اختُتمت فعاليات مهرجان "الهند على ضفاف النيل" بندوة أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان "التبادل الثقافي والاجتماعي- وجهات نظر من مصر والهند". ورغم الثغرات الكثيرة والطبيعة الرسمية البروتوكولية والسياحية للمهرجان إلا أنه زحزح قليلاً جدار العلاقة الثقافية بين مصر والهند وبين العرب والهند بشكل عام.
انقسمت ندوة الختام إلى ثلاث مناظرات، أدار الأولى محمد سلماوي "رئيس اتحاد كتاب مصر"، وشارك فيها رسام الكاريكاتير الهندي سودهير تيلانج، المعروف بسخريته اللاذعة، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حازم أحمد. وقد لوحظت خفة ظل رسام الكاريكاتير الهندي التي جاءت منسجمة مع رسوماته الكاريكاتيرية التي تركّزت على شخصيته المفضلة، رئيسة وزراء الهند السابقة إنديرا غاندي.
وأوضح تيلانج أهمية دور الكاريكاتير في تصحيح الأوضاع السياسية من خلال فضح وانتقاد أخطاء السياسيين، مما عرض حياته للخطر واضطر الأمن إلى تخصيص حراسة له. لكن ما لبث الرسام أن سخر من حارسه الذي كان ينام ويشاهد أفلام الكرتون في أوقات حراسته، ما جعله يقول بأنه هو من يقوم بحراسة حارسه.
من الجانب المصري، تحدث أحمد عن ارتباط فن الكاريكاتير بوجود الديمقراطية التي تسمح بانتقاد الأوضاع السياسية في البلاد، وأكد على أن الأمر لا يرتبط باحترام القادة أو عدمه بل بمحاولة تصحيح الأمور.
وقد غاب عن هذه المناظرة رساما الكاريكاتير المصريان الشهيران جورج بهجوري وعمرو سليم دون عذر واضح، علماً أنه كان يمكن تدارك الأمر بدعوة أحد رسامي الكاريكاتير المصريين الكثر؛ ما جعل من هذه المناظرة عزفاً شبه منفرد للفنان تيلانج.
أما المناظرة الثانية، فقد ألقت الضوء على دور المرأة وأهميتها في المجتمع، وعلى أهمية الحوار والتواصل بين السيدات الرائدات في كلا البلدين. وقد أدارتها أمنية حلمي، "مديرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي بالمجلس القومي للمرأة"، وشاركت فيها عن الجانب الهندي أورفاشي بوتاليا، وهي ناشطة في الحركة النسائية وناشرة وكاتبة. وعن الجانب المصري، شاركت الروائية وأستاذة الأدب الأميركي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، سحر الموجي.
تحدثت أورفاشي بوتاليا عن علاقتها الوثيقة بالأدب المصري النسائي وعن ترجمتها إلى اللغة الهندية لأعمال كاتبات مصريات، أمثال سلوى بكر وأهداف سويف، مشيرةً إلى نيتها الاستمرار في هذا المشروع.
ثم تحدثت سحر الموجي عن "سلطة الأب" التي تتحكم بالمرأة في المجتمعين الهندي والمصري، حيث يتخذ العقل الذكوري فكرة الدين ذريعة لحرمان المرأة من حقوقها. وقالت الموجي إن تغيّر وضع المرأة في الهند بدأ خلال السنوات العشر الأخيرة، في حين لم نلمس بدايات هذا التغير في مصر إلا مع ثورة يناير 2011. بالمقابل، أصبحت المرأة المصرية عرضة لحوادث التحرش المتزايدة، ومنها الحادثة الشهيرة في القاهرة، وما حدث أمام نقابة الصحفيين عام 2005، مما أثار حفيظة الشعب المصري الذي بدأ يشعر بحجم المشكلة. وقد عبّرت الموجي عن مشاركتها فكرة زميلتها الكاتبة الهندية أن الحركة النسائية ستنتصر في النهاية.
أما المناظرة الثالثة فابتعدت قليلاً عن موضوع الأدب والفنون، حيث كان محورها مسألة التطور التكنولوجي. وقد أدارها ماجد عثمان، الخبير في الإحصاء وأبحاث الرأي العام، وشارك فيها من الجانب الهندي رافي فينكاتيسان، وهو مدير تنفيذي لإحدى الشركات في الهند، ومن الجانب المصري صبري الشبراوي، رئيس مؤسسة تكنولوجيا الإدارة والتسويق "مارتك".
أسهب فينكاتسيان في كلامه عن كتابه "قهر الفوضى: النجاح في الهند، النجاح في كل مكان" الذي يعرض فيه وجهة نظره بالنجاح في الأسواق الناشئة. وتطرق إلى المشكلة الحاضرة في مصر والهند معاً، أي الفساد الذي يقف عائقاً في وجه المزيد من التطور.
أما الشبراوي فقد تطرق إلى الثقافة كـ"أسلوب حياة" وليس فقط كأدب وفنون، مشيراً إلى أن الكمبيوتر والفيزياء والرياضيات ثقافة أيضاً، وموضحاً أن الثقافة طريقنا لتحقيق الديمقراطية التي تبدأ من البيت قبل المدرسة والشارع، وملاحظاً أن مصر من أغنى الدول لكنها أفقرها في التخطيط بسبب 20 عائلة تتحكم بمواردها ومصائرها.
وظهر الفرق شاسعاً في مداخلات الضيفين الهندي والمصري. فقد تحدث الأول بطلاقة وثقة عالية بالنفس مصدرها تحققه العلمي والشخصي، بينما تكلم الطرف المصري بتوتر وعصبية وأسهب في حديثه عن محاربة العقول الخلاقة في مصر ومحاولة تحييدها عن مراكز القرار.