بعد الهجوم الواسع الذي شنّه مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل عشرة أيام على الجهات الشرقية والجنوبية والغربية لمدينة الحسكة شمال شرقي البلاد، تزايدت المخاوف من احتمال سقوط المدينة بيد التنظيم، في ظل إصرار قوات النظام على البقاء في المدينة، رغم طلب مقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكردية خروجها مقابل طرد "داعش" بمساندة التحالف الدولي.
تكتيك "سمكة الرمال"
ويعتمد التنظيم ما بات يُعرف باستراتيجية "سمكة الرمال"، وتتمثل في الانسحاب من مكان يتعرض فيه لهجمات، ليهاجم في مكان آخر غير متوقع من قبل الخصم. وهو يعتمد هذا التكتيك في مناطق جديدة بعيدة عن المناطق التي يتواجد فيها.
تكتيك يظهر جلياً في الحسكة، حيث استقدم 400 مقاتل من محافظة دير الزور، فضلاً عن عشرات المقاتلين العراقيين، للهجوم على المدينة والسيطرة عليها، وبات على بعد 500 متر تقريباً من مداخلها بعد اشتباكات عنيفة ضد قوات النظام والمسلحين الموالين لها استمرت لساعات جنوب المدينة، وانتهت بسيطرة التنظيم على نقاط عسكرية عدة، بينها سجن الأحداث.
وطلبت القوات الكردية من قوات النظام مراراً الانسحاب من المدينة كي تستلم وحدها قيادة العمليات العسكرية فيها ضد "داعش"، إلا أن قوات النظام رفضت ذلك، ما سبب توتراً بين الطرفين اللذين يتقاسمان السيطرة على أحياء المدينة، تطور في شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى مواجهات مسلحة استمرت لأيام، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، قبل أن تنتهي بالاتفاق على وقف إطلاق نار. توتر سارع التنظيم إلى استغلاله وباغت المدينة بالهجوم عليها.
وعلى إثر هجوم "داعش"، توحّدت قوات النظام ومقاتلي "وحدات الحماية" الكردية، لقتاله في المعارك الأخيرة، فيما حاول النظام أن يستغل الأمر لجلب المقاتلين الأكراد إلى صفه، ثم جذب التحالف الدولي من ورائهم.
ويتضح ذلك من الاجتماع الذي عقد بين وجهاء القبائل العربية والكردية في الحسكة مع قيادات في "وحدات حماية الشعب" الكردية، إذ هدف النظام من وراء الاجتماع إلى إقناع مؤيديه من عرب الحسكة، بضرورة قبول تدخل الوحدات الكردية لحماية أحيائهم، فالنظام بطبيعة الحال يتخوف من هجوم جديد لمقاتلي التنظيم في أي وقت، خصوصاً في حصنه الرئيسي في مدينة الشدادي جنوبي مدينة الحسكة.
وفي محاولة لإقناع العرب والأكراد معاً، خاض مقاتلو النظام معارك عنيفة مع التنظيم في محيط سجن الأحداث عند مشارف المدينة، وطردوه إلى خارج الجهة التي يسيطر عليها بمساعدة الغطاء الجوي. وبعدما اتضح لـ"داعش" عودة التنسيق بين النظام ومقاتلي الوحدات، اضطر إلى الانسحاب. ولا يستبعد أن يطل الآن في مكان جديد غير متوقع من الخصم، بحسب استراتيجية السمكة المتحركة.
اقرأ أيضاً: تراجع "داعش" في الحسكة بعد تدخل كردي
ويوضح الناشط الإعلامي علي الحريث لـ"العربي الجديد" أن "مقاتلي (وحدات الحماية) كانوا مرابطين على طريق أبيض الحسكة جنوب غرب المدينة (على بعد 7 كيلومترات)، وفي مواقع للنظام في محيط الفوج 123 كوكب على بعد 15 كيلومتراً شرق المدينة". لكنه يؤكد أن من "أجبر التنظيم على الانسحاب هو قصف طائرات النظام بطائرات (ميغ) و(سوخوي) لمواقع التنظيم، والذي اضطره للتراجع إلى كيلومتر واحد، وهو تراجع مؤقت".
ورأى عضو لجنة العلاقات العامة في حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، إبراهيم مسلم، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "النظام يسعى إلى خلق فتنة، ويحاول أن يمدّد عمره بكافة الوسائل، ولكن في اعتقادي أنه انتهى، وعلى الجميع أن يفهموا ذلك، خصوصاً مكونات المدينة. ولإحداث نظام جديد في سورية المستقبل، يجب أن يُقبل بوحدات الحماية الشعبية الكردية، والتي تمثل جميع المكونات الشعبية في مقاطعة الجزيرة".
وحول تخوفات العرب من تهجير ديموغرافي في حال تم الاتفاق على طرد النظام من الحسكة وتمكن المقاتلون الأكراد من طرد "داعش" بمساندة التحالف، أشار مسلم إلى أنه "لا يوجد شيء اسمه تهجير ديموغرافي، ففي الوحدات نسبة كبيرة من العرب، خصوصاً عسير شمر، و14 في المائة من عناصر الوحدات عرب يحمون بيوتهم وقراهم من كل ظالم، سواء أكان النظام أم داعش، وحاكم المقاطعة عربي من شمر".
وفي السياق، يبدي عضو المكتب التنفيذي لـ"اتحاد الديمقراطيين السوريين"، عبد الباري عثمان، تفاؤلاً حيال ما يجري في الحسكة، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن لديه قناعة تامة بأن "الحسكة لن تسقط بيد (داعش)، لأن أبناء الحسكة مصرّون على الدفاع عنها حتى لو تخلى العالم كله عنهم"، مشيراً إلى أن النظام "يتخلى عن مناطق تواجده لصالح داعش".
ويوضح عثمان أن "لعبة النظام أصبحت مكشوفة، وهي ضرب المكونات ببعضها بعضاً وزرع الفتنة"، مستدلاً على "الربط التام والتنسيق بين النظام و(داعش) في تدمر".
تجدر الإشارة إلى أن قوات النظام تسيطر على معظم أحياء مدينة الحسكة، والتي يسكنها إلى جانب العرب والأكراد أقلية مسيحية، نزح معظمهم أخيراً، نتيجة احتدام المعارك حول المدينة، في حين تسيطر "وحدات حماية الشعب" الكردية على أحياء الصالحية والمفتي والكلاسة وتل حجر والعزيزية في المدينة.
وتعتبر مدينة الحسكة مركز محافظة الحسكة، وتقع على نهر الخابور ونهر جقجق، وتبعد عن دمشق 600 كيلومتر، وعن مدينة حلب 400 كيلومتر، وعن دير الزور 179 كيلومتراً. وتتميز بخصوبة أراضيها ووفرة مياهها وجمال طبيعتها وكثرة مواقعها الأثرية. وشهدت نهضة عمرانية حديثة كبيرة وأقيمت حولها مشاريع زراعية وصناعية عديدة.