"كنت أقتات مدة من الزمن على لحوم القطط بعد قتلها، كما جربت أكل جيف الحيوانات بسبب الجوع الشديد نتيجة الفقر المدقع وانعدام فرص الشغل".. كانت هذه شهادة صادمة لمهاجر إفريقي من جنوب الصحراء، جاء إلى المغرب كمرحلة عبور نحو الضفة الأوروبية.
ويحكي ديديي سانغ، مهاجر غير شرعي من دولة ساحل العاج، كيف قضى شهوراً عديدةً متخفياً عن أعين قوات الأمن المغربي، مخافة أنّ يُلقى عليه القبض ويعاد مُجبراً إلى بلاده، وهو ما يرفضه بشدة بسبب أوضاعها السياسية والأمنية غير المستقرة.
وقال المهاجر الإفريقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إنّه أكل كل شيء يمكن أنّ يخطر على البال مدفوعاً بالجوع، مضيفاً أنّه "عانى كثيراً في الأشهر الأولى التي قضاها في ضواحي العاصمة الرباط، قادما إليها من إحدى مدن شمال البلاد حيث كان ينام في أحراج مقفرة".
"لكنّ الحال تغيّر في الشهور القليلة الأخيرة، وصرتُ أخرج إلى الشارع دون خوف، واستطعت الاندماج في المجتمع المغربي، بفضل الإجراءات التي قامت بها الدولة المغربية من خلال تسوية وضعية العديد من مهاجري جنوب الصحراء"، يؤكد سانغ.
وتلخص وضعية هذا المهاجر إلى حد بعيد مسار آلاف المهاجرين غير الشرعيين الهاربين من الأوضاع السيئة في بلدان جنوب الصحراء إلى المغرب، قبل الهجرة إلى أوروبا، والذين يبلغ عددهم ما بين 25 و40 ألف مهاجر وفق إحصائيات رسمية.
ويشتكي عدد من المهاجرين الأفارقة مما يعتبرونه "عنصرية" وعنفاً يُمارس ضدهم من طرف بعض فئات المجتمع المغربي، خاصة في المعاملات التي يشعرون من خلالها بالتمييز، فيما ينفي آخرون وجود العنصرية عند المغاربة في تعاطيهم مع المهاجرين الأفارقة.
إمانويل فورجي، مهاجر غير شرعي من الكونغو، قال لـ"العربي الجديد" إنّه تعرض لتصريحات وتلميحات تفوح بالعنصرية، من قبيل أوصاف "عزي" أو "الضراوي"، و إشارات تلمح إلى ألوان بشرتهم ورائحتهم.
وصْمُ المجتمع المغربي بالعنصرية إزاء المهاجرين السريين القادمين من بلدان إفريقية فنده الناشط الحقوقي، عبد الله أفلاحي، الذي أكدّ لـ"العربي الجديد" أنّ المغاربة ما فتئوا يتعاملون مع هؤلاء المهاجرين على أساس إنساني واجتماعي، بدليل أنّهم شاركوهم في المأكل والمسكن وحتى في الزواج.
مهن شاقة
بوعد تدفق الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين على المغرب أملاً في أن يكون بلد عبور نحو أوروبا، اصطدموا بواقع لم يضعوه في الحسبان، وهو صعوبة العبور إلى الضفة الأوروبية من الساحل المغربي جنوب البحر الأبيض المتوسط، فاستقروا في عدد من المدن المغربية من أجل كسب قوت يومهم.
ولأنّ "اليد قصيرة" عند أغلب هؤلاء المهاجرين الأفارقة، القادمين خصوصا من مالي وساحل العاج والكونغو ونيجيريا وغينيا والسنغال والغابون، فإنهم لم يجدوا سوى احتراف التسول، أو تجريب مهن بسيطة من حيث عائدها المادي، أو حرف تعتمد خاصة على القدرة البدنية.
واختص العديد من هؤلاء المهاجرين الأفارقة في مهن من قبيل إصلاح الأحذية، أو بيع الهواتف، أو الاشتغال في البناء، وهو حال أمادو، المهاجر في عقده الثاني، الذي أكدّ لـ"العربي الجديد" أنّه استغل حاجة البنائين لعمال ذوي بنية قوية للعمل في قطاع البناء.
وتابع المهاجر أنّ عمله موسمي ينتهي بانتهاء الورش، وأحياناً يشتغل بالأجر عن اليوم، فيعمل تارة ويظل بدون عمل مرّات كثيرة، مضيفا أنّه في المغرب لا توجد وظائف للمهاجرين السريين سوى المهن الصغيرة التي تحتاج إلى مجهودات بدنية كبيرة".
"جيتوهات" وجرائم
يقضي عشرات المهاجرين الأفارقة سحابة يومهم في ما يشبه "جيتوهات" في أحياء شعبية بضواحي بعض المدن الكبرى، ما ترك صورة سلبية عنهم في أذهان مواطنين مغاربة، حيث توجد أحياء وأزقة بأكملها يكاد لا يدخلها سوى هؤلاء المهاجرين الأفارقة، ولا يسمحون لمن يحاول ولوج عالمهم الخاص بدخولها.
ويُكرس سوء الفهم وقوع جرائم أو حالات اعتداء يكون أبطالها بعض هؤلاء المهاجرين، لعل آخرها حادثة اغتصاب مهاجر إفريقي لسيدة متزوجة من ضواحي مدينة الفنيدق شمال البلاد، هاجمها في غفلة منها، واعتدى عليها جسدياً، ما أثار موجة سخط عارم وسط سكان المدينة.
محمد بنعيسى، مدير "مرصد الشمال لحقوق الإنسان"، أكدّ أنّ مثل هذا الحادث وغيره من سرقة أو نشل أو اعتداءات جسدية تظل وقائع معزولة، لا يمكن تعميمها على جميع مهاجري جنوب الصحراء، مبرزاً أنّ ظروف بلدانهم دفعتهم إلى اللجوء للمغرب في انتظار مواصلة هجرتهم إلى أوروبا.
وشدد المرصد الحقوقي ذاته على ضرورة التعاطي الإنساني مع المهاجرين من جنوب الصحراء، سواء من لدن السكان في المناطق القريبة من ملاجئ المهاجرين، أو من طرف الهيئات والجمعيات المدنية والحقوقية بتنظيم قوافل إنسانية إلى ملاجئ المهاجرين.
انفراج الأوضاع
الأوضاع السيئة التي يعيشها المهاجرون الأفارقة دفعت منظمات حقوقية مغربية ودولية إلى الضغط على الحكومة المغربية من أجل تحسين ظروف هؤلاء الوافدين على المغرب، الذي تحول من بلد عبور إلى بلد إقامة بالنسبة للمئات منهم.
ومن هذه المنظمات الدولية منظمة "أطباء بلا حدود" التي شنت هجوماً على السلطات المغربية، قبل أشهر قليلة، وسردت تفاصيل عن حالات مأسوية لمهاجرين أفارقة باتوا عالقين في المغرب، خاصة بعد تشديد المراقبة الحدودية في مضيق جبل طارق ومنعهم من الهجرة إلى أوروبا.
ويبدو أنّ المغرب استجاب لانتقادات هذه المنظمات الحقوقية بأنّ أعلن، في سابقة من نوعها، عملية تسوية أوضاع عدد من المهاجرين الأجانب، وعلى رأسهم المهاجرون الأفارقة، الذين يثبتون أنّهم مقيمون في المغرب منذ 5 سنوات متواصلة على الأقل، مع ضرورة الحصول على عقد عمل ساري المفعول لأكثر من سنتين.
مبادرة المغرب هذه لاقت استحساناً دولياً كان آخره موقف الإشادة الذي عبرت عنه، قبل أيام قليلة، نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إزاء المعاملة الإنسانية التي ينهجها المغرب تجاه المهاجرين غير الشرعيين، في اتجاه إدماجهم وتسوية أوضاعهم.
وأطلقت الحكومة المغربية أخيراً برامج لمرافقة اندماج المهاجرين الحاصلين على بطاقات الإقامة، من قبيل تشجيع دخول أبناء المهاجرين على المدارس، والحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية والحصول على عمل.