الموت في رڨان
الموت في رڨان ليس رواية بوليسية خيالية، أو جزءاً من سيناريو فيلم تاريخي، فعندما غنى الفنان علي بلحاج "رضيت بحكام الحاكم ما فعل فاعل مفعول.. رضيت بالقضاء نازل الله يهدي القلوب"، كانت مدينة رقان تسترجع أنفاسها، بحثاً عن قلبها وزمنها الأول الذي ضاع في التفجيرات النووية الاستعمارية في 13 فبراير/ شباط 1960، وتكتفي، الآن، باحتساب تعداد النعوش وقوافل الأطفال المرسلين إلى مقابر "تاعرابت" والدار الآخرة، من دون أن يستوطنوا داراً جميلة في الدنيا، أو يحققوا أحلامهم في اللعب والمدرسة، بسبب الشعوذة الاستعمارية.
عين صالح ورقان مدينتان صحراويتان هادئتان في أقصى الجنوب الغربي الجزائري، يرسم اسمهما في المخيال الفكري الوطني ذكريات ومآسي كثيرة "أهمها جدل الطاقة والطوق"، ويرجع أصل تسمية بلاد الرقاني إلى الاسم الأمازيغي "ريكان"، بمعنى أنثى الإبل، منبسطة على امتداد الشريط الحدودي الجزائري. الطريق إليها يمر بأقاليم "توات" وبساحة الشهداء ينتصب بابها معلماً طينياً أحمر، له هيبته، ويحكي ذاكرة المكان، مروراً بعشرات القصور الطوبية المتراصة، والواحات الزراعية المرتبة على مكث. تنتظر أجلها في صمت رهيب.
بعد 55 عاماً، تستيقظ رقان كل صباح، مثل بقية المسؤولين الجزائريين، لتحتفي بعدد الأكفان البيضاء التي سوف يصلى عليها، جراء أمراض السرطان والعاهات الناجمة عن القنبلة، والبلدة ذات الـ30 ألف ساكن في سنة 2015 تفتقر لجهاز سكانير بسيط للكشف، فيما أصحاب قوة النانولوجي يرافعون من أجل تجريم المستعمر في الكتب المدرسية.
ربما لم تخبر تلك الكتب التلميذ أحمد ذا الـ8 سنوات، ولا عائشة، الصماء ذات الـ12 ربيعاً في قصر "تاعرابت" سبب مرضهما، وحصولهما على نصيبهم من الحضارة الاستعمارية التي ثمّنتها الجمعية الوطنية الفرنسية في قانون 23 فبراير/ شباط 2005، معتبرة احتلال الشمال الأفريقي فعلاً راقياً لتطوير الشعوب البربرية وضبطها.
تأتي السخرية في ذكرى تفجيرات رڨان ضمن جدل ضخم حول استغلال الغاز الصخري، وآثاره البيئية الفلاحية، وهدم الموارد الباطنية، فيما يرتفع نقاش مواز، متعلق بتسريبات إعلامية لاتفاقيات استغلال من شركات فرنسية. وتشهد المدينة خوفاً متعاظماً لهواجس مستودع الموت، وغياب خرائط مواقع النفايات المشعة، وأصبحت المناسبة فلكلوراً تاريخياً مكرراً محاصراً بطمس الأرشيف، وهو سر التوجهات الصخرية في عين صالح، لأن كل أعطاب هذا الوطن سببه فرنسا وطابورها، وبين عين صالح ورقان مسافة 150 كلم فقط، لكن بفارق 55 عاماً من الميراث النووي البليد، والويل الصخري القادم، ورفض شعبي أن يتحول الموت إلى تراث عربي لمسؤولين ذاكرتهم مثقوبة، لا يسمعون أنين عائشة المريضة، ولا يشعرون بصمم أحمد، لأن أزمة زعمائنا العرب في غياب حاسة السمع. وكل خشيتي عندما يسمعون، يكون الوقت متأخراً، وقتذاك، على أصحاب "إلياذة" من أنتم و"أنا فهمتكم... فهمت الجميع".