مرة جديدة يرمي نهر النيل أبناء القرى والبلدات المحيطة به في العراء. هو مشهد متكرر يتطلب تحضيرات حكومية وتعاوناً أهلياً على صعيد البنية التحتية والاستجابة للحالات الطارئة
مشهد واحد ظلّ يتكرر كلما تمرد النيل على السودانيين، وارتفع منسوب الأمطار. فيه تفترش آلاف الأسر العراء، بعد انهيار منازلها بفيضانات وسيول لا قدرة لها على ردّها.
مع بداية كلّ موسم خريف يحبس معظم السودانيين أنفاسهم، ويعيشون حالة رعب مع احتفاظ ذاكرتهم بتاريخ طويل من الخسائر. تتجدد ذكرى تدمير المنازل أو فقدان الأعزاء. هذا العام لا يشذّ عمّا سبق، فالسودانيون موعودون بتمرد عنيف للنيل، إذ سجل منسوب النيل الاثنين الماضي أعلى معدل له منذ مائة عام وفق ما أعلنت وزارة الري السودانية، التي توقعت أن يزداد ارتفاعه خلال الأيام المقبلة. وفي مواجهة ذلك، بثت الوزارة تحذيرات إلى الأسر القاطنة على الشريط النيلي باتخاذ ما أمكنهم من الحيطة. وقد سجل منسوب النيل الأزرق عند محطة "الدويم" على الحدود السودانية - الإثيوبية ارتفاعاً بلغ 12.25 متراً.
أحمد صالح سبعيني يقطن على ضفاف النيل بالقرب من أرضه الزراعية. عاصر تمرد النهر سنوات عدة من بينها فيضان العام 1988 الذي يمثل ذكرى مأساوية لكلّ من عاصره من السودانيين إذ هدم آلاف المنازل ومات مئات من السكان، واختبرت البلاد مجاعة.
الحال اليوم ليست أفضل بحسب صالح، فقد هدم منزله قبل ثلاثة أيام عندما غمرته مياه النيل غدراً، إذ ثار فجأة ولم يصمد المنزل المتواضع. بذلك، اضطر صالح لنقل أبنائه وأحفاده إلى الضفة المقابلة حيث افترشوا العراء، وتناثرت أغراضهم هنا وهناك في انتظار الفرج. يقول صالح لـ"العربي الجديد": "ليس في يدنا حلّ غير البقاء في الشارع وانتظار الفرج، فقد سلب النيل كلّ رزقنا وجهدنا، وخسرنا منزلنا ومعه زراعتنا التي غمرتها المياه وأفسدت محصول الأرض".
تواضعت آمال صالح، فأقصى أمنياته ألا تهطل الأمطار عليه وعلى عائلته وما معهم من أغراض في عرائهم. يقول إنّ خريف هذا العام هو الأسوأ مؤخراً: "عادة نتوقع أن يفيض النيل في الرابع من أغسطس/ آب، وعندما نتجاوز ذلك التاريخ نطمئن. هذا ما حصل خلال العام الجاري لكنّ النيل غدرنا وفاض بعد عشرة أيام على ذلك التاريخ".
حال صالح تماثلها أحوال آخرين، فهناك نحو خمس قرى في منطقة مستريحة بمدينة الخرطوم بحري، غمرتها مياه النيل تماماً، واضطر أهلها للخروج إلى الطرف الآخر في محاذاة الطريق الرئيسي.
اقــرأ أيضاً
الفوضى تعمّ المنطقة. الأثاث وأدوات المطبخ موزعة في العراء، يغطيها السكان بأغطية بلاستيكية خوفاً من المطر. في المقابل، يلهو أطفال تحت لهيب الشمس، والبعض يحاول أن يحتمي من أشعتها بتحويل الأسرّة إلى ما يشبه الخيم.
تقول فاطمة (30 عاماً) لـ"العربي الجديد": "لا مكان نذهب إليه حتى تعود المياه إلى النهر والمصارف، فنعود إلى بيوتنا ونرصد ما دمّر منها". تؤكد أنّهم لا يملكون حتى الخيم التي تقيهم الشمس والمطر: "نعيش مأساة حقيقية مع أطفالنا ولا أحد يساعدنا".
قي العام الماضي، تسبب فيضان النيل والأمطار في خسائر كبيرة إذ مات 76 شخصاً بحسب وزارة الداخلية، وتضررت آلاف المنازل بانهيار كامل أو جزئي في 13 ولاية من أصل 18 ولاية سودانية.
في المقابل، يقول مدير إدارة الإعلام في الدفاع المدني محمدين أبو القاسم لـ"العربي الجديد: "الاستعدادات لخريف هذا العام بدأت منذ وقت مبكر بعقد اجتماعات للمجلس القومي للدفاع المدني واللجان التنسيقية فضلاً عن منظمات المجتمع المدني". وفي هذا يرى أنّ منسوب النيل مرتفع هذا العام في الخرطوم والمقرن ومدني وسنار، لكنّه تسبب في بعض الخسائر الخفيفة فحسب "بفضل التدخل السريع للدفاع المدني وتعامله بصورة ممتازة".
أما في ما يتعلق بالمنازل المتضررة، المنازل على الشريط النيلي يشير أبو القاسم إلى عدم استجابة تلك الأسر لقرار المجلس القومي للدفاع المدني بالانتقال من مناطقها والتمسك بالبقاء فيها. يضيف: "حالياً نعمل على مساعدتهم، ولا مشاكل تعترض طريقنا، بل نعمل بشكل ممتاز". مع ذلك، يشير إلى "تواضع الإمكانات المتاحة للدفاع المدني، لكنّنا بالرغم من ذلك نتدخل في الوقت المناسب".
بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا" فإنّ هناك أكثر من 42 ألف شخص متضرر في ست ولايات سودانية من بينها الخرطوم بسبب الأمطار والسيول حتى الثالث عشر من الشهر الجاري. لكنّ مفوضية الشؤون الإنسانية السودانية لم تحدد حتى الآن الاحتياجات الدقيقة ومدى الاستجابة للمتضررين في ولايتي الخرطوم والجزيرة بل تشير إلى أنّها تتابع القضية كي تعمل لاحقاً على تحديد تلك الاحتياجات.
اقــرأ أيضاً
مشهد واحد ظلّ يتكرر كلما تمرد النيل على السودانيين، وارتفع منسوب الأمطار. فيه تفترش آلاف الأسر العراء، بعد انهيار منازلها بفيضانات وسيول لا قدرة لها على ردّها.
مع بداية كلّ موسم خريف يحبس معظم السودانيين أنفاسهم، ويعيشون حالة رعب مع احتفاظ ذاكرتهم بتاريخ طويل من الخسائر. تتجدد ذكرى تدمير المنازل أو فقدان الأعزاء. هذا العام لا يشذّ عمّا سبق، فالسودانيون موعودون بتمرد عنيف للنيل، إذ سجل منسوب النيل الاثنين الماضي أعلى معدل له منذ مائة عام وفق ما أعلنت وزارة الري السودانية، التي توقعت أن يزداد ارتفاعه خلال الأيام المقبلة. وفي مواجهة ذلك، بثت الوزارة تحذيرات إلى الأسر القاطنة على الشريط النيلي باتخاذ ما أمكنهم من الحيطة. وقد سجل منسوب النيل الأزرق عند محطة "الدويم" على الحدود السودانية - الإثيوبية ارتفاعاً بلغ 12.25 متراً.
أحمد صالح سبعيني يقطن على ضفاف النيل بالقرب من أرضه الزراعية. عاصر تمرد النهر سنوات عدة من بينها فيضان العام 1988 الذي يمثل ذكرى مأساوية لكلّ من عاصره من السودانيين إذ هدم آلاف المنازل ومات مئات من السكان، واختبرت البلاد مجاعة.
الحال اليوم ليست أفضل بحسب صالح، فقد هدم منزله قبل ثلاثة أيام عندما غمرته مياه النيل غدراً، إذ ثار فجأة ولم يصمد المنزل المتواضع. بذلك، اضطر صالح لنقل أبنائه وأحفاده إلى الضفة المقابلة حيث افترشوا العراء، وتناثرت أغراضهم هنا وهناك في انتظار الفرج. يقول صالح لـ"العربي الجديد": "ليس في يدنا حلّ غير البقاء في الشارع وانتظار الفرج، فقد سلب النيل كلّ رزقنا وجهدنا، وخسرنا منزلنا ومعه زراعتنا التي غمرتها المياه وأفسدت محصول الأرض".
تواضعت آمال صالح، فأقصى أمنياته ألا تهطل الأمطار عليه وعلى عائلته وما معهم من أغراض في عرائهم. يقول إنّ خريف هذا العام هو الأسوأ مؤخراً: "عادة نتوقع أن يفيض النيل في الرابع من أغسطس/ آب، وعندما نتجاوز ذلك التاريخ نطمئن. هذا ما حصل خلال العام الجاري لكنّ النيل غدرنا وفاض بعد عشرة أيام على ذلك التاريخ".
حال صالح تماثلها أحوال آخرين، فهناك نحو خمس قرى في منطقة مستريحة بمدينة الخرطوم بحري، غمرتها مياه النيل تماماً، واضطر أهلها للخروج إلى الطرف الآخر في محاذاة الطريق الرئيسي.
الفوضى تعمّ المنطقة. الأثاث وأدوات المطبخ موزعة في العراء، يغطيها السكان بأغطية بلاستيكية خوفاً من المطر. في المقابل، يلهو أطفال تحت لهيب الشمس، والبعض يحاول أن يحتمي من أشعتها بتحويل الأسرّة إلى ما يشبه الخيم.
تقول فاطمة (30 عاماً) لـ"العربي الجديد": "لا مكان نذهب إليه حتى تعود المياه إلى النهر والمصارف، فنعود إلى بيوتنا ونرصد ما دمّر منها". تؤكد أنّهم لا يملكون حتى الخيم التي تقيهم الشمس والمطر: "نعيش مأساة حقيقية مع أطفالنا ولا أحد يساعدنا".
قي العام الماضي، تسبب فيضان النيل والأمطار في خسائر كبيرة إذ مات 76 شخصاً بحسب وزارة الداخلية، وتضررت آلاف المنازل بانهيار كامل أو جزئي في 13 ولاية من أصل 18 ولاية سودانية.
في المقابل، يقول مدير إدارة الإعلام في الدفاع المدني محمدين أبو القاسم لـ"العربي الجديد: "الاستعدادات لخريف هذا العام بدأت منذ وقت مبكر بعقد اجتماعات للمجلس القومي للدفاع المدني واللجان التنسيقية فضلاً عن منظمات المجتمع المدني". وفي هذا يرى أنّ منسوب النيل مرتفع هذا العام في الخرطوم والمقرن ومدني وسنار، لكنّه تسبب في بعض الخسائر الخفيفة فحسب "بفضل التدخل السريع للدفاع المدني وتعامله بصورة ممتازة".
أما في ما يتعلق بالمنازل المتضررة، المنازل على الشريط النيلي يشير أبو القاسم إلى عدم استجابة تلك الأسر لقرار المجلس القومي للدفاع المدني بالانتقال من مناطقها والتمسك بالبقاء فيها. يضيف: "حالياً نعمل على مساعدتهم، ولا مشاكل تعترض طريقنا، بل نعمل بشكل ممتاز". مع ذلك، يشير إلى "تواضع الإمكانات المتاحة للدفاع المدني، لكنّنا بالرغم من ذلك نتدخل في الوقت المناسب".
بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا" فإنّ هناك أكثر من 42 ألف شخص متضرر في ست ولايات سودانية من بينها الخرطوم بسبب الأمطار والسيول حتى الثالث عشر من الشهر الجاري. لكنّ مفوضية الشؤون الإنسانية السودانية لم تحدد حتى الآن الاحتياجات الدقيقة ومدى الاستجابة للمتضررين في ولايتي الخرطوم والجزيرة بل تشير إلى أنّها تتابع القضية كي تعمل لاحقاً على تحديد تلك الاحتياجات.