يعدد اقتصاديون مجموعة تحديات تواجه اقتصاديات الربيع العربي، حتى في حال تحقيق الاستقرار السياسي خلال السنوات المقبلة. وعلى رأس هذه التحديات جذب الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص العمل لتشغيل الشباب، وزيادة الدخل الحكومي مع خفض الإنفاق على الدعم.
لكن بعد ثلاث سنوات من ثورات الربيع العربي، التي نجحت في تغيير أنظمة الدكتاتورية في 4 بلدان عربية، لا تزال الفوضى والنزاعات المسلحة تهيمن على العالم العربي، وتعيق الاستقرار السياسي، الذي يعد أهم عناصر النمو الاقتصادي.
ومن بين الدول الاربع، التي أسقطت حكامها، وهي تونس ومصر واليمن وليبيا، تعد تونس الدولة الوحيدة، التي حققت نجاحاً متواضعاً على صعيد الاستقرار السياسي، ولكنها فشلت حتى الآن في تحقيق نجاحات اقتصادية ملموسة على صعيد جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل للشباب.
يذكر أن ثورات الربيع انطلقت من أجل الحصول على الحرية، وتوفير الخبز، والتوزيع العادل للثروة في الدول العربية. ولكن عدم الاستقرار السياسي وقف عائقاً أمام تحقيق حلم الجماهير في الجمع بين الحرية، وتوفير الخبز، والعيش الكريم.
وفيما انتهت الثورة المصرية الى مقبرة انقلاب المشير عبد الفتاح السيسي، ضربت في ليبيا فوضى النزاعات القبلية والميليشيات المسلحة منشآت النفط ومرافئ التصدير، حيث انخفضت صادرات ليبيا من النفط الى أقل من 300 الف برميل يومياً. وكانت ليبيا تصدر قبل الثورة حوالى 1.65 مليون برميل يومياً.
وفي اليمن تواصل النزاع المسلح القبلي والطائفي، وفرض هيمنته على الساحة السياسية، حتى تمكن من تعطيل صادرات النفط.
وتتمثل السمات الرئيسية لاقتصاديات الربيع العربي، حسب خبراء اقتصاد، من بينهم مصرف"بنك أوف أميركا- ميريل لينش" الأميركي بـ:
أولاً: ارتفاع كبير في عجز ميزانيات دول الربيع العربي.
ثانيا: التخبط وانعدام رؤية واضحة للاصلاح الاقتصادي، بعد نجاح الثورات ضد الانظمة الدكتاتورية.
ثالثاً: انخفاض كبير في حجم الاستثمار الاجنبي المباشر في دول الربيع. ويذكر أن حجم الاستثمار الأجنبي انخفض بمعدل 80% في كل من اليمن وليبيا خلال عام 2012، وبمعدل 29% في مصر و14% في تونس، وذلك حسب ارقام صندوق النقد الدولي.
رابعاً: انخفاض دخل السياحة أو انعدامها تماما،ً كما هو الحال في سورية، وإلى حد ما، في مصر.
خامساً: انخفاض الدخل النفطي في الدول، التي تعتمد بشكل كامل أو جزئي على النفط، مثل ليبيا واليمن وسورية.
ففي ليبيا توقع مصرف "ميريل لينش" أن يتواصل تأثير الصراع المسلح على انتاج وتصدير النفط من شرقي ليبيا، حيث تسيطر الميليشيات المسلحة على مرافئ التصدير وحقول النفط.
سادساً: النزاعات المسلحة لا تزال تهدد أمن الطاقة العالمي وترفع أسعار النفط، ما ينعكس سلباً على ميزانيات الدول العربية المستوردة للطاقة، ويهدد بتعطيل الإنتاج الزراعي والصناعة في دول مثل، المغرب.
ولكن رغم هذه السلبيات، هنالك بعض نقاط ضوء في النفق الطويل المظلم الذي تمر فيه المنطقة. وحسب توقعات صندوق النقد الدولي الاخيرة، التي نشرها في مايو/أيار، فإن الدول، التي تمر بمرحلة انتقالية وهي كل من مصر والاردن والمغرب وتونس واليمن، ربما تشهد ارتفاعا طفيفاً في نمو الناتج المحلي الاجمالي الى 2.9% في عام 2014 من 2.8% العام الماضي، كما توقع ارتفاع نمو الناتج المحلي الاجمالي الى 4.3% العام القادم بسبب ارتفاع التجارة والاستثمار.
وقال مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي:"بعد ثلاث سنوات، بدأنا في رؤية إشارات إيجابية ودرجة من الاستقرار، ولكن يجب علينا الانتقال من النمو إلى مرحلة خلق فرص عمل".
وما ساعد بعض الدول العربية غير النفطية خلال الاعوام الثلاثة الماضية هو استقرار اسعار الغذاء العالمية، كما أن الاستثمار العام آخذ في الارتفاع أيضا بفضل التمويل من الجهات المانحة، مثل المساعدات من دول الخليج، التي مكنت مصر من إطلاق مشاريع البنية التحتية العامة والاجتماعية.
يذكر ان صندوق النقد الدولي التزم بتقديم 10 مليارات دولار لدعم برامج الإصلاح الاقتصادي في بعض الدول العربية، من بينها تونس واليمن ومصر.