انقلب أعضاء مجلس النواب الأردني اليوم على رئيس المجلس عاطف الطراونة، والذي يجلس تحت قبة البرلمان منذ 18 عاماً بوصفه نائباً، قضى منها 7 أعوام رئيساً للمجلس، وآخرها عندما فاز قبل عامين برئاسة المجلس الثامن عشر من الجولة الأولى، بعد حصوله على غالبية أصوات المجلس.
ووقّع 85 نائباً اليوم الأحد، بياناً هاجموا فيه الطراونة، في اصطفاف واضح إلى جانب السلطة التنفيذية، واتهموه باستعمال منبر رئاسة مجلس النواب لأمور خاصة به وبأسرته، والبحث في قضايا ليست موجودة في المجلس، بل منظورة أمام القضاء، ولا يسمح النظام الداخلي للمجلس بتناولها.
وجاء الموقف النيابي في ظل تداعيات قضية توقيف شقيق رئيس المجلس ونقيب المقاولين الأردنيين السابق أحمد الطراونة في مركز تأهيل وإصلاح الجويدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، على خلفيّة "مخالفات في عطاء الجزء الثاني من مشروع السلط الدائري"، وفق مصدر في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
جاء الموقف النيابي بعد اتهام رئيس مجلس النواب الحكومة باستهداف أسرته، إثر توقيف أحد أفرادها في قضية فساد
وثارت أركان الدولة الأردنية بعد اتهام رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، في بيان الأحد الماضي، الحكومة بـ"استهداف أسرته والتغول على السلطة القضائية"، قائلاً إن "ما يجري يُعد سابقة خطيرة ويتجاوز شرف الخصومة السياسية، وصولاً لتشويه معيب لأسرة رئيس مجلس النواب"، معتبراً أن الخطوة الأخيرة برهنت على أن ما يجري "تغطية لأخطاء الفساد الإداري بالحكومات المتعاقبة عبر اتهامات منظمة دون مسوّغ قانوني". مضيفاً أن "الكرة الآن في مرمى الرأي العام".
وفي مواجهة ذلك أصدر النواب الأردنيون اليوم بياناً عقب اجتماع تداعوا له منذ يوم أمس في منزل النائب مجحم الصقور واستهجنوا فيه ما وصفوه باستخدام منبر الرئاسة، وتشويه صورة مؤسسة البرلمان عبر الحديث عن استهداف مبرمج لرئيس المجلس وأسرته.
واستغرب الموقّعون، ذكر بيان رئيس المجلس بأن الكرة في ملعب الرأي العام بدل أن يقول وفقهم "إنها في محراب العدالة وأمام الجهات القضائية المختصة من خلال سيادة القانون التي نادى بها المجلس ورئيسه منذ سبع سنوات، مؤكدين أن هذا المنطق هو الذي يمثلهم".
ورحب البيان بما وصفه بالإجراءات الحكومية في مواجهة الفساد، مشيراً إلى مطالب نيابية قبل إقرار قانون ضريبة الدخل وبعده بإيجاد آلية حكومية للحد من انتشار ظاهرة التهرّب الضريبي، فضلاً عن المطالب النيابية المتكررة لمواجهة قوى الفساد وكشفه في كل مكان من أجهزة الدولة.
رحّب البيان بالإجراءات الحكومية في مواجهة الفساد، وطالب بكشفه في كل مكان من أجهزة الدولة
وفي نقد مباشر للطراونة تابع البيان، "ولمّا يمسّ الإجراءُ من يهمنا أمره، تقوم القيامة ولا تقعد، متهمة الدولة باختيار شخص أو قضية بعينها لأسباب سياسية"، مضيفاً أن القضاء صاحب الكلمة الفصل في البراءة أو الإدانة، أما الخشية من الذهاب إلى القضاء فتعني انفلات الأمور والعودة إلى منطق شريعة الغاب.
خسر اليوم الطراونة مكانته السياسية، فهو في معركة شرسة مع المرجعيات الرئيسة في الدولة ومع الحكومة، وهناك إدانة شديدة اللهجة من الزملاء النواب الذين انقلبوا عليه، وفي بداية العام الحالي خسر المواطنين الأردنيين، عندما قال جملته الأشهر "مش شغلك يا مواطن"، وهي عبارة أطلقها رداً على مداخلة لأحد المواطنين من شرفة مجلس النواب عندما كان المجلس يناقش أحد القوانين فجاء الرد عليه بهذه العبارة الشهيرة، والتي تلقّفها المواطنون وأصبحت عبارة للتندر تارة وللسخرية تارة أخرى.
الطراونة هو الأكثر معرفة بمكنونات عبارته "مش شغلك يا مواطن"، وهو العالم بكل خبايا الدولة الأردنية وأسرارها من خلال موقعه على رأس مجلس النواب، الغرفة الأولى في مجلس الأمة. ولا يحظى الطراونة اليوم بتأييد شعبي كبير، خاصة أن الكثير من المواطنين يعتبرون رئيس مجلس النواب شريكاً رئيسياً للحكومة، وأحد الأدوات التي أوصلت البلاد إلى الوضع الصعب الحالي عندما كان يجلس على قمة هرم السلطة التشريعية التي مررت القوانين التي مسّت بالمواطنين في مجالي الحريات والأوضاع الاقتصادية.
يُذكر أن السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب غائبة تماماً عن المشهد السياسي، فقد صدرت الإرادة الملكية بفض الدورة العادية الرابعة والأخيرة لمجلس الأمة الثامن عشر في بداية شهر مايو/أيار الماضي. إلا أن الغياب الفعلي لمجلس النواب قد بدأ قبل ذلك بشهرين، حيث توقّفت جلساته بمجرد إعلان العمل بقانون الدفاع في شهر مارس/آذار الماضي. ولم يتمكّن المجلس من الاجتماع منذ ذلك التاريخ بحجة القيود التي فرضتها أوامر الدفاع على حرية الانتقال والتجمع، وينتظر الأردنيون حالياً الإعلان عن حلّ مجلس النواب بعد انتهاء مدته الدستورية والإعلان عن إجراء انتخابات نيابية لتشكيل المجلس التاسع عشر، والتي من المتوقع إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.