المليشيات تستبيح عدن: بن زايد يغطّي رفض أتباعه الانسحاب

13 اغسطس 2019
نفذت المليشيات أعمال نهب للممتلكات في عدن(نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتأخر المليشيات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، والمدعومة إماراتياً، في استغلال انقلابها في مدينة عدن، لتنفيذ اقتحامات وأعمال نهبٍ ليل الأحد - الإثنين، طاولت منازل مسؤولين في الحكومة وقيادات في ما تعرف بالمقاومة الجنوبية، ما أثار ردود فعل منددة، بعدما أعادت هذه السلوكات للأذهان الممارسات التي قام بها الحوثيون عقب سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء قبل سنوات، وهو ما أشار إليه مصدر في مكتب الرئاسة اليمنية في حديث مع "العربي الجديد"، بقوله إن انقلاب عدن أظهر مدى التشابه بين الحوثيين وحلفاء الإمارات.

وجاءت هذه الممارسات التي يقوم بها وكلاء الإمارات، في وقت كان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يصل إلى السعودية، حيث أجرى مباحثات مع العاهل السعودي سلمان عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، كل على حدة، في قصر منى بمكة، تركزت على الملف اليمني، واعتبر فيها ولي عهد أبوظبي الدعوة السعودية لليمنيين للحوار في ما بينهم مهمة لنزع فتيل الفتنة، لكنه تجاهل تقديم أي إشارة تفيد بموافقته على المطلب الذي وجهته الرياض لحلفاء أبوظبي بضرورة الانسحاب من المواقع التي سيطروا عليها في عدن، وذلك في وقت كانت قيادة المجلس الانتقالي، في مقدمتهم رئيسه عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، يتجاهلون الدعوة السعودية. بل إن بن بريك ذهب إلى حد الاستهزاء بقدرات الرياض على وقفهم.
وأكدت مصادر مقربة من محافظ البنك المركزي اليمني حافظ معياد، أن المسلحين الموالين لـ"المجلس الانتقالي" اقتحموا مقر سكنه في عدن، وعبثوا بكافة متحوياته، بما في ذلك غرفة نومه، بالتزامن مع حملة مداهمات واقتحامات نفذتها مليشيات المجلس ضد منازل مسؤولين في المدينة. كما اندلعت اشتباكات عنيفة مساء أول من أمس في حي خور مكسر، لدى محاولة القوات الموالية للإمارات اقتحام منزل القيادي لما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، سليمان الزامكي، الذي يعمل أيضاً مستشاراً لوزير الداخلية أحمد الميسري. وكان الميسري، وفي أول ظهور له عقب الأحداث التي شهدتها عدن، تقدم ساخراً أول من أمس بـ"الشكر" لقيادات "المجلس الانتقالي"، على ما قاموا به من أعمال نهب للممتلكات والمنازل والعبث بمحتوياتها، معتبراً أن ذلك يأتي على غرار ما قامت به جماعة "أنصار الله" (الحوثيون)، خلال اقتحام صنعاء.

وأشارت مصادر قريبة من الحكومة، إلى أن الاقتحامات وأعمال النهب طاولت منازل مسؤولين في الشرعية وقيادات في قوات "الحماية الرئاسية". كما شملت مقراً لحزب الإصلاح، ولم يصدر عن "الانتقالي" تعليق رسمي بشأنها. وتبرز مخاوف من تمدد هذه الممارسات إلى خارج عدن لإدخال مناطق جنوبية جديدة في دائرة التوتر، إذ أفاد موقع صحيفة "عدن الغد" أن قوة أمنية من قوات الحزام الأمني بمحافظة لحج داهمت فجر أمس الإثنين، منزل قائد القوات الخاصة في لحج العميد فهمي صالح الباني بقرية الحمراء وعبثت بمحتوياته.

وقال مصدر محلي للموقع، إن القوة الأمنية داهمت المنزل بهدف اعتقال الباني الذي لم يكن موجوداً. وقالت أسرة الباني في بلاغ صادر عنها: "لقد مسّنا الضرر نحن أبناء مديريتي الحوطة وتبن من إخواننا في النضال، الذين كانوا معنا في الساحات، يا أسفاه ليس هذا الجنوب الذي كنا نطمح له ونناضل من أجل قيامه...".

وأثارت هذه الممارسات ردود فعل منددة. وفي السياق، حذر المجلس الأعلى للحراك الثوري الذي يقوده فؤاد راشد، ويتخذ موقفاً معارضاً لممارسات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، من تمادي القوات التابعة للانتقالي في مداهمة منازل قيادات المقاومة الجنوبية، منذ سيطرتهم على العاصمة المؤقتة عدن، وملاحقة المعارضين السياسيين للنهج العسكري الذي اختطه المجلس ويتحمل وحده المسؤولية التاريخية عن تبعات ذلك. ودعا المجلس السعودية لأداء دور أكبر لوقف تنامي عمليات الانتقام السياسي الذي لا مبرر له، والذي سيقف حائلاً أمام العملية السياسية الجنوبية القادمة ويدخل الجنوب نفقاً مظلماً، على حد وصف البيان.

وإزاء ذلك، اضطر بن بريك إلى التغريد قائلاً: "لمن يتكلمون عن حالات النهب التي حصلت وينسبونها لرجال القوات الجنوبية أقول التالي: يثبتون لنا حالة بالدليل مع أسماء الناهبين أو صورهم إن لم تكن هناك أسماء، ولكن بالدليل، وسيرون ما ستكون العقوبة السريعة والمعلنة…".

وجاءت هذه التطورات في وقت كانت مدينة جدة السعودية تشهد مباحثات سعودية إماراتية في الملف اليمني. وكان لافتاً استقبال ولي عهد أبو ظبي في مطار جدة من قبل نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، وليس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كما جرت العادة في معظم اللقاءات السابقة، علماً أنه تم نقل الملف اليمني قبل فترة إلى خالد بن سلمان.

ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" عن بن زايد، تأكيده "التوافق بين البلدين على المطالبة الفورية للأطراف اليمنية المتنازعة بتغليب لغة الحوار والعقل ومصلحة اليمن"، مؤكداً أن "هذه الدعوة (السعودية للحوار) تجسد الحرص المشترك على استقرار اليمن، وتمثل إطاراً مهماً لنزع فتيل الفتنة وتحقيق التضامن بين أبناء الوطن الواحد، لأن الحوار هو السبيل الوحيد لتسوية أي خلافات بين اليمنيين". ودعا "الأطراف اليمنية المتنازعة إلى اغتنام الفرصة التي تتيحها هذه الدعوة الكريمة للحوار، والتعامل الإيجابي معها من أجل توافق يعلي مصلحة اليمن العليا"، لكنه تجاهل إيراد أي إشارة لمطلب السعودية لحلفاء الإمارات، بالانسحاب من المواقع التي سيطروا عليها في عدن.

وحرص رئيس المجلس الانتقالي الانفصالي، عيدروس الزبيدي في خطاب متلفز أول من أمس، على اعتماد لغة دبلوماسية مع الرياض، متحدثاً عن كونها حليفاً قوياً، ومجدداً الالتزام بوقف إطلاق النار. وأكد استعداد المجلس الانتقالي لحضور الاجتماع الذي دعت إليه السعودية، لكنه لم يتطرق إلى دعوتها للانسحاب. أما بن بريك فكان أكثر وضوحاً بالحديث خلال خطبة عيد الأضحى، عن "الثبات وعدم التفاوض تحت وطأة التهديد". كما هزأ بن بريك من تهديد السعودية عبر التحالف بشنّ غارات جديدة، في حال عدم الالتزام بمطلب الانسحاب مذكراً إياها بأن "الحوثي صمد 5 سنوات".
وجاء ذلك في وقت بدا خلال الساعات الـ48 الماضية، أن السعودية تريد تعويض موقفها الذي عدّه مسؤولون يمنيون خذلاناً للحكومة، بعدما آثرت الصمت حتى انتهاء سيطرة المجلس الانتقالي على عدن. ضمن هذا السياق، جاء شنّ التحالف فجر الأحد غارات على معسكري بدر وجبل حديد في المدينة، اللذين سيطر عليهما الانفصاليون، مؤكداً أنه "ستكون هذه العملية الأولى وستليها عملية أخرى في حال عدم التقيد ببيان قوات التحالف"، الذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في عدن. كما أعقب ذلك اللقاء الذي جمع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أول من أمس الأحد، بحضور نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة معين عبد الملك، وعدد آخر من المسؤولين، قبل أن يجتمع هادي بوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان.

كما غرد نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، أول من أمس قائلاً إن "موقف المملكة الداعم للحكومة الشرعية ووحدة اليمن واستقراره ثابت لا يتغير، وما حدث في عدن يعطي فرصة للمتربصين باليمن وأهله من المليشيات والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها الحوثيون والقاعدة وداعش". وأضاف: "نرفض أي استخدام للسلاح في عدن والإخلال بالأمن والاستقرار، وندعو لضبط النفس وتغليب الحكمة ومصلحة الدولة اليمنية، لذلك دعت المملكة لحوار سياسي مع الحكومة اليمنية الشرعية في مدينة جدة". وأشار إلى أن "واجب المملكة دعم والحفاظ على الشرعية في اليمن". وأكد أن "المملكة لن تقبل إشعال فتنة جديدة هي بمثابة إعلان حرب على الشعب اليمني الشقيق، الذي عانى طويلاً من هذه الأزمة".
المساهمون