ومجدداً، دافعت كارنباور، الخميس الماضي، عن موقفها خلال زيارة لها إلى قاعدة جوية في منطقة إرفورت، شرقي البلاد، معتبرةً أنه من المهم أن تكون لمقترحها قوة دفع هذا الأسبوع. وقالت: "بالطبع لا يمكن الحديث عن هذا الأمر في بروكسل خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (أول من أمس الخميس وأمس الجمعة)، من دون أي إعلان رسمي، ولا أعرف ما إذا سيكون قابلاً للتحقيق وسنشهد المزيد من التفاهم حوله"، وذلك وفق ما ذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية. وأشارت الصحيفة إلى أنّ فرنسا عبّرت عن شكوكها في إمكانية تحقيق ذلك، لافتةً إلى أنّ "الاقتراح حسن النية، لكنه لم يكن منسقاً مع الشركاء أو يتلاءم مع الديناميات على الأرض"، فيما رحّب السفير الأميركي، ماي بيلي هوتشيسون، في بروكسل، بالفكرة، معتبراً أنه سيكون من الإيجابي أن تكون مجموعة أوروبية جزءاً من مجموعة حفظ السلام.
وكان السياسي عن الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، رولف موتزينيتش، قد اتهم كارنباور بمتابعة عسكرة السياسة الخارجية، في وقت أشار البعض إلى أنه لم يكن واضحاً ما إذا كانت الوزيرة تتحدث كوزيرة للدفاع أو كزعيمة للحزب "المسيحي الديمقراطي". وقال آخرون إنها لم تنسّق مع حزبها الشريك في الائتلاف الحكومي حول هذا الطرح.
من جهته، انتقد الحزب "الليبرالي الحرّ" نهج كارنباور، معتبراً أنّ "عدداً من الوزراء يعزف بشكل منفرد وبنزعة أحادية داخل الحكومة"، وقال في بيان إنه "لم يتم التنسيق مع أطراف الحكومة في الأمر". ويبدو "المسيحي الديمقراطي" مؤيّداً للفكرة، وهو ما قاله القيادي في الحزب فريدريش ميرز، لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" يوم الأربعاء الماضي، معتبراً أنّ اقتراح الوزيرة "يعدّ إشارةً مهمة إلى أننا على استعداد لتحمل المسؤولية الخارجية والأمنية الألمانية".
طرح ألماني لسدّ فراغ التراجع الأميركي
ويبرز هذا التباين في ردود الفعل على المقترح الألماني من خلال وجود معارضين ومؤيدين له. وبحسب محللين، فإنّ الطرف المعارض يعتبر أنّ المقترح يريد وضع ألمانيا وأوروبا من جديد في خضم صراع من أجل النظام السوري بعد الحرب. فيما يرى الطرف المؤيد أنّ ألمانيا تسعى على ما يبدو لقيادة دور أوروبي في سورية، بعدما تبيّن لها أنّ الولايات المتحدة تريد تسليم المنطقة إلى روسيا وتركيا، ولتخضع بعدها لكثير من عمليات الابتزاز ولا سيما في موضوع اللاجئين، أمام الشروط التي يضعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الأوروبيين في بعض الملفات الأخرى. أي أنه بات المطلوب من برلين أن تتحمّل المسؤولية عن الأمن والسلام في منطقة تقع على عتبة أوروبا.
وفي هذا الإطار، رأى الخبير الألماني في الشؤون السياسية، برتولد كولر، في مقال له في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه"، الأربعاء، أنه "من حيث المبدأ، لا يمكن لألمانيا أن تبتعد عن كل النزاعات، فالنظام العالمي يفتقد للاستقرار بشكل متزايد، والقوة التي حافظت على هذا المنحى، في طريقها إلى التقاعد لتترك وراءها فراغات فوضوية"، في إشارة إلى أميركا.
واعتبر محللون آخرون أنّ "المقترح مزعج ومفاجئ، لأنّ الوزيرة الألمانية تتحدى الحلف الأطلسي والبوندستاغ (مجلس النواب الألماني) والائتلاف الحاكم"، فيما تبرز لدى البعض خشية من أن تسقط كارنباور سياسياً وتكون ضحية الأزمة السورية.
ضغط على المؤسسات السياسية والأمنية
وتطرح العديد من التساؤلات عما إذا كان يمكن لألمانيا أن تذهب إلى هذا الحدّ على المستوى الدولي، علماً أنّ البوندستاغ سيكون أمام ضغط كبير للموافقة على إرسال قوة من الجيش إلى سورية، في وقت يبدو من الطبيعي أن يكون ذلك مكلفاً مادياً وعددياً، وعلى مستوى العتاد، وهذا سيعتبر أيضاً بمثابة تحدٍّ. حتى أنّ الوضع في سورية قد يكون أكثر خطورة مما هو في أفغانستان، وفق ما يرى بعض المتابعين.
ويأتي ذلك في ظلّ الحديث عن أنّ هناك حاجة لآلاف الجنود لتأمين المنطقة الأمنية لمنع وقوع كارثة إنسانية وحتى إمكانية المشاركة في قوة قتالية على الأرض، وهو ما أوضحته وزيرة الدفاع في حديث سابق للقناة الثانية الألمانية. وقالت إنّ المنطقة الخاضعة للسيطرة الدولية يجب أن تضمن من ناحية أن المعركة ضدّ "داعش" يمكن أن تستأنف، ومن ناحية أخرى استقرار المنطقة والعمل على إعادة الإعمار وتأمين العودة الطوعية للاجئين.
ووفق المقترح، فإنّ الأمر سيتطلب إعادة توجيه كاملة للسياسة الخارجية والأمنية الألمانية. وعليه، فإنّ اللجوء إلى تنفيذ الطرح سيكون مبادرة سياسية ذات بعد عسكري، ليبقى السؤال حول النسبة التي سيشارك بها الجيش الألماني، من أين سيأتون بها، وكيف ستؤمّن المعدات اللازمة. وفي السياق، اعتبر خبراء دفاع، وفق ما ذكرت شبكة "إيه آر دي" الألمانية يوم الخميس الماضي، أنّ هذه المهمة تتطلب عشرات الآلاف من القوات البرية والجوية، والتخطيط المسبق، فضلاً عن مواجهة إرادة للتصدي لمثل هذه الأعمال الخطرة والمكلفة، مع ما يرافق ذلك من العقبات القانونية والسياسية الدولية.
أسئلة مفتوحة حول مصطلح المنطقة الأمنية
في المقابل، اعتبرت تحليلات أخرى أنّ وزيرة الدفاع تركت العديد من الأسئلة مفتوحة، لا سيما حول ماذا كانت تعني تحديداً من مصطلح "منطقة أمنية"، أي هل من الممكن الاستمرار في الحرب ضد "داعش"، أم أنّ العمل سيكون ضمن ما يمكن اعتباره سجناً مفتوحاً لحوالي مليوني لاجئ في الشمال السوري؟ إذ لا بدّ من توضيح ذلك لفهم ما تعنيه كارنباور. ويفسّر سياسيون من الحزب "المسيحي الديمقراطي" المصطلح بأنه يستند إلى مصطلح "المنطقة المحمية".
مع العلم أن كارنباور عادت، يوم الخميس الماضي، ودافعت عن مقترحها وعن أن تتمتّع "منطقة الحماية" في شمال سورية بقوة تابعة للأمم المتحدة، إذ كانت قد قالت عند تقديم خطتها المثيرة للجدل أمام لجنة الدفاع في البوندستاغ، إنه ينبغي أن تقود الأمم المتحدة القوة وهذا ما يتطلب موافقة روسيا في مجلس الأمن.
من جهة ثانية، اعتبر خبراء في الشؤون السياسية أنّ المبادرة قابلة للتطور من منطلق أنّ برلين أقوى شريك في أوروبا، وواحدة من أهم دول حلف "شمال الأطلسي" ولا يفترض أن تراقب الأزمات عن بعد فقط. هذا في وقت يثير الاقتراح تساؤلات حول الأساس القانوني الدولي لإقامة مثل هذه المنطقة الأمنية، وما الدور الذي يجب على تركيا وروسيا لعبه، إذ المطلوب أن يتم النقاش بكل التفاصيل حول مسؤولية ألمانيا ومصالحها الأساسية، أي القتال ضد "داعش" وتحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة.
إذاً، الأمر يتعلّق حالياً باستكشاف ما إذا كان الأوروبيون لديهم العزم للسير بهذه المبادرة، وما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان سيأخذان الاقتراح على محل الجدّ، بعد أن كانت الوزيرة قد عرضته من دون أي التزام من الشركاء في الداخل والخارج، فيما لا يبدو أن هناك أفكاراً دقيقة حول مدى مشاركة الجنود الألمان في عملية عسكرية في منطقة أمنية في سورية. وعليه، فإنّ هذا الإجراء إذا ما تم اعتماده أوروبياً، لن يكون ممكناً من دون مشاركة عريضة من ألمانيا، لأنّ العدد المطلوب لمثل هذه القوة كبير ويفوق بكثير التوقعات.