يسعى النظام السوري إلى التعويض عن الفشل، الذي لاحق قواته في معركة ريف حماة الشمالي، عبر نقل المعركة إلى مكانٍ آخر، فبعد أن هدأت وتيرة المعارك بعد أسبوع من انطلاقتها هناك، وتكبّد النظام خلالها خسائر مادية وبشرية كبيرة، يبدو أن قواته بدأت منذ صباح أمس، الخميس، نقل ثقل عملياتها العسكرية إلى ريف حمص الشمالي، مدعومة، كحال المعارك في حماة، بعشرات الغارات التي ينفذها الطيران الحربي الروسي، والتي حصدت أرواح مدنيين سوريين جدد.
قبل أن تحلّ الساعة السابعة من صباح الخميس بدقائق، استفاق أهالي قرية تيرمعلة، في ريف حمص الشمالي، على وقع انفجارٍ هائل، تبيّن لاحقاً أنه غارة من الطيران الروسي استهدفت وسط القرية، كما شهدت بلدات مجاورة هجمات مماثلة، أدت لسقوط قتلى وجرحى.
في هذا الصدد، يشير الناشط الإعلامي أحمد الضحيك، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الطيران الروسي شن غارة استهدفت مخبز قرية تيرمعلة، بجانب جامع النور وقرب بناء يؤوي نازحين، مما أدى إلى سقوط ثمانية قتلى من المدنيين، فضلاً عن إصابة عدد آخر بجروح".
وكان تخوّف الناشطين والسكان هناك من بدء النظام لحملة عسكرية في محله، بعد أن منحته الطائرات الروسية غطاءً جوياً كاملاً، إذ لم تكن قد مضت ثلاث ساعات على الهجوم الصباحي، حتى أعلن النظام عبر وكالة "سانا" الرسمية، بأن "قواتنا المسلحة بدأت عملية عسكرية في ريف حمص الشمالي والشمالي الشرقي، بعد توجيه ضربات جوية مركزة وتمهيد مدفعي كثيف على تجمعات ومقرات التنظيمات الإرهابية، بهدف إعادة الأمن والاستقرار إلى القرى والبلدات في المنطقة".
اقرأ أيضاً "فوكس نيوز": جنود كوبيون توجهوا لسورية لدعم نظام الأسد
كما حاولت "سانا" الالتفاف على الأخبار، التي أكدت سقوط قتلى مدنيين بالغارات الروسية، متحدثة عن أن "تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، ارتكب مجزرة بحق المدنيين في ساحة تيرمعلة، القريبة من جامع البلدة بريف حمص الشمالي، بغية اتهام الجيش السوري والطيران الروسي باستهداف المدنيين".
ولم تذكر الوكالة أية تفاصيل إضافية تحدد فيها طبيعة ما جرى، مكتفية بالنقل عن "مصدر عسكري"، بأن "وزارة الدفاع السورية تؤكد أن الجيش العربي السوري والطيران الروسي، لا يستهدفان المناطق التي يتواجد فيها المدنيون، وتُحمّل جبهة النصرة وشركاءها من الإرهابيين المسؤولية الكاملة عن ذلك".
وحول مجرى الاشتباكات، يؤكد الناشط الإعلامي محمد الحميد لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام والمليشيات الأجنبية التي تسانده، بدأت بمهاجمة بعض المناطق المحررة"، لافتاً إلى أن "المعارك انطلقت جنوب الريف الشمالي من غرب الكلية الحربية على محاور سنيسل وجوالك والمحطة، ومن الخالدية (قرب الدار الكبيرة) شرق الكلية الحربية".
ويشير الحميد المتواجد في حمص، إلى أن "قوات النظام المتمركزة في الكلية الحربية (تقع على أطراف حي الوعر) أطلقت صواريخ أرض ـ أرض عدة باتجاه مناطق الريف الشمالي، وكذلك فإن راجمات صواريخ هناك استهدفت خط الجبهة بكثافة، إذ تُعتبر الكلية الحربية أهم مراكز القصف المدفعي تجاه الريف الشمالي، ضمن الحملة العسكرية لقوات النظام عليه".
ويذكر الحميد أن "مقاتلي غرفة عمليات ريف حمص الشمالي دمّروا ثلاث دبابات لقوات النظام على جبهة الكم قرب الغنطو". ويشدد على أن "كل فصائل الريف الشمالي تشارك في صدّ الحملة الشرسة"، التي يبدو أن النظام حشد لها منذ أسابيع، تحديداً مع بدء الغارات الروسية، إذ إنها استُهلّت منذ اليوم الأول لها في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بقصف بلدات تلبيسة والرستن والزعفرانة، بريف حمص الشمالي، الذي تدور فيه رحى المعارك حالياً. وكانت فصائل في المعارضة قد أعلنت في الرابع من هذا الشهر، تشكيلها لغرفة عمليات عسكرية مشتركة في المنطقة.
ويبدو واضحاً بأن النظام يسعى، عبر العملية العسكرية التي تحدث عنها بريف حمص الشمالي، إلى تأمين تلك المواقع، وربطها بين مناطق سيطرته بمدينة حمص ومحيطها القريب، بمركز محافظة حماة وريفها الجنوبي، كون سيطرة المعارضة على ريف حمص الشمالي تحول دون ذلك.
عموماً فإنه من المتوقع أن يركز النظام في الحملة العسكرية، التي تشاركه فيها مليشيات محلية وأجنبية، على فتح المحور الذي يصل حمص بحماة، لكن ذلك لا يبدو سهلاً، كونه يحتاج لإحكام قبضته على خط طولي من شمال حمص حتى جنوب حماة، يبلغ نحو 20 كيلومتراً، بداية من مناطق الدار الكبيرة وتيرمعلة والغنطو، مروراً بالزعفرانة وتلبيسة، ثم الرستن. وكلها مناطق تسيطر عليها المعارضة، ولا يوجد للنظام فيها أية حاضنة شعبية، إذ إن حاضنته الشعبية في حمص، تتركز في بعض أحياء المدينة (الزهراء، ووادي الذهب، وعكرمة) وكذلك في بعض مناطق الريفين الشرقي والغربي.
وتتوزع السيطرة في محافظة حمص، بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بالريف الشمالي، فيما تخضع المدينة بالكامل (باستثناء حي الوعر)، ومحيطها القريب من الشرق والغرب والجنوب للنظام، بينما يُحكم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) سيطرته على مساحات واسعة بالريف الشرقي، بدءاً من بعض المناطق الواقعة غربي تدمر مروراً بتدمر ثم السخنة، وصولاً إلى مناطق سيطرته في دير الزور. وأقرب نقطة، بين هذه المواقع، تبعد عن ميدان المعارك الدائرة الآن شمالي حمص، بأكثر من 120 كيلومتراً، لكنّ للتنظيم تواجداً في ريف حماة الشرقي، الذي يبعد أقل من 60 كيلومتراً إلى الشرق من ريف حمص الشمالي.
اقرأ أيضاً: حرب إيران في سورية تلتهم ضباط الحرس الثوري