بعد قرار ترحيلهم، يعود آلاف اليمنيين الذين كانوا يقيمون في السعودية إلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، كبرى المحافظات اليمنية، الأمر الذي يتسبب في أزمة سكن مع ارتفاع بدلات الإيجار وزيادة الطلب على المشتقات النفطية والمواد الغذائية.
عندما عاد المغترب سالم بامؤمن إلى المكلا الشهر الماضي، فوجئ بأنّ المدينة صارت مزدحمة وبالكاد استطاع الحصول على منزل يؤويه وعائلته بسعر مناسب. يخبر "العربي الجديد" أنّه "عندما وصلت إلى المكلا، بقيت وأفراد أسرتي السبعة في منزل والدي لمدة أسبوعين، حتى وجدت منزلاً مناسباً مع بدل إيجار أستطيع تسديده في نهاية كلّ شهر لأنّ الإيجارات ارتفعت بشكل كبير". يضيف بامؤمن أنّه ينوي البحث عن متجر ليطلق تجارة داخل حضرموت، بعدما صفّى أعماله التجارية في السعودية.
ويشير بامؤمن إلى أنّ "أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية باتت مرتفعة، لكن ما يميز المدينة هو أنّها آمنة ومستقرة، وهذا الشرط الأهم بالنسبة إليّ حتى أستقر فيها". ويتابع: "أتجول في الشوارع فأرى ازدحاماً لم يكن موجوداً في المدينة التي ولدت وعشت فيها، وهو أمر إيجابيّ بالنسبة إليّ وأنا متفائل على الرغم من قصور ونقص في بعض الخدمات".
محمد باسلامة من سكان المدينة، يؤكد أنّ زيادة النازحين والمغتربين العائدين إلى المحافظة ساهمت في تقليص بعض الخدمات وزادت ازدحام الشوارع وإيجارات المنازل والمحلات. ويوضح باسلامة لـ"العربي الجديد" أنّ "الإيجارات ارتفعت في الأحياء العادية في المدينة لتصل إلى 40 - 50 ألف ريال (160 - 200 دولار أميركي) بالنسبة إلى الشقة السكنية الصغيرة بدلاً من 30 ألف ريال (120 دولاراً)، في حين وصلت في الأحياء التجارية إلى 100 - 150 ألف ريال (400 - 600 دولار)". إلى ذلك، يقول إنّ "الطلب على المشتقات النفطية في تزايد مستمر وهذا ما جعل تلك المواد تختفي من الأسواق بين الفينة والأخرى. فالكميات الخاصة بهذه المحافظة محدودة".
على الرغم من كلّ ذلك، فإنّ باسلامة يرى في الأمر إيجابية، "إذ إنّ الحياة تنتعش في محافظة حضرموت. وعودة المغتربين لا سيّما الذين ينوون تأسيس مشاريع في المحافظة سوف تكون إيجابية، لكنّ المشكلة تكمن في العائدين الذين لا يملكون أعمالاً أو رؤوس أموال لإطلاق مشاريعهم الخاصة، بالإضافة إلى النازحين من محافظات أخرى. هؤلاء يشكّلون عبئاً على المحافظة".
في السياق، يقول الناشط عمر عقيل باحميد لـ"العربي الجديد" إنّ "ما تشهده محافظة حضرموت من استقرار نسبي في الأمن أدّى إلى لجوء نازحين كثيرين إليها من المحافظات الأخرى التي تشهد مواجهات مسلحة، وهو ما تسبب في ارتفاع الإيجارات وتكلفة الخدمات". ويؤكد أنّ "عدد المغتربين حتى الآن ليس بالحجم المتوقع. لم ألاحظ كثيرين وصولوا إلى المدينة خصوصاً من المغتربين الحضارم، لكنّ ثمّة مغتربين من محافظات أخرى وصلوا إلى حضرموت ومن المتوقع أن يصل خلال المرحلة المقبلة عدد كبير منهم". ويلفت باحميد إلى أنّ نحو "350 ألف أسرة سوف تعود من السعودية إلى حضرموت خلال الإجازة المقبلة، الأمر الذي ينعكس سلباً على مختلف الخدمات الأساسية من سكن ومواصلات وحركة مرور وغيرها".
من جهته، يوضح التربوي عبد الخالق محمد لـ"العربي الجديد" أنّ "واحدة من أبرز المشاكل التي سوف تواجهها السلطات في مدينة المكلا هي ارتفاع عدد تلاميذ المدارس، إذ إنّ كثيرين من العائدين من السعودية أو الهاربين من الحرب في المحافظات الأخرى يفضّلون العيش في المكلا مع أبنائهم، وبالتالي سوف يُصار إلى إلحاقهم بالمدارس المهيأة لأعداد معيّنة من التلاميذ، والتي قد لا تستوعب أعداداً إضافية". ويطالب محمد السلطات المحلية بالعمل المكثف لمواجهة ارتفاع عدد التلاميذ المتوقّعة.
وبهدف مواجهة تداعيات عودة المغتربين، عقدت السلطة المحلية في حضرموت اجتماعات لمناقشة عودة هؤلاء والاستعداد لاستقبالهم، وقد طلب محافظ حضرموت اللواء فرج سالمين البحسني تشكيل لجنة لاستقبال المغتربين العائدين من المملكة العربية السعودية في حضرموت الوادي والصحراء. وأكد خلال ترأسه أخيراً اجتماعاً للمكاتب التنفيذية والمسؤولين المحليين، أنّ المؤشرات تدلّ على عودة عدد كبير من أبناء حضرموت عقب عيد الفطر، مشدداً على أهمية التحضير الجيد لتسهيل عودتهم، خصوصاً أنّ كثيرين منهم يعانون ظروفاً معيشية صعبة بعد ترحيلهم. كذلك، أصدر توجيهاته لإنشاء مخططات سكنية بهدف توزيعها على العائدين في شرق مدينة المكلا وفي بقية المديريات القريبة من الخدمات، مع توفير البنى التحتية من مياه وكهرباء وطرقات ومجاري. إلى ذلك، أكد مكتب التربية والتعليم في ساحل حضرموت استيعاب مدارس الساحل أكثر من خمسة آلاف تلميذ وتلميذة عادوا من المهجر، بينما أوضح مكتب الصناعة والتجارة فتح سجلات تجارية للراغبين في الاستثمار وإقامة مشاريع تجارية في المديريات.
تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كان أصدر توجيهاته في العاشر من مارس/ آذار الجاري، القاضية بإعفاء المغتربين اليمنيين العائدين إلى اليمن بصورة نهائية من الرسوم الجمركية والضريبية على كل ممتلكاتهم الشخصية من أثاث منزلي وأجهزة كهربائية شخصية، وهو ما عدّه مراقبون حينها اعترافاً حكومياً غير مباشر بفشل الجهود مع الجانب السعودي بخصوص إعفاء المغتربين اليمنيين من نظام التوطين والرسوم بشكل مؤقت لحين انتهاء الحرب.