اقرأ أيضاً: سورية: عشرون قتيلاً في تفجير استهدف المعارضة المسلّحة بحلب
يقوم هذا المخطط الإيراني على السيطرة الميدانية على ما تسميه إيران بـ"سورية المفيدة" (الساحل وحمص ودمشق)، وترك بقية المناطق التي يدرك النظام أنه يستحيل أن يحكمها يوماً ما، مع محاولة إبقاء السيطرة على مراكز المحافظات فيها أطول فترة ممكنة، كون السيطرة على مركز المحافظة وتقديم خدمات حكومية فيها تعني أن المحافظة لا تزال تحت السيطرة، وترك الأرياف خارج السيطرة مع تعزيز حالة الفوضى وانعدام الخدمات والأمان، من خلال استهدافها اليومي بالطيران.
غير أن التدخل الروسي القوي، بالتزامن مع تخلي "أصدقاء الشعب السوري" عن دعم المعارضة جزئياً، دفع النظام لتغيير استراتيجيته باتجاه انتزاع السيطرة على المناطق التي تشكل حواضن شعبية للمعارضة، خصوصاً في ريفي حلب الشمالي والجنوبي باتجاه ريف إدلب.
غير أن مهمة النظام، الذي يعتمد على سياسة الأرض المحروقة، شديدة الصعوبة. وحتى إن نجح في التقدّم بعض الوقت، فإنّه يستحيل الاستقرار في تلك المناطق، بسبب مساحاتها الشاسعة وعدم امتلاكه لعناصر بشرية تتمكن من الانتشار في تلك المناطق والحفاظ عليها من جهة، وبسبب انعدام القيمة الجغرافية والديمغرافية لتلك المناطق من جهة أخرى، كونها مناطق باتت مدمرة وخالية من السكان.
وقد يتمكن النظام، نتيجة الغطاء لجوي الروسي وشدة القصف بالطيران، من الاستيلاء على مساحات من ريف حلب، الذي يمتد على مساحة 190 كيلومتراً مربعاً، تتوزع فيه مئات القرى والمدن، ويشكّل معظم سكانه الحاضنة الشعبية للمعارضة. لكن المشكلة بالنسبة له تكمن في إمكانية إبقاء السيطرة وإدارة هذه المناطق. ويدخل النظام هذه المناطق وهي شبه مدمرة وخالية من السكان، ويحتاج إلى عشرات الآلاف من العناصر للانتشار فيها.
وقد يفكر النظام باستقطاب مؤيديه الذين نزحوا من حلب إلى الساحل، وحشدهم في إطار لجان شعبية لحماية مناطقهم على مبدأ الحماية الذاتية الذي ابتدعه النظام من خلال الألوية التطوعية التابعة لوزارة الدفاع. وتقوم فكرة هذه الألوية على تدريب وتسليح المدنيين من موظفين وطلاب ومتطوعين ضمن لجان شعبية مهمتها حماية المناطق لتي تسكنها. لكن يصعب إسقاط هذا الأسلوب في مناطق الريف الحلبي، لمجموعة من الأسباب، أهمها أن عناصر المعارضة المسلحة التي تنسحب من تلك القرى تحت ضغط هجمات الطيران ستذهب إلى مناطق المعارضة المسلحة في ريف إدلب وتحضّر لهجمات على تلك المناطق، ما يجعل المعارك فيها معارك كر وفر، ويجعلها مناطق غير آمنة ومعرّضة في أية لحظة لأن تستعيدها المعارضة. كما أن تدمير البنى التحتية في تلك القرى قبيل السيطرة عليها يجعل من الصعوبة إعادة تأهيلها، وبالتالي ستكون مناطق غير قابلة للحياة، أو يجعل من المستبعد أن يفكر موالو النظام بالاستقرار فيها.
ويجزم محمود بيطار، النازح من ريف حلب الشمالي، أن القرى التي سيطر عليها النظام قد تم تدمير معظمها بشكل كامل من قبل الطيران الروسي، لدرجة أنها لم تعد قابلة للحياة. ويضيف لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن أحداً ممن نزح من هذه القرى سيعود إليها في حال بقي النظام فيها، حتى ولو كان غير مشارك في أعمال عسكرية؛ فجميع سكان هذه المناطق من وجهة نظر النظام هم إرهابيون، ولا أعرف الغاية التي يبتغيها النظام من السيطرة على ركام بلدات دمرتها طائرات حليفه الروسي".
وبحسب بيطار، فإن طبيعة المنطقة وامتدادها الجغرافي تجعل من المستحيل على النظام أن يتمكّن من إدارتها والبقاء فيها، فمن هُجّر من بيته بفعل الطيران سيسعى لاسترداده بمجرد أن يرحل هذا الطيران، كما أن الطريقة التي يتبعها النظام ستحول كل السكان إما لمهجرين خارج البلد أو لثوار يسعون لاستعادة أراضيهم، حتى لو منع عنهم الدعم من كل دول العالم.
من جهته، يرى الناشط المهندس شادي عبيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك نوعين من المناطق التي يسيطر عليها النظام؛ النوع الأول عبارة عن مناطق "استراتيجية" بالنسبة له ولن يتخلى عنها بسهولة، كالقرى والبلدات التي تصل مناطق تواجده ببلدتي نبل والزهراء، والمناطق التي تقطع خطوط إمداد المعارضة أو تقطع أوصال مناطقها. النوع الثاني عبارة عن المناطق الأخرى التي لا تشكل بعداً استراتيجياً له، كقرى مدمرة خالية من السكان، ولا يمتلك القدرة على البقاء فيها، كونه استولى عليها بقوة الطيران وليس بقوة عناصره البرية، وهو لا يمتلك أصلاً عناصر البقاء فيها، وبالتالي يمكن لفصائل المعارضة استرجاعها بأي وقت.
وكانت قوات النظام السوري وبغطاء جوي غير مسبوق من الطيران الروسي قد تمكنت من التقدم في بعض قرى ريفي حلب الشمالي والغربي خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى نزوح ما يقارب نحو سبعين ألف مدني من تلك القرى؛ خمسون ألفاً منهم لا يزالون يبيتون في العراء على الحدود التركية في انتظار تأمينهم.
اقرأ أيضاً: السيطرة على الشهباء: مفتاح الشمال السوري مقسَّم "شرقية وغربية"