مخاطر جديدة تتهدّد المهاجرين العابرين بحراً نحو الشواطئ الإيطالية من ليبيا، بعد قرار الأخيرة توسيع مدى مياهها الإقليمية، وتعامل إيطاليا بحَذَرٍ متزايدٍ مع المنظمات الإغاثية غير الحكومية.
واتخذت عدة منظمات إنسانية، من بينها "أطباءٌ بلا حدود" ومنظمتا "أنقذوا الأطفال" البريطانية، و"سي آي" الألمانية، قراراً بوقف أنشطتها في إنقاذ مهاجري البحر المتوسط، بسبب عدم توفر شروط سلامة كافية، بعد أن فرضت البحرية الليبية حظراً على السفن الأجنبية في مناطق واسعة من شواطئها، مع ما يترافق من تهديدات من قبل حرس الشواطئ الليبيين.
وذكرت أنها لن تعاود عملها إلا بعد حصولها على توضيح من السلطات الليبية والإيطالية والأوروبية، حول عسكرة التدابير تجاه المهاجرين.
وأعلنت البحرية الليبية يوم 10 أغسطس/آب الجاري عن قرار إنشاء مساحة واسعة للبحث والإغاثة، وأعلنتها مغلقة في وجه السفن الأجنبية، خاصة المنظمات غير الحكومية، التي تقدم الإغاثة للمهاجرين، بسبب اتهامها بتشجيع هذا النوع من الهجرة.
وأعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" تعليق أنشطتها الإغاثية عبر سفينة "برودونس"، وهي أكبر سفينة إغاثة لمهاجري البحر المتوسط. وهو غياب اعتبرته المنظمات المنسحبة "فراغاً قاتلاً"، خصوصاً أن عمل منظمة "أطباء بلا حدود" كان الثاني من حيث الأهمية بعد وسائل الإغاثة التي تشرف عليها البحرية الإيطالية.
وعبّرت السلطات الإيطالية، التي تنتقد منذ أشهر تقاعس الأوروبيين عن تقديم الدعم لها في التصدي لقضية المهاجرين، إلى جانب إيوائهم وتوفير مختلف الشروط لاستقبالهم، عن ترحيبها بقرار السلطات الليبية بمراقبة مياهها الوطنية.
لكن هذا القرار رأت فيه فرانسواز بوشي-سولنيير، المديرة القانونية لمنظمة "أطباء بلا حدود" حصاراً ليبيّاً للمياه الدولية. ووصفت الظروف التي تمر بها الأعمال الإغاثية بالقاسية "حيث تسود الوشايات وتجريم عمليات الإغاثة وتشهير بالمنظمات غير الحكومية، إلى حدّ اتهامها بالمتاجرة بالبشر".
ولم يتبقَّ مقابل المنطقة التي فرضتها السلطات الليبية، سوى السفينة الإنسانية البريطانية "أكواريوس"، وهي تابعة للقسم الهولندي لمنظمة "أطباء بلا حدود"، و"إس. أو. إس. ميديتيرانيه"، وهي تعمل في ظروف بالغة الصعوبة، مع تأكيد طاقمها عدم رؤيتهم، منذ أسبوع، لأي سفينة أو مركب يحمل مهاجرين، ولا أي سفينة أخرى للإغاثة.
وتجدُرُ الإشارة إلى أن التوتر ازداد في الفترة الأخيرة بعد أن اتهمت السلطات الإيطالية منظمات غير حكومية بتشجيع الهجرة غير الشرعية.
ووصل الأمر بالسلطات الإيطالية القلقة من تدفق مهاجرين آخَرين، وهم ينحدرون في أغلبيتهم من إريتريا وإثيوبيا، إلى فتح تحقيق حول دورٍ مَا للراهب الإريتري، المقيم في سويسرا، الأب موسي زيراي، الذي أدرج عام 2015 على قائمة مرشحي جائزة نوبل للسلام، بما تصفه بـ "التصرفات الملتبسة لبعض المنظمات غير الحكومية في البحر المتوسط".
ولم يتأخر الراهب، الذي يُطلَق عليه لقب "الملاك الحارس"، بسبب دوره الكبير في تقديم العون للمهاجرين، الذين يصلون إلى الشواطئ الإيطالية، بوضع نفسه تحت تصرف العدالة الإيطالية، وهو يعلن أنه "متأكد من تحرّكه في احترام للتضامن الإنساني وللعدالة، التي لا تَتَوافق دائماً مع القانون".
وتجدر الإشارة إلى أن التشدد الإيطالي الجديد حيال المنظمات غير الحكومية، يأتي بعد أن دخل موضوع الهجرة في صلب الحملة الانتخابية الإيطالية، ما دفع سياسيين، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق والأمين العام للحزب الديمقراطي الحاكم، ماتيو رينزي، إلى تغيير لهجتهم، واللعب على وَتَر رفض شعبي متزايد لاستقبال مهاجرين إضافيين، بعد أن استقبلت إيطاليا أكثر من 600 ألف مهاجر، خلال أربع سنوات، معظمهم قدموا من الشواطئ الليبية.
وهدد رينزي شركاءه الأوروبيين بعدم دفع بلاده لمساهمتها السنوية لميزانية الاتحاد الأوروبي والتي تصل إلى 20 مليار يورو، إن لم تَفِ الدول الأوروبية بتعهداتها بخصوص استقبال المهاجرين. معتبراً أن موقفه يتماهى مع مواقف الإيطاليين، الذين تُرِكوا لوحدهم أمام هذا التحدي الإنساني الكبير.