وأعلن عدد من الخبراء لـ"العربي الجديد" أن حجم تراجع الصادرات النفطية، يتجاوز 300 ألف برميل يومياً.
وشدد هؤلاء على أنّ توقّف عمل مصفاة بيجي أدى الى تراجع حاد في حجم المحروقات المطروحة في السوق العراقية، ما ينذر باستيراد هذه المواد، وزيادة الخلل في الوضع المالي العراقي.
النفط تحت تهديد أكيد
وكانت الاشتباكات المسلحة، والمعارك الدائرة بالقرب من مصفاة بيجي، قد أدت إلى توقف عمل المصفاة كلياً عن العمل، في حين سيطرت قوات البشمركة الكردية، نهاية الأسبوع الماضي على حقلين نفطيين قرب كركوك.
وقال الخبير النفطي العراقي، حسين علاوي لـ"العربي الجديد" أن حقول الكركوك تنتج 600 ألف برميل يومياً، وتصدر منها حوالي 300 الى 400 ألف برميل. ولفت الى أن تراجع الصادرات النفطية لا يزال يتعرض لتكتم شديد من قبل الحكومة.
ومن جهة أخرى، لفت علاوي الى أن التوقف شبه الكلي لمصفاة بيجي، الذي كان قد أدى الى وقف تصدير الطاقة، اضافة الى تراجع حاد في كمية المحروقات (بنزين وديزل) في المناطق الوسطى العراقية وفي كردستان العراق.. هذا الواقع ادى الى أزمة فعلية تعم السوق المحلية.
وشرح علاوي، أنه في 2006 و2008 قام العراق بتشغيل المصافي المتحركة التي تكرر 10 آلاف برميل من النفط، ومن الممكن اعادة استخدامها، لتلبية حاجة السوق المحلية.
وشرح علاوي أن منظمة أوبك تواجه تراجعاً في الانتاج بين 60 الى 90 ألف برميل، بسبب الوضع في ليبيا وايران، اضافة الى تراجع الصادرات العراقية.
وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تحاول التأكيد على أن الحقول النفطية في جنوب العراق لا تزال على حالها ولم تشهد اي تراجع في الانتاج أو التصدير، إلا أن علاوي أكد على تراجع الصادرات الى 2.1 مليون برميل يومياً.
بل ويشير الى أن هذه الحقول مهددة هي الأخرى، نتيجة هروب العاملين الأجانب من الشركات الأجنبية المشغلة للحقول. وفي ظل عدم وجود يد متخصصة عراقية قادرة على تسلم المهام المطلوبة، فإن الانتاج كما التصدير يواجه تحدي البقاء.
ولفت علاوي إلى أن المخاطر على الحقول الجنوبية تأتي أيضاً من التغيرات المناخية، إذ إن زيادة المد والجذر أدت الى التأثير على ناقلات النفط، ما يعني أن الحقول تصبح ملزمة بخفض الانتاج.
ومن ناحية أخرى، تبقى المخاوف على الصادرات النفطية العراقية قائمة، في ظل المفاوضات الايرانية الغربية حول الملف النفطي، وتهديد ايران بغلق مضيق هرمز.
النفط خارج السيطرة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن ابراهيم لـ"العربي الجديد" إن "العراق يتعرض الى هزات اقتصادية كبيرة بسبب الاوضاع الامنية التي يشهدها منذ 10 يونيو/حزيران باجتياح التنظيمات المسلحة مدينة الموصل. وان ارتداد هذه الهزات لم يتضح بشكل واسع حالياً، لأن آثارها في الوقت الحالي طفيفة".
وأكد ابراهيم ان موازنة عام 2014 التي لم يتم قراءتها لغاية الآن، ستشهد عجزاً اضافياً عن السابق بسبب زيادة النفقات على التسلح والخلافات مع كردستان بشأن تصدير النفط، اضافة الى سيطرة قوات اقليم كردستان (البشمركة) على حقول نفط كركوك، وانتشار المسلحين من تنظيمات داعش في المناطق التي تتواجد فيها انابيب النفط المصدرة.
وحسب الخبير الاقتصادي العراقي فإن البشمركة بسيطرتها على مجمعين نفطيين منتجين مهمين في محافظة كركوك (حقلي كركوك وباي حسن)، ستؤثر في الانتاج النفطي العراقي وعائداته، حيث سيخسر العراق نحو ملياري و500 مليون دولار شهرياً جراء توقف تصدير النفط الشمالي من كركوك إلى جيهان التركي والبالغ حوالي 400 الف برميل يومياً.
وأضاف أن أغلب الأنابيب النفطية في المنطقة الغربية للعراق (الانبار وصلاح الدين ونينوى) أصبحت خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية، وباتت تحت سيطرة الجماعات المسلحة، التي بدأت عمليات تهريب النفط بكميات كبيرة تصل مبالغها الى مليون دولار يومياً، اضافة الى استيلائها على الخزانات في الموصل والتي تضم ملايين الليترات المخصصة للمحافظة.
ويبلغ احتياطي حقل كركوك 25 بليوناً من اصل احتياطي النفط العراقي الذي يقدر بـ150 بليون برميل.
وتابع ابراهيم انه، كما هو معروف وحسب الموازنات السابقة، فإن العراق يعتمد بنسبة 95 في المئة على مبيعات النفط، أي انه يتأثر بتقلبات اسعار البترول في الاسواق العالمية.
وأضاف قائلا "قبل ازمة الموصل، توقعت المؤشرات الاقتصادية أن عجز موازنة العراق بات يهدد قطاع النفط، حيث قد يصل العجز الى 50 مليار دولار وسيعرض البلاد للإفلاس في عام 2017، وسيكون العراق عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه، حيث اقتطع العراق بسبب العجز 15 في المئة من الموازنة المخصصة للاستثمارات النفطية في عام 2014، الأمر الذي ساهم في خفض الصادرات العراقية من 2.62 مليون برميل في اليوم إلى 2.28 مليون برميل".
وبالتزامن مع الاحداث فإن شركات النفط العملاقة باتت غير قادرة على التعامل مع البيئة المضطربة للاقتصاد العراقي، ما يهدد بانسحابها منه.
وكان العراق يأمل ان تصل صادراته خلال السنوات المقبلة الى 659 ملياراً و281 مليون دولار اي بحدود 768 ملياراً و721 مليون دينار حتى عام 2017.
التأثير على الاقتصاد
وبما أن الاقتصاد العراقي يقوم بشكل كبير على ايرادات النفط، فإن المخاوف على الوضع المالي العراقي وصلت الى حدود القلق الكبير.
وقال رئيس لجنة هيئة العدالة والمساءلة في مجلس النواب العراقي، قيس الشذر، لـ"العربي الجديد" ان "الاقتصاد العراقي يقوم على الريع، أي على الصادرات النفطية. وأن ايرادات النفط تمول بعض الخطط المتواضعة للتنمية، خطط يشوبها الكثير من الثغر والنفقات غير المجدية" مؤكداً تراجع الصادرات النفطية، وايرادات الموازنة منها.
ويشرح الشذر، أن هذا النمط الاقتصادي اكثر عرضة للأزمات والتقلبات، "إذ ليس لدينا بنية اقتصادية تعتمد على الانتاج وعلى دورة اقتصادية صحيحة. لذلك، اي هزة أمنية تؤثر على النفط وتؤثر مباشرة على الاقتصاد العراقي برمته".
وقال الشذر إن تأثير سوء الادارة وتراجع الصادرات والايرادات النفطية، ينعكس مباشرة على المواطن العراقي. "فقد كان المواطن يتمتع بدرجة أمان نسبية، من خلال بطاقة تموينية كانت تؤمن له حوالي 24 سلعة حياتية شهرياً، إلا أن هذه البطاقة لم تعد تغطي سوى 4 سلع، ولا تصل الى المواطن بشكل دوري".
وأكد الشذر أن تراجع ايرادات الموازنة، وزيادة الأزمة الاجتماعية، ونمو الفقر والبطالة، مؤشرات تثير القلق بشكل دائم في الشارع العراقي.
الانعكاس على النفط العالمي
بطبيعة الحال، تؤثر الأزمة العراقية على السوق النفطية العالمية. إلا أنه حتى الآن، لم تتعرض هذه السوق الى صدمة ضخمة، ولا تزال الاسعار تشهد انخفاضات محدودة.
وانخفض خام برنت صوب 106 دولارات للبرميل، اليوم الثلاثاء بعدما هدأت المخاوف إزاء التوترات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا رغم دعم المخاطر السياسية الجغرافية للأسعار في الوقت الحالي.
وتوقع متحدث باسم شركة "طوكيو ميتسوبيشي كورب"، طوني نونان، أن "يظل القلق في السوق إزاء العراق وليبيا. لا اعتقد اننا تجاوزنا مرحلة الخطر بأي شكل من الاشكال".
وتابع نونان ان برنت سيرتفع من جديد عند أي مؤشر إلى تعرض الامدادات من العراق لأي خطر.