النظام وروسيا ينتقمان من المدنيين في إدلب

عدنان علي

avata
عدنان علي

عمار الحلبي

avata
عمار الحلبي
05 فبراير 2018
D08EBF33-585E-43B1-AFE1-CDB03AA99276
+ الخط -
يطرح إسقاط طائرة حربية روسية في محافظة إدلب مساء أول من أمس السبت، تساؤلات كبيرة حول تأثيره على مجرى الأحداث في المحافظة، وأيضاً حول مصدر الصاروخ الذي استهدف الطائرة، بعد مسارعة الولايات المتحدة لنفي الاتهامات الموجّهة إليها بتزويد جماعات سورية بصواريخ أرض جو، في ظل بروز تصريحات من قوات النظام عن توقف عملياتها في شرق إدلب.
وإن كانت المعطيات التي سادت طوال ساعات نهار أمس الأحد كانت تشي بأن ما يجري سيؤدي لإعادة صياغة التفاهمات العسكرية والسياسية بشأن سورية، خصوصاً أن أولى المؤشرات دلّت على تجميد تقدّم النظام السوري في شرق إدلب والذي كان يخالف اتفاقات أستانة، إلا أن التطورات الميدانية في ساعات المساء أظهرت مخطط النظام وروسيا للانتقام من المدنيين.
وفي السياق أخرج القصف الجوي الروسي الذي استهدف ريف إدلب، مساء أمس الأحد، مستشفيين من الخدمة، بالتزامن مع إصابة تسعة مدنيين باختناق، نتيجة قصف بالغازات السامة نفّذته طائرة مروحية تابعة للنظام السوري، على مدينة سراقب، شرق إدلب. 
 
وفي ظل هذه التطورات العسكرية، يغيب الحديث عن حل سياسي بشكل شبه كامل، باستثناء الإعلان الفرنسي أمس عن العمل مع تركيا لإعداد "خريطة طريق دبلوماسية" من أجل وضع حد للنزاع في سورية. ويأتي الإعلان بعد محادثة هاتفية أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان السبت تباحثا خلالها خصوصاً في عملية عفرين. وقال الإليزيه أمس إن "الرئيسين اتفقا على العمل من أجل إعداد خريطة طريق دبلوماسية حول سورية في الأسابيع المقبلة"، مضيفاً: "بناء عليه، فإن المحادثات بين فرنسا وتركيا، وكلاهما تأملان بحل سياسي بإشراف الأمم المتحدة، ستتكثف في الأيام المقبلة".


هدوء إدلب لم يستمر طويلاً
وجاء تصعيد النظام وروسيا في ريف إدلب بعد ساعات من الهدوء الحذر الذي أعقب إعلان مسؤول عسكري في قوات النظام السوري توقف عمليات تلك القوات في شرق محافظة إدلب وتوجّهها نحو "جبهات أخرى"، وسط حديث عن امتعاض تركي-أميركي من تجاوز قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران لتفاهمات أستانة التي تمنعها من التوغل في المنطقة "ب" غربي سكة الحديد في ريف إدلب الشرقي، مع تكهنات بأن إسقاط الطائرة الروسية قد يكون أحد أشكال التعبير عن هذا الامتعاض.

وساد الهدوء النسبي أمس الأحد، جبهات ريف إدلب الشرقي بعد يومٍ واحد من إسقاط الطائرة الحربية الروسية، وسط حديث عن توقف عمليات قوات النظام في المنطقة، إذ نقلت وسائل إعلام تابعة للنظام، عن سليمان شاهين قائد "مجموعات الحمزة" التابعة لقوات العقيد في قوات النظام سهيل الحسن، إنه ابتداء من يوم (أمس) الأحد "سوف يتم تسليم القطاعات للقوات التي ستقوم بالتثبيت وتتوقف كافة الأعمال العسكرية لقوات النمر بريف إدلب عند الحد الذي وصلت إليه القوات". وأوضح شاهين أنه ستتم "تثبيت نقاط مراقبة على أوتوستراد معرة النعمان-حلب، لتتحول الأعمال العسكرية باتجاه آخر يتم الإعلان عنه لاحقاً"، في إشارة إلى إعادة التزام قوات النظام بتنفيذ التفاهمات المسربة عن اتفاق أستانة والتي تمنع قوات النظام من التوغّل في المنطقة "ب" غربي سكة الحديد، وهي منطقة من المفترض أن تكون بموجب هذه التسريبات خالية من وجود قوات النظام، وتحت سيطرة الفصائل.

وكانت قوات النظام قد توغّلت خلال الأيام الماضية في عمق المنطقة "ب" عقب سيطرتها على مطار أبو الظهور، وباتت على بُعد كيلومترات قليلة فقط من مدينة سراقب في محاولة منها للوصول إلى بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام. وكانت فصائل المعارضة قد شكّلت يوم السبت غرفة عمليات موحدة تحت اسم "دحر الغزاة"، بغية وقف زحف قوات النظام في المنطقة.

وأعرب مراقبون عن اعتقادهم بأن ضغوطاً تركية على روسيا، قد تكون وراء توقف عمليات قوات النظام في تلك المنطقة، ما دفع روسيا إلى الطلب من قوات النظام المدعومة من إيران وقف عملياتها في المنطقة والالتزام بتفاهمات أستانة، فضلاً عن امتعاض أميركي من محاولة حلف روسيا وإيران والنظام التهام محافظة إدلب بالكامل، ما قد يعني تغييراً كبيراً في موازين القوى على الأرض. فسقوط إدلب، على غرار سقوط حلب من قبل، بيد قوات النظام ينهي فعلياً وجود المعارضة في الشمال السوري برمته، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا في ريف حلب الشمالي.

وأجرت أنقرة اتصالات مكثفة مع موسكو عقب استهداف قواتها قبل أيام خلال محاولتها تثبيت نقطة مراقبة في ريف حلب الجنوبي، بموجب اتفاقات أستانة. وأكد الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين الالتزام بتلك الاتفاقات وعدم إعاقة انتشار القوات التركية في تلك المنطقة، وذلك عقب إطلاق النار بشكل متكرر وتفجير سيارة مفخخة في تلك القوات التركية من قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها، الأمر الذي فسره مراقبون عسكريون بأنه حركة إيرانية لإرباك تركيا والضغط عليها كي تغض الطرف عن تقدّم قوات النظام باتجاه بلدتي كفريا والفوعة.


وقالت مصادر إعلامية إن مباحثات جرت قبل أيام بين ضباط روس وأتراك داخل إحدى القواعد العسكرية التركية، بحث خلالها الطرفان أبعاد الاعتداءات الأخيرة على القوات التركية داخل الأراضي السورية من قبل عناصر إيرانيين موجودين في ريف حلب الغربي، واتفق الطرفان على إعادة دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية. وأضافت أنه تم الاتفاق على نشر مخافر للشرطة الشيشانية على أطراف سكة الحديد التي تمتد من "أم حارتين" في ريف حماة الشرقي حتى حي الراشدين في حلب، حيث سيتم وضع المخافر على مسافة بين 20 و30 كيلومتراً. وفي الجانب المقابل سيتم وضع مخافر تركية على طريق حماة-حلب بشكل متناظر مع مخافر الشيشان. وأشارت إلى أنه سيتم نزع السلاح الثقيل والمتوسط من المنطقة "ب" الواقعة بين سكة الحديد وطريق الأوتوستراد، على أن تنتشر فيها "الشرطة الحرة" التابعة للجيش الحر.

تداعيات إسقاط الطائرة
وصبّت روسيا جام غضبها على محافظة إدلب انتقاماً لإسقاط إحدى طائراتها الحربية في سماء المحافظة السبت، إذ قصفت بالطائرات والصواريخ بعيدة المدى من البحر أمس، بلدات عدة، ما أسفر عن مقتل نحو ثلاثين شخصاً جلّهم من المدنيين، في حين نفت واشنطن أن تكون زودت أياً من الفصائل في سورية بصواريخ محمولة مضادة للطيران، وذلك عقب تلميحات روسية بشأن مصدر الصاروخ الذي أسقط تلك الطائرة.

وقالت مصادر محلية إن القصف الروسي وقصف طيران النظام الذي تركز على بلدات معصران وسراقب وخان السبل في محيط المنطقة التي سقطت فيها الطائرة الروسية، أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، مشيرة إلى أن قصف البوارج الروسية تسبب في تدمير أحياء سكنية عدة على رؤوس ساكنيها. من جهتها، زعمت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها قصفت بشكل مكثف منطقة إسقاط المقاتلة الروسية في ريف إدلب ما أدى إلى مقتل 30 مسلحاً من "جبهة النصرة" بحسب تعبيرها. وقالت الوزارة إن مركز حميميم يسعى بالتعاون مع الجانب التركي لاستعادة جثة الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته.

وكان إسقاط الطائرة الحربية الروسية من طراز "سو 25" لافتاً، لكونها المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة حربية روسية من هذا الطراز في سورية بصاروخ مضادٍ للطائرات. وقالت مصادر إعلامية محلية إن أول من تبنّى المسؤولية عن إسقاط الطائرة هو فصيل "جيش النصر" التابع للجيش الحر، والذي تشكّل عام 2015 من عدة فصائل للمعارضة المسلحة، وتشمل مناطق وجوده حالياً محافظتي حماة وإدلب. ونشر "جيش النصر" مقطعاً مصوراً أظهر الطائرة الروسية وهي تشتعل في سماء بلدة معصران، كما ظهر الطيار الذي كان يقود الطائرة يهبط بمظلته قبل أن يتم نشر صور لجثته وحولها العشرات من أهالي المنطقة. من جهتها، أعلنت "هيئة تحرير الشام" مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، لكن مراقبين لاحظوا أنها استخدمت في إعلانها، مقاطع الفيديو نفسها التي صوّرها عناصر "جيش النصر".

من جهة أخرى، يرى مراقبون أنه على الرغم من النفي الأميركي لتزويد فصائل المعارضة بصواريخ حرارية محمولة على الكتف مضادة للطائرات، إلا أن هذا الاحتمال يبقى وارداً، وقد يكون أحد تلك الصواريخ هو الذي تسبّب في إسقاط الطائرة الروسية، خصوصاً أن فصيل "جيش النصر" مدعوم من الولايات المتحدة.
وذكرت صحيفة "برافدا" الأوكرانية أن الطيار رامان فيليباف الذي كان يقود الطائرة هو أوكراني الجنسية من مدينة سيمفروبل في شبه جزيرة القرم وانضم إلى القوات الروسية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم للحكم الروسي. ووفقاً لمقاطع الفيديو التي حلّلتها "العربي الجديد"، فإنه في يوم أمس السبت، كانت طائرتان روسيتان تتناوبان على قصف مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وقامت فصائل المعارضة باستهدافهما بالصواريخ الأرضية، ما أدى إلى إصابة طائرة منهما، فيما تراجعت الثانية من المكان.

الطائرة التي استُهدفت وقعت في منطقة زراعية على أطراف مدينة سراقب، وقام الطيار بفتح المظلة. ووفقاً لمقطع فيديو وثّق لحظة وقوع الطائرة، فإنه خلال هبوط الطيار بالمظلّة، سُمعت أصوات إطلاق نار كثيفة، ما يُشير إلى وقوع اشتباك بين الطيار والمقاتلين الذين كانوا يترصدونه على الأرض في مدينة سراقب. بعد ساعات نُشرت صور للطيار بعد مقتله، وصورة لسلاحه الفردي. وقالت مواقع وصفحات روسية إنه على ما يبدو لم يتمكّن من استخدام سلاحه، "فقوة سلاحه كانت تمكّنه من قتل كل من كان معه في محور الاشتباك". لكن صوراً أخرى نشرها ناشطون في سورية، أظهرت نقصاً في الذخائر الخاصة بمسدس الطيار، ما يدل على حصول اشتباك بين الطيار وعناصر المعارضة، وهو الأمر الذي أكدته مصادر ميدانية من إدلب.


الحرب في عفرين
في غضون ذلك، تتواصل المعارك في منطقة عفرين بين الوحدات الكردية من جهة وفصائل من الجيش الحر والقوات التركية من جهة أخرى، وسيطرت الأخيرة على قرية حاج بلال في ناحية شيخ الحديد غرب منطقة عفرين، في حين أعلنت القوات التركية "تحييد" أكثر من 900 عنصر من "وحدات حماية الشعب" منذ انطلاق العملية. وأعلنت فصائل المعارضة أنها أحبطت هجوماً للوحدات الكردية على محور تلة السيرياتيل بالقرب من ناحية شيخ الحديد. ويأتي هذا في ما تقول الوحدات الكردية، إنها كبّدت القوات المهاجمة خلال اليومين الماضيين خسائر بشرية ومادية، كما بثت مشاهد مصورة، تظهر استخدامها لمضادات دبابات متطورة، استهدفت فيها الآليات العسكرية التركية المشاركة في المعارك.

من جهة أخرى، قالت مصادر محلية إن رتلاً عسكرياً من فصائل الجيش الحر دخل إلى الأراضي التركية من بلدة كفرلوسين قرب معبر باب الهوى قادماً من إدلب للمشاركة في عملية "غصن الزيتون". وقالت مصادر محلية إن الرتل يتكوّن من 45 آلية ويضم مقاتلين من "فيلق الشام" و"الفرقة 23" و"حركة نور الدين الزنكي" إضافة لقوات تركية، مشيرة إلى أن القوات دخلت من بلدة كفرلوسين باتجاه الأراضي التركية، حيث ستتوجه بعدها إلى بلدة الحمام غرب ناحية جنديرس التابعة لمدينة عفرين شمال غرب حلب.

وبرز تحذير تركي للولايات المتحدة من استهداف قواتها في منبج. وأعلن المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، أنه "في حال لم يخرج هؤلاء الإرهابيين (الوحدات الكردية) من منبج، فإننا سندخلها ونواصل طريقنا نحو شرق نهر الفرات". وفي حديث لقناة "سي إن إن" التركية، ورداً على سؤال حول ما إذا أعطت تركيا مهلة للولايات المتحدة من أجل "انسحاب الإرهابيين" من مدينة منبج، نفى بوزداغ إعطاء مهلة ذات تاريخ محدد للأميركيين. وأعرب عن عدم رغبة بلاده في الاصطدام مع الولايات المتحدة في سورية، لكنه أضاف: "إذا ارتدى جنود أميركيون زيّ الإرهابيين أو كانوا بينهم في حال وقوع هجوم ضد الجيش، فلن تكون هناك أي فرصة للتمييز" بينهم وبين المقاتلين الأكراد. وتابع "إذا وقفوا ضدنا بمثل هذا الزي فسنعتبرهم إرهابيين".
وفي السياق، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن أن بلاده ليس لديها أي نية لاحتلال أي جزء من سورية، نافياً وجود اتفاق بين أنقرة وموسكو بشأن عملية عفرين. وفي مؤتمر صحافي في إسطنبول السبت، قال قالن: "ليس هناك أي اتفاق مع روسيا يقضي بتسليم إدلب لهم، مقابل استلامنا عفرين".

ذات صلة

الصورة
الهلال الأحمر القطري يفتتح قريتين سكنيتين شمال غرب سورية، 18 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل منظمة الهلال الأحمر القطري العمل في الإسكان الإنساني في مناطق شمال غربي سورية، حيث افتتحت قريتين في منطقة كفر جالس غربي مدينة إدلب.
الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
معاناة النازحين في سورية، 12 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواجه عائلة علي إدريس واقعاً قاسياً في ظل الفقر المدقع الذي تعيشه، ذلك بعد نزوحها من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب جنوبي سورية قبل خمسة أعوام