تستعدّ تونس لإتمام الاستحقاق التشريعي، بعد غد الأحد، على أكثر من مستوى، في وقت يأمل فيه التونسيون أن تمرّ الساعات الثماني والأربعون المقبلة، بسلام، لتعبر البلاد بعدها إلى مرحلة سياسيّة جديدة.
وتمكّنت الأطياف السياسيّة التونسيّة من الإعداد، إلى حد كبير، لهذا الاستحقاق الانتخابي، على الرغم من مشاكل وتجاوزات كثيرة، لم تؤثّر في المسار العام، وشبهات حول تمويل غير قانوني لحملات بعض الأحزاب. لكنّ ذلك كلّه لم يحل دون مرور الفترة التحضيريّة بأمان وسلام، بعكس المخاوف التي سبقت انطلاق الحملات الانتخابيّة.
ويبقى التحدي الأكبر، المتعلّق بالظروف الأمنية، ماثلاً خلال اليومين المقبلين، انطلاقاً من أنّ المسار الانتقالي برمّته، يتعلّق بإنجاز الانتخابات في ظروف أمنية سليمة، تتيح للناخبين التوجّه بأمان إلى مكاتب الاقتراع وبأعداد كبيرة، في ظل أجواء تمكّنهم من التصويت بشكل حرّ ونزيه.
وتُعدّ المشاركة الكثيفة في الانتخابات دليلاً مهماً على نجاح المسار السياسي، وعلى ثقة التونسيين في مؤسّساتهم وقدرتهم على التعبير عن خياراتهم السياسيّة، علاوة على أهميّتها في ترجيح الكفّة لمصلحة المرشّحين للفوز بعضويّة البرلمان التونسي المقبل.
ولم يخفِ المسؤولون التونسيون مخاوفهم من تهديدات تحوم حول الانتخابات، فقد سبق لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، أن قال في حوار سابق لـ"العربي الجديد"، إنّ أطرافاً ودولاً لا تريد لتونس أن تذهب إلى الانتخابات". كما أعلن رئيس الحكومة، مهدي جمعة، ووزير الداخلية، لطفي بن جدو، أنّ "المجموعات المتشدّدة المتحصّنة في جبل الشعانبي وما يجاوره، تريد إرباك المسار الانتقالي من خلال ضرب الانتخابات وتعطيلها، من خلال القيام بأعمال إرهابية تستهدف زعماء سياسيين ومؤسّسات، لإرباك الساحة ومحاولة استنساخ لحظة استشهاد شكري بلعيد أو محمد البراهمي، حين دخلت البلاد في مراحل دقيقة من الشكّ والاتهامات المتبادلة، كادت تعصف بكامل المسار".
ويعتبر رئيس الحكومة التونسيّة، أنّ "تونس باتت اليوم أكثر أماناً، مع ضرورة ملازمة اليقظة الدائمة تحسّباً لأي إشكال قد يطرأ"، وفق تصريحاته خلال افتتاح المركز الإعلامي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والذي ستُعلن منه النتائج النهائيّة.
ويؤكّد جمعة "أنّنا على أتمّ الاستعداد ومتهيؤون لما قبل الانتخابات، وخلالها وبعدها"، وهو ما يعكس إدراكاً حقيقيّاً بحجم التهديدات التي قد تسبق أو ترافق أو تلي يوم الانتخابات. ولم يغفل جمعة توجيه رسالة مباشرة واضحة إلى المجموعات المتطرّفة ومن يقف وراءها، بتأكيده أنّ "إنجاح هذا العرس الانتخابي، سيكون بمثابة الرسالة التي يجب توجيهها إلى دعاة الجذب الى الوراء وإلى التكفيريين".
من جهته، يُقرّ وزير الداخليّة بوجود "تهديدات تستهدف المسار الانتخابي، وهو ما عكسته تصريحاته في المناسبة ذاتها. وفي موازاة إشارته، في الوقت ذاته، إلى "الاستعداد الأمني والعسكري لمواجهة هذه التهديدات وتأمين العمليّة الانتخابيّة"، يؤكّد بن جدو أنّ "عشرات الآلاف من عناصر الجيش الوطني وكافّة أسلاك الأمن الوطني، المنتشرة على كامل تراب الجمهورية، في أتمّ الجاهزيّة لمواجهة أي أعمال عنف، مع افتراض أسواء الاحتمالات وتأمين الحلول الممكنة لها".
وتتركز التهديدات الأمنيّة، بشكل خاص، على الشريط الحدودي الغربي مع الجزائر، حيث تتحصّن المجموعات المسلّحة. وفي هذا السياق، ينفي وزير الداخلية التونسي التوجّه إلى إغلاق الحدود مع الجزائر، يوم الانتخابات أو قبله، مشيراً في المقابل إلى وجود تعزيزات أمنيّة على الحدود ورفع درجة اليقظة من الدرك والجيش الجزائريين على الحدود التونسيّة مؤكداً أنّ المعابر الحدوديّة مع ليبيا والجزائر لن تُغلق وستظلّ تعمل طيلة يوم الاقتراع وفترة الصمت الانتخابي وما بعدهما.
ويبدو أنّ قوات الأمن التونسيّة تُمسك بالوضع الأمني، مع تمكّنها حتّى الآن من إحباط كلّ محاولات التسلّل إلى المدن، وقبض المئات من عناصر كانت تتولّى عملية الإسناد والدعم اللوجيستي للمجموعات المتحصّنة في الجبال، ما مكّنها من الحصول على معلومات دقيقة حول تحرّك هذه المجموعات وتكوينها ومخطّطاتها.
واعترفت هذه العناصر، بحسب وزارة الداخلية، أنّها كانت تخطّط لتفجير سيارات مفخّخة، تستهدف شخصيّات سياسيّة ورموزاً حزبيّة ومقرات أمنيّة.
وفي سياق متّصل، تسلّمت تونس، منذ أيام هبة من بريطانيا، عبارة عن دفعة أولى من التجهيزات المتطوّرة ومعدّات للكشف عن المتفجّرات. وتُعدّ هذه التجهيزات، بحسب الوزير المكلف بالأمن، رضا صفر، الدفعة الأولى من عملية ستتواصل في الفترة المقبلة، تزامناً مع دورة تدريبية لعدد من العناصر الأمنيّة، على استعمال أجهزة مماثلة.
وتبدو قوات الأمن والجيش مستعدة بشكل كبير لتأمين العملية الانتخابيّة وما يليها، على الرغم من هذه التهديدات الكبيرة التي تستهدفها، وخصوصاً أنّ المجموعات المتشدّدة تدرك جيداً أنّ نجاح العمليّة الانتخابيّة سيكون الضربة الأكبر التي ستوجّه إليها وإلى مشاريعها في المنطقة.
وتوفّر الحكومة التونسية، وفق المتحدّث باسمها، نضال الورفلى، 80 ألف عون، للسهر على حسن سير العمليّة الانتخابيّة، في وقت تأخذ قوات الأمن والجيش على عاتقها، تأمين حوالي 4535 مدرسة ابتدائية، موضوعة على ذمّة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بدءاً من اليوم الجمعة، ستخصّص لتكون مكاتب اقتراع، إضافة إلى عدد كبير من المؤسّسات الأخرى ومراكز الاقتراع والتجميع والعدّ، فضلاً عن تأمين المسالك التي تقود إلى هذه المراكز وعمليّة نقل الصناديق إلى مراكز التجميع، علماً أن المهمّة الأخيرة موكلة إلى قوات الجيش الوطني.
وفي إطار الاستعدادات اللوجستيّة، فقد تمّت طباعة 6.5 مليون ورقة انتخابيّة، وفق الورفلي، بالتعاون مع المطبعة الرسميّة، بكلفة قدرها مليونا دينار تونسي (نحو مليون ومئة ألف دولار أميركي)، وتمّ توزيع الحبر الانتخابي على مراكز الاقتراع كافة.4