06 نوفمبر 2024
النساء في المنازعات والحروب: تحدّي النجاة
منذ ثورات الربيع العربي، قطعت النساء العربيات دروباً متعددة، من أجل حياةٍ لائقة لهن ولشعوبهن، إلا أن كل تلك الدروب ما لبثت أن تحوّلت إلى مفارقاتٍ مفزعةٍ بعد خمسة أعوام من الثورات، حيث وجدت النساء أنفسهن الضحايا المباشرة للموت والعنف السياسي والاجتماعي، ويعشن حالة تهديد مستمرة من قوى سياسية واجتماعية مختلفة؛ ففي ليبيا حوّل المجتمع المنقسم حربه الانتقامية، ليس ضد الأطراف السياسية المتنازعة، بل ضد الليبيات، في أسوأ أعمال انتقامية، اغتصبت آلاف النساء الليبيات. وفي سورية، تكابد النساء فظاعات الحرب، محاولاتٍ مواجهة مصير يومي مأساوي ما بين القتل والجوع والاخفاء والوقوع في أيدي التنظميات الجهادية، أو هارباتٍ عبر رحلات مخفوفة بالمخاطر لإنقاذ أطفالهن، وقد يتعرّضن للاغتصاب والاستغلال الجنسي في مخيمات اللجوء، وفي اليمن لا يختلف واقع النساء عن هذه التراجيديات المتنوعة، إلا في أن مصير اليمنيات لا يلقى اهتماماً لدى المتحمسين للحرب في اليمن.
إن المسارات المرعبة التي تحفل بها بلدان المنازعات تلقي الضوء على حياة النساء فيما بعد ثورات الربيع العربي، وهي كذلك تعرّي القوى السياسية، على اختلاف تموضعاتها السياسية والأيدولوجية التي تاجرت بحقوق النساء في أثناء الثورات، وتعاطت معها بعد ذلك، باعتبارها الجدار القصير في المجتمع، ولم يكن الزخم النسوي اللافت في تلك الثورات متناسباً مع المستقبل الذي ينتظر النساء، وتتحمل القوى السياسية مسؤولية مباشرة في الواقع المفجع الذي تعيشه النساء اليوم، فبعد الربيع العربي، تنصلت القوى السياسية من وعودها السياسية للنساء في خطاباتها السابقة، وظهر ذلك في رفضها تغيير القوانين التي طالما عطلت حقوق النساء في البلدان التي شهدت تحولاً ديمقراطياً، كما برز في استبعاد النساء عن المشاركة في صياغة القرار السياسي في البلدان التي شهدت تسوية سياسية. حتى قبل الالتفاف على مطالب ثورات الربيع العربي، وتحويل بعض هذه البلدان إلى جغرافيا واسعة للتنافس الإقليمي والاقتتال الأهلي، تحولت الأمنيات الطيبة والأحلام التي سكنت قلوب النساء إلى خيبةٍ كبيرةٍ، إذ كان الالتفاف الأولي على مطالب النساء قبل ذلك بكثير، ربما منذ الأشهر الأولى لهذه الثورات، حين أصبحت بعض الساحات وميادين التغيير منصاتٍ دينيةً وحزبيةً مغلقةً على تصوراتها الضيقة عن الثورة والحياة وحقوق المواطنين، بما في ذلك التصور الذكوري والمحافظ لحقوق النساء وحرياتها.
لم تكن الخيبات النسوية في مآلات الربيع سوى رأس الجبل العائم للحياة التي باتت مقدماتها مؤسفة، إذ وجدت النساء أنفسهن أسيرات واقع عنفي مثقلٍ بأزماتٍ سياسية حادة، وتعقيداتٍ اجتماعيةٍ عديدة، طغى عليها صراع طائفي، وتصاعد حراك جماعات الإسلام الجهادي، بشقيه السني والشيعي، اللذين يحتربان مع بعضهما، لكنهما يتفقان على شيطنة النساء، وحرمانهن من حقوقهن الإنسانية والسياسية والاقتصادية.
في حين تضاعفت التحديات التي تواجهها النساء، في ما بعد ثورات الربيع العربي في البلدان
التي نجحت الثورات في إسقاط رموز هذه الأنظمة، تأخذ هذه التحديدات طابعاً أكثر سوداويةً في بلدان النزاعات المسلحة والاحتراب المحلي والإقليمي، فالحرب المستمرة في هذه البلاد طاولت حياة الجميع، رجالاً ونساء وأطفالاً، لكن كارثيتها تتجلى أكثر حيال النساء اللواتي وجدن أنفسهن بلا أي حماية مجتمعيةٍ أو سياسيةٍ، يواجهن مخاطر حياة الحرب، يتعرّضن خلالها لصنوفٍ متنوعةٍ من الانتهاكات الجسدية والنفسية من قتل واختطاف واغتصاب ونزوح، علاوة على تعقُد حياتهن الاجتماعية التي تضيق كل يوم مع غياب فرص النجاة من مصير مأساوي.
الحرب هي تفاصيل يومية للموت والحرمان وانحطاط الكرامة، وتمتلئ حياة النساء بهذه التفاصيل لتشكل لوحة سوداء لحياة النساء في ظل الحروب، إذ تواجه اليمنيات هذا الواقع، ولا خيارات أخرى لهن سوى التعامل مع الخسارات اليومية؛ ففي حين يخوض الرجال الحرب في مناطق المواجهات، متخندقين، إما مع جبهة جماعة الحوثي وصالح، أو مع جبهة المقاومة الداعمة لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، تظل النساء، مهما تباينت مواقفهن السياسية ومناطقهن الجغرافية، الأكثر تضرّراً بهذه الحرب، بدءاً من مواجهة إمكانية القتل والتعرض للإذلال من أطراف الصراع، وحتى تحديات تأمين الحماية لأطفالهن، وتوفير مستلزمات الحياة اليومية، كما قد يجدن أنفسهن المعيلات للأسرة في حال قتل رجالهن في مناطق المواجهات.
لا حياة آمنة للجميع في بلدان الحروب والمنازعات، أياً يكون جنسه أو عمره، وفي واقع الحرب اليمنية، لا يبدو موت النساء مكلفاً لأطراف الصراع، لأنه لا يحقق تغيراً في موازين الحرب بين المتقاتلين، ولا يترتب على ذلك الموت الأعزل أكاليل غار، ولا جنازات مهيبة لجثامينهن التي تدفن بصمت، ولا استحقاقات سياسية في المستقبل لذويهن. إذا كان ريف دمشق هو منطقة الأضحيات النسوية السورية، فإن مدينة تعز اليمنية هي مدينة موت مستمر للنساء، فبحسب أحدث إحصائية لضحايا الحرب، منذ بدئها في مارس/آذار 2015 وحتى الأسبوع الاول من يناير/كانون الثاني 2016، وصل عدد النساء القتلى والجرحى من مليشيات الحوثي وصالح وغارات التحالف العربي إلى 1.412 ضحية من النساء، فضلاً عن ضحايا الموت جرّاء الحصار المفروض على المدينة، والموت بسبب انعدام الأوكسجين؛ كما أن النساء في مدينة تعز يكن عرضةً لمختلف الانتهاكات في أثناء جلب احتياجات أسرهن، إضافة إلى كل أشكال الموت والعنف التي يواجهنها، ويصبح الاغتصاب واقعاً أكثر عنفاً تعانيه النساء وحدهن، حيث تعرضت نساء في تعز للاغتصاب، وهو ما لم يحدث في أي مدينة يمنية أخرى.
لا تصنع النساء الحرب أبداً، لكنهن يحصدن مراراتها، وفي حين تستمر مرارة الحرب في بلدان النزاعات، لا تعرف النساء في هذه البلدان كيف يواجهن تحديات هذه الحياة القاسية التي ليست ترفاً نضالياً لمواجهة ارتدادات الثورة المضادة، أو محاولة فرض قوانين جديدة لحماية حقوق ومصالح النساء، ولا لتحسين شروط المستقبل، بل هي تحديات أصيلة للنجاة من موتٍ محقق، تحديات قسوة الحياة اليومية وحرمانها، تحدّي العصا الطائفية التي تعصف بأسر النساء، تحدّي سبي النساء من الجهاديين وإحراق وجوههن بماء النار، وتحدّي الموت جرّاء القنص أو الغارات والقصف العشوائي أو الحصار وعدم توفر الغذاء والماء والعلاج. تحدّي الخطف والإخفاء القسري، تواجه النساء في مناطق النزاعات تحدياتٍ لكل أشكال الموت وإنقاذ الكرامة الإنسانية، لهن أو لأطفالهن، وتحديات المصير الغامض لاستمرار حياتهن، في واقع الحرب وما بعدها.
إن المسارات المرعبة التي تحفل بها بلدان المنازعات تلقي الضوء على حياة النساء فيما بعد ثورات الربيع العربي، وهي كذلك تعرّي القوى السياسية، على اختلاف تموضعاتها السياسية والأيدولوجية التي تاجرت بحقوق النساء في أثناء الثورات، وتعاطت معها بعد ذلك، باعتبارها الجدار القصير في المجتمع، ولم يكن الزخم النسوي اللافت في تلك الثورات متناسباً مع المستقبل الذي ينتظر النساء، وتتحمل القوى السياسية مسؤولية مباشرة في الواقع المفجع الذي تعيشه النساء اليوم، فبعد الربيع العربي، تنصلت القوى السياسية من وعودها السياسية للنساء في خطاباتها السابقة، وظهر ذلك في رفضها تغيير القوانين التي طالما عطلت حقوق النساء في البلدان التي شهدت تحولاً ديمقراطياً، كما برز في استبعاد النساء عن المشاركة في صياغة القرار السياسي في البلدان التي شهدت تسوية سياسية. حتى قبل الالتفاف على مطالب ثورات الربيع العربي، وتحويل بعض هذه البلدان إلى جغرافيا واسعة للتنافس الإقليمي والاقتتال الأهلي، تحولت الأمنيات الطيبة والأحلام التي سكنت قلوب النساء إلى خيبةٍ كبيرةٍ، إذ كان الالتفاف الأولي على مطالب النساء قبل ذلك بكثير، ربما منذ الأشهر الأولى لهذه الثورات، حين أصبحت بعض الساحات وميادين التغيير منصاتٍ دينيةً وحزبيةً مغلقةً على تصوراتها الضيقة عن الثورة والحياة وحقوق المواطنين، بما في ذلك التصور الذكوري والمحافظ لحقوق النساء وحرياتها.
لم تكن الخيبات النسوية في مآلات الربيع سوى رأس الجبل العائم للحياة التي باتت مقدماتها مؤسفة، إذ وجدت النساء أنفسهن أسيرات واقع عنفي مثقلٍ بأزماتٍ سياسية حادة، وتعقيداتٍ اجتماعيةٍ عديدة، طغى عليها صراع طائفي، وتصاعد حراك جماعات الإسلام الجهادي، بشقيه السني والشيعي، اللذين يحتربان مع بعضهما، لكنهما يتفقان على شيطنة النساء، وحرمانهن من حقوقهن الإنسانية والسياسية والاقتصادية.
في حين تضاعفت التحديات التي تواجهها النساء، في ما بعد ثورات الربيع العربي في البلدان
الحرب هي تفاصيل يومية للموت والحرمان وانحطاط الكرامة، وتمتلئ حياة النساء بهذه التفاصيل لتشكل لوحة سوداء لحياة النساء في ظل الحروب، إذ تواجه اليمنيات هذا الواقع، ولا خيارات أخرى لهن سوى التعامل مع الخسارات اليومية؛ ففي حين يخوض الرجال الحرب في مناطق المواجهات، متخندقين، إما مع جبهة جماعة الحوثي وصالح، أو مع جبهة المقاومة الداعمة لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، تظل النساء، مهما تباينت مواقفهن السياسية ومناطقهن الجغرافية، الأكثر تضرّراً بهذه الحرب، بدءاً من مواجهة إمكانية القتل والتعرض للإذلال من أطراف الصراع، وحتى تحديات تأمين الحماية لأطفالهن، وتوفير مستلزمات الحياة اليومية، كما قد يجدن أنفسهن المعيلات للأسرة في حال قتل رجالهن في مناطق المواجهات.
لا حياة آمنة للجميع في بلدان الحروب والمنازعات، أياً يكون جنسه أو عمره، وفي واقع الحرب اليمنية، لا يبدو موت النساء مكلفاً لأطراف الصراع، لأنه لا يحقق تغيراً في موازين الحرب بين المتقاتلين، ولا يترتب على ذلك الموت الأعزل أكاليل غار، ولا جنازات مهيبة لجثامينهن التي تدفن بصمت، ولا استحقاقات سياسية في المستقبل لذويهن. إذا كان ريف دمشق هو منطقة الأضحيات النسوية السورية، فإن مدينة تعز اليمنية هي مدينة موت مستمر للنساء، فبحسب أحدث إحصائية لضحايا الحرب، منذ بدئها في مارس/آذار 2015 وحتى الأسبوع الاول من يناير/كانون الثاني 2016، وصل عدد النساء القتلى والجرحى من مليشيات الحوثي وصالح وغارات التحالف العربي إلى 1.412 ضحية من النساء، فضلاً عن ضحايا الموت جرّاء الحصار المفروض على المدينة، والموت بسبب انعدام الأوكسجين؛ كما أن النساء في مدينة تعز يكن عرضةً لمختلف الانتهاكات في أثناء جلب احتياجات أسرهن، إضافة إلى كل أشكال الموت والعنف التي يواجهنها، ويصبح الاغتصاب واقعاً أكثر عنفاً تعانيه النساء وحدهن، حيث تعرضت نساء في تعز للاغتصاب، وهو ما لم يحدث في أي مدينة يمنية أخرى.
لا تصنع النساء الحرب أبداً، لكنهن يحصدن مراراتها، وفي حين تستمر مرارة الحرب في بلدان النزاعات، لا تعرف النساء في هذه البلدان كيف يواجهن تحديات هذه الحياة القاسية التي ليست ترفاً نضالياً لمواجهة ارتدادات الثورة المضادة، أو محاولة فرض قوانين جديدة لحماية حقوق ومصالح النساء، ولا لتحسين شروط المستقبل، بل هي تحديات أصيلة للنجاة من موتٍ محقق، تحديات قسوة الحياة اليومية وحرمانها، تحدّي العصا الطائفية التي تعصف بأسر النساء، تحدّي سبي النساء من الجهاديين وإحراق وجوههن بماء النار، وتحدّي الموت جرّاء القنص أو الغارات والقصف العشوائي أو الحصار وعدم توفر الغذاء والماء والعلاج. تحدّي الخطف والإخفاء القسري، تواجه النساء في مناطق النزاعات تحدياتٍ لكل أشكال الموت وإنقاذ الكرامة الإنسانية، لهن أو لأطفالهن، وتحديات المصير الغامض لاستمرار حياتهن، في واقع الحرب وما بعدها.