19 سبتمبر 2022
النكبة.. متى يخاطب العرب العالم؟
تمرّ ذكرى مرور سبعين سنة على النكبة الفلسطينية وتأسيس إسرائيل، وهي كيان مثير للجدل في تاريخ العالم. ووجوده غير مشروع أبداً، ولم يفسّره للعالم إلاّ الصهاينة، إذ تغيب الرؤية العربية في العالم، فأغلب المسردات العالمية مستندة إلى الرؤية الصهيونية، وخصوصاً عن تأسيس كيان غير شرعي، أقنعوا العالم بوجوده. ومن يقرأ دراسة جوناثان أدلمان وإجابته على سؤال: كيف اكتسبت إسرائيل معيار القوة للتغلّب على العقبات الكبيرة، والتحدّيات التاريخية التي تمكنّت من اكتساحها، يجد أنها فرضت نفسها على العالم بنشر رؤيتها وحدها على حساب حقوق شعب كامل، وانتزاعه من أرضه، والسيطرة على ممتلكاته التاريخية بلا وجه حق، كي تعدّ إسرائيل تأسيسها انتصاراً، في حين اعتبره العرب "نكبة" تاريخية لهم.
العالم بحاجة لمعرفة الرؤية العربية لهذه القضية، قبل بقاء العرب يحادثون أنفسهم ويحاورونها عن قضيتهم. وعليهم، في الحاضر والآتي، أن يقدمّوا منظوراً قوياً جديداً ورؤية موحّدة عن تاريخ صهيوني بشع، وتوضيح حقوقهم التاريخية على أرضهم منذ مئات السنين، ونقد الحجج والمبرّرات الصهيونية، ودحضها بحيثياتٍ ومعلوماتٍ دامغة، بعيداً عن الأوصاف الأيدولوجية المشحونة بالإنشائيات والانفعالات والاجترارات، وأن تجري حواراتٌ تصيب أهدافها باستنادها إلى وثائق وصور مقارنة لما يعرضه الخصم على العالم. فهم العالم كيفية نشأة إسرائيل، وهي دولة مركزية في المنطقة، يساعد على شرح كثير من المبهم عن الشرق الأوسط ومشكلاته اليوم.
ثقافتنا العربية المعاصرة مطالبة أيضاً بالبحث الجدّي عن دراسة (ونقد) ما كتبه العالم من مسرداتٍ تخصّ نشأة إسرائيل، ونموّها الصهيوني المضاد لحركة التاريخ، ودحض ليس المؤسسة الأكاديمية لإسرائيل، بل تصويب كلّ المعلومات المزيّفة التي نشرتها، والأساطير التي روّجتها ولم تزل، وخرافات اندثرت كغيرها. وعلى ثقافتنا أن تقدّم رؤيتها بالانكليزية ولغات حيوية أخرى في نقد ما تروّجه إسرائيل عالمياً من تزييفات وأكاذيب وتدليسات، ليس في العبرية، وهي لغة شبه ميتة، بل بكلّ اللغات الحيوية في العالم. الإسرائيليون حريصون جداً على هذا الجانب الذي خدعوا العالم به، سواء في مؤسسات وموسوعات ومراكز بحوث وجامعات في العالم، بحيث هيمنت الرؤية المضادة للعرب منذ 1948على تاريخ تأسيس إسرائيل في الشرق الأوسط الحديث.
إننا مطالبون بعد مرور سبعين سنة على النكبة بتطوير وجهة نظر عربية جديدة بشأن كيفية ولادة إسرائيل، وجنايتها التاريخية في القرن العشرين. سيكون فهم العالم ذلك بمثابة الرد الحاسم للذين يريدون أن يفهموا كيف تغلبّت الدولة اليهودية على العرب في سياساتها البشعة. وتأسيس إسرائيل يعدّ حالة شاذةً، مقارنة بتأسيس دول معاصرة أخرى. ومن يقرأ سبعين سنة من حياة إسرائيل يجدها كياناً غير شرعي وغير تاريخي وغير أخلاقي، بممارستها كلّ الوسائل اللاأخلاقية في بناء نفسها، بعد أن استلبت الأرض من أصحابها الشرعيين أولاً، وقامت بتهجير الفلسطينيين عن وطنهم ثانياً، وعانى عرب الداخل من إسرائيل طويلاً ثالثاً، أولئك الذين اقترن اسمهم بتاريخ النكبة، فأسموهم عرب 1948، ناهيكم عن ملايين المشرّدين الفلسطينيين في الشتات رابعاً.
وعليه، من يريد أن يفهم كيف ولدت إسرائيل وعاشت، فإن لها قصة معقدة جداً على الدنيا أن تعرفها، وتدركها من خلال الحجج العربية المضادة للصهيونية، واغتصاب فلسطين، وعلى من يمتلك تلك الحجج، توفيرها للقرّاء المبتدئين في معرفة حقوق الفلسطينيين المستلبة وإجهاض حقوقهم وسط الصراع في الشرق الأوسط. علينا أن نتدارس الصورة السيئة جداً التي رسموها في العالم، وخصوصاً عن علاقة المسلمين والمسيحيين العرب باليهود، ولنأخذ مثلاً ما حُكي عن علاقة المسلمين الأوائل باليهود في الجزيرة العربية، وما كُتب من سيئاتٍ نُسبت إلى نبي الاسلام تجاههم من دون ذكر ما فعله الكهّان اليهود به وبأصحابه، ومن ثّم مروراً بالأمويين والعباسيين والفاطميين، علماً أنّ تعايشاً اجتماعياً ممتازاً قد حظي به اليهود لدى الأمويين، وخصوصاً في الأندلس وعند العباسيين، وصولاً إلى العثمانيين. ومجرّد مقارنة تاريخية لحياة اليهود المكفهرة في أوروبا عن حياتهم التعايشية في الشرق الأوسط على امتداد قرون طوال، ستوضّح حقائق جديدة تدحض الرؤية الصهيونية الماكرة.
صحيح أن العالم تعاطف مع اليهود وأحداث الهولوكست النازي ضدهم في أوروبا، ولكن التاريخ الموسوعي العالمي لم ينصف العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، مقارنة بأحداث الهولوكست الصهيوني ضد الفلسطينيين. وإذا كان الهولوكست النازي استمر فترة قصيرة جداً، فإن الهولوكست الصهيوني مستمرٌّ منذ سبعين عاماً.. صحيحٌ أن ثمّة تواريخ موسوعية ممالئة لليهود الصهاينة في تأسيسهم إسرائيل، لكن تواريخ موسوعية أخرى تقف ضدهم وضد تواريخ مؤسساتهم الإرهابية وعملياتهم ضد العرب. وإذا كان تبرير قيام إسرائيل استند إلى ألفي سنة مضت، فإن كل دول العالم القديم زالت وانقرضت، فلا مشروعية لقيام إسرائيل، كون شعبها قد انقرض، ولولا الحركة الصهيونية لما راجت هذه الأسطورة على حد موقف المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي. وعليه، فإن مصير إسرائيل اليوم سائر إلى الزوال.
تتضّح الصورة جليةً الآن كم راهنت إسرائيل على خطابها للعالم منذ عقود طوال من السنين، وهو الأهم عندها.. كما يتضح دور اليهود في تكريس ما أرادوا تعميمه على العالم من معلومات، وأنهم لم يسمحوا أبداً بالحقائق التي يعرضها العرب، ورؤيتهم لقضيتهم التي شغلت العالم في القرن العشرين. هذا العالم بحاجة ماسّة إلى الرؤية العربية الموّحدة والدراسات النقدية العربية لخطاب إسرائيل، وفضح مواقفها ودراسة مواطن الخلل في معلوماتها من خلال نقد أعمال مؤرخيها ومفكريها..
وعلى الرغم من جهود مشكورة قدمتها نخبة عربية (أغلبهم من المختصين والمفكرين والمؤرخين الفلسطينيين) في طرح الحقوق العربية التي سلبها الصهاينة، إلا أن الضرورة باتت ماسة لتعزيز خطاب عربي علمي يوّجه باللغات الأساسية الحية إلى العالم.. وأن تقوم مراكز بحوث عربية لدرس (ونقد) ما ينتج عالمياً عن مختلف قضايا العرب، وخصوصاً قضيتهم المركزية الفلسطينية، ونشرها، مطالبين بالتحقق منها موضوعياً من دون الوقوف على ما أنتجه الخطاب العربي فقط، وقد تغلبت الأيديولوجيا فيه على المعرفة. وكم أتمنى أن يتصدّى أي سفير عربي لمؤرخ صهيوني ليفحمه أمام العالم. وأخيراً، أخاطب ذوي الشأن العرب الالتفات لطرح قضيتهم على العالم، إذ كفاهم يحاور أحدهم الآخر معنى النكبة.
العالم بحاجة لمعرفة الرؤية العربية لهذه القضية، قبل بقاء العرب يحادثون أنفسهم ويحاورونها عن قضيتهم. وعليهم، في الحاضر والآتي، أن يقدمّوا منظوراً قوياً جديداً ورؤية موحّدة عن تاريخ صهيوني بشع، وتوضيح حقوقهم التاريخية على أرضهم منذ مئات السنين، ونقد الحجج والمبرّرات الصهيونية، ودحضها بحيثياتٍ ومعلوماتٍ دامغة، بعيداً عن الأوصاف الأيدولوجية المشحونة بالإنشائيات والانفعالات والاجترارات، وأن تجري حواراتٌ تصيب أهدافها باستنادها إلى وثائق وصور مقارنة لما يعرضه الخصم على العالم. فهم العالم كيفية نشأة إسرائيل، وهي دولة مركزية في المنطقة، يساعد على شرح كثير من المبهم عن الشرق الأوسط ومشكلاته اليوم.
ثقافتنا العربية المعاصرة مطالبة أيضاً بالبحث الجدّي عن دراسة (ونقد) ما كتبه العالم من مسرداتٍ تخصّ نشأة إسرائيل، ونموّها الصهيوني المضاد لحركة التاريخ، ودحض ليس المؤسسة الأكاديمية لإسرائيل، بل تصويب كلّ المعلومات المزيّفة التي نشرتها، والأساطير التي روّجتها ولم تزل، وخرافات اندثرت كغيرها. وعلى ثقافتنا أن تقدّم رؤيتها بالانكليزية ولغات حيوية أخرى في نقد ما تروّجه إسرائيل عالمياً من تزييفات وأكاذيب وتدليسات، ليس في العبرية، وهي لغة شبه ميتة، بل بكلّ اللغات الحيوية في العالم. الإسرائيليون حريصون جداً على هذا الجانب الذي خدعوا العالم به، سواء في مؤسسات وموسوعات ومراكز بحوث وجامعات في العالم، بحيث هيمنت الرؤية المضادة للعرب منذ 1948على تاريخ تأسيس إسرائيل في الشرق الأوسط الحديث.
إننا مطالبون بعد مرور سبعين سنة على النكبة بتطوير وجهة نظر عربية جديدة بشأن كيفية ولادة إسرائيل، وجنايتها التاريخية في القرن العشرين. سيكون فهم العالم ذلك بمثابة الرد الحاسم للذين يريدون أن يفهموا كيف تغلبّت الدولة اليهودية على العرب في سياساتها البشعة. وتأسيس إسرائيل يعدّ حالة شاذةً، مقارنة بتأسيس دول معاصرة أخرى. ومن يقرأ سبعين سنة من حياة إسرائيل يجدها كياناً غير شرعي وغير تاريخي وغير أخلاقي، بممارستها كلّ الوسائل اللاأخلاقية في بناء نفسها، بعد أن استلبت الأرض من أصحابها الشرعيين أولاً، وقامت بتهجير الفلسطينيين عن وطنهم ثانياً، وعانى عرب الداخل من إسرائيل طويلاً ثالثاً، أولئك الذين اقترن اسمهم بتاريخ النكبة، فأسموهم عرب 1948، ناهيكم عن ملايين المشرّدين الفلسطينيين في الشتات رابعاً.
وعليه، من يريد أن يفهم كيف ولدت إسرائيل وعاشت، فإن لها قصة معقدة جداً على الدنيا أن تعرفها، وتدركها من خلال الحجج العربية المضادة للصهيونية، واغتصاب فلسطين، وعلى من يمتلك تلك الحجج، توفيرها للقرّاء المبتدئين في معرفة حقوق الفلسطينيين المستلبة وإجهاض حقوقهم وسط الصراع في الشرق الأوسط. علينا أن نتدارس الصورة السيئة جداً التي رسموها في العالم، وخصوصاً عن علاقة المسلمين والمسيحيين العرب باليهود، ولنأخذ مثلاً ما حُكي عن علاقة المسلمين الأوائل باليهود في الجزيرة العربية، وما كُتب من سيئاتٍ نُسبت إلى نبي الاسلام تجاههم من دون ذكر ما فعله الكهّان اليهود به وبأصحابه، ومن ثّم مروراً بالأمويين والعباسيين والفاطميين، علماً أنّ تعايشاً اجتماعياً ممتازاً قد حظي به اليهود لدى الأمويين، وخصوصاً في الأندلس وعند العباسيين، وصولاً إلى العثمانيين. ومجرّد مقارنة تاريخية لحياة اليهود المكفهرة في أوروبا عن حياتهم التعايشية في الشرق الأوسط على امتداد قرون طوال، ستوضّح حقائق جديدة تدحض الرؤية الصهيونية الماكرة.
صحيح أن العالم تعاطف مع اليهود وأحداث الهولوكست النازي ضدهم في أوروبا، ولكن التاريخ الموسوعي العالمي لم ينصف العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، مقارنة بأحداث الهولوكست الصهيوني ضد الفلسطينيين. وإذا كان الهولوكست النازي استمر فترة قصيرة جداً، فإن الهولوكست الصهيوني مستمرٌّ منذ سبعين عاماً.. صحيحٌ أن ثمّة تواريخ موسوعية ممالئة لليهود الصهاينة في تأسيسهم إسرائيل، لكن تواريخ موسوعية أخرى تقف ضدهم وضد تواريخ مؤسساتهم الإرهابية وعملياتهم ضد العرب. وإذا كان تبرير قيام إسرائيل استند إلى ألفي سنة مضت، فإن كل دول العالم القديم زالت وانقرضت، فلا مشروعية لقيام إسرائيل، كون شعبها قد انقرض، ولولا الحركة الصهيونية لما راجت هذه الأسطورة على حد موقف المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي. وعليه، فإن مصير إسرائيل اليوم سائر إلى الزوال.
تتضّح الصورة جليةً الآن كم راهنت إسرائيل على خطابها للعالم منذ عقود طوال من السنين، وهو الأهم عندها.. كما يتضح دور اليهود في تكريس ما أرادوا تعميمه على العالم من معلومات، وأنهم لم يسمحوا أبداً بالحقائق التي يعرضها العرب، ورؤيتهم لقضيتهم التي شغلت العالم في القرن العشرين. هذا العالم بحاجة ماسّة إلى الرؤية العربية الموّحدة والدراسات النقدية العربية لخطاب إسرائيل، وفضح مواقفها ودراسة مواطن الخلل في معلوماتها من خلال نقد أعمال مؤرخيها ومفكريها..
وعلى الرغم من جهود مشكورة قدمتها نخبة عربية (أغلبهم من المختصين والمفكرين والمؤرخين الفلسطينيين) في طرح الحقوق العربية التي سلبها الصهاينة، إلا أن الضرورة باتت ماسة لتعزيز خطاب عربي علمي يوّجه باللغات الأساسية الحية إلى العالم.. وأن تقوم مراكز بحوث عربية لدرس (ونقد) ما ينتج عالمياً عن مختلف قضايا العرب، وخصوصاً قضيتهم المركزية الفلسطينية، ونشرها، مطالبين بالتحقق منها موضوعياً من دون الوقوف على ما أنتجه الخطاب العربي فقط، وقد تغلبت الأيديولوجيا فيه على المعرفة. وكم أتمنى أن يتصدّى أي سفير عربي لمؤرخ صهيوني ليفحمه أمام العالم. وأخيراً، أخاطب ذوي الشأن العرب الالتفات لطرح قضيتهم على العالم، إذ كفاهم يحاور أحدهم الآخر معنى النكبة.