّعت المكتبة معاهدة شراكة مع المعهد الوطني للتراث الفرنسي من أجل إرسال طلاب لبنانيين للتدرب على ترميم الكتب مدة ثلاثة أشهر في فرنسا. أما الآن فهي في المراحل النهائية من توقيع معاهدة شراكة مع المكتبة الوطنية الفرنسية ضمن مشروع لتبادل الخبرات. وتعمل المكتبة على مشروع "مكتبة أونلاين" تمكّن الطالب في لبنان من طلب مادة من المكتبة الوطنية في فرنسا عبر المكتبة الوطنية في لبنان.
يشير العكرة إلى أنّ الدخول إلى المكتبة مجاني في المرحلة الحالية، لكن، عندما تنطلق المكتبة سيصبح الدخول مقابل رسم رمزي يختلف بحسب الفئة. كذلك، ستصبح القاعات المتنوعة الوظائف قابلة للتأجير لغايات ثقافية. وستفتتح الكافيتيريا ومكتبة لبيع الكتب.
يقول مدير المكتبة: "لأنّ المكتبة وطنية لا عامة وملزمة بالحفاظ على الإرث والفكر في لبنان فيمنع إعارة الكتب للأفراد إلى خارج المكتبة، أما للجامعات فضمن شروط واتفاقيات". يتابع: "لم توقَّع بعد أيّ اتفاقية بين المكتبة الوطنية والجامعات اللبنانية، ما زالت الأمور ضمن إطار التحضير. سننظم كلّ ثلاثاء جولة في المكتبة لإحدى الجامعات بهدف المقارنة بين إمكانيات المكتبة وإمكانيات الجامعات من أجل البحث في آلية التعاون، ولمعرفة ما الذي يسمح به وما لا يسمح به. فبعض الجامعات الخاصة قد ترفض إعطاء كتاب بسبب الملكية الفكرية، ولأنّها يمكن أن تبيعه لطالب يحتاجه مقابل مبلغ مالي. أما المكتبة الوطنية فتحاول أن تجمع المكتبات والطلاب تحت جناحها".
ستحتوي المكتبة على كلّ ما ينشر في لبنان، وعلى كل إنتاج لبناني وكلّ ما يتعلق بلبنان وينشر في الخارج. وهي تحتوي الآن على حوالي ثلاثة آلاف مخطوط، يعود أغلبها إلى القرن السابع عشر، وبعضها ما يصل تاريخه إلى القرن العاشر. في المكتبة أيضاً نحو 300 ألف كتاب، وبعض الكتب يعود تاريخ طباعته إلى عام 1610. يلفت العكرة إلى أنّ أهمية المكتبة "تكمن في أنّها تحتوي على مخزون الفكر الوطني النادر في المكتبات. فقد لعبت مكتبات الجامعات الخاصة دوراً في حفظ بعض الكتب في ظل غياب المكتبة الوطنية، لكنّ الأخيرة تستعيد الآن هذا الدور. سيعتمد الباحثون على الوثائق التاريخية الموجودة في المكتبة كمصدر للمعلومات". وستعزز المكتبة الببليوغرافيا (ثبت المؤلفات) عبر تفعيل الإيداع القانوني لكلّ الكتب التي ستنشر في لبنان، وستحتفظ بنسختين منها. كما سيعرض جدول يجري تجديده كلّ عام، يضاف إليه ما يصدر من كتب في لبنان خلال هذا العام.
يؤكد العكرة على أنّ المكتبة ستصبح معلماً سياحياً "لكنّها قبل ذلك معلم تاريخي. فقد بنيت في العام 1907 لتكون مدرسة الصنائع من بعدها تحولت إلى كلية الحقوق وهي اليوم مكتبة وطنية. نعمل على مشروع لعرض الكتب النادرة في واجهات زجاجية لجذب السياح. ففي المكتبة مخزون تراثي وتراث فكري غير موجود في مكان آخر وستجذب السائحين لأنّها الواجهة الثقافية للبنان".
أمام المكتبة تحديات عدة يدركها مديرها: "أولها إعادة تفعيلها وجعلها المركز الثقافي الأول في لبنان والعالم العربي خلال خمس سنوات، لإعادة الدور الذي لعبه لبنان. ولذلك، نطمح إلى أن تلعب المكتبة دوراً نهضوياً، ولدينا تحدٍّ يكمن في كيفية تفعيل الكتاب في ظلّ الإنترنت، إذ نريد أن نكسب الإنترنت كحليف. لدينا مشروع لوضع جزء من المكتبة على الإنترنت. لن نضع جميع المحتوى لأنّ في المكتبة كنزاً مميزاً نريد جذب الناس إليه بأنفسهم".