تشبه حركة البورصات الأميركية في الفترة الأخيرة، رقاص ساعة الحائط وقد أصابته نوبة جنون. تتأرجح بين ضفة وأخرى بقفزات غير منتظمة، واعدة ومحبطة في آن معاً. تتنقل بسرعة قياسية بين الساخن والبارد وبين الزائد والناقص من دون ما يبرر شطحاتها التي تبدو وكأنها عصيّة على التفسير العلمي.
وينعكس ذلك في أرقامها وتخبط مداولاتها اليومية، التي تندرج غالباً في خانة ردة الفعل المبالغ فيه على تصريحات وبيانات ومؤشرات اقتصادية ومالية وسياسية، أكثر مما هي استجابة لمعطيات صلبة تبرر حركتها.
ويطرح التذبذب تساؤلات حول العوامل التي تؤدي دورها في تحويله إلى ظاهرة، بات معها ارتفاع الأسهم أقرب إلى الورم منه إلى العافية، وهبوطها أشبه بالنزف الذي ينذر بعواقب مكلفة.
البورصة بطبيعتها متقلبة بفعل المضاربات التي تشكل جزءاً من تعاملاتها، كما بفعل التغيير الذي يحصل في العوامل المؤثرة في مداولاتها، مثل عائدات الشركات ونسبة البطالة وأسعار الطاقة وعلى رأسها النفط، ومعدل نسبة الفائدة ومناخات الاستثمار وغيرها من الاعتبارات.
فهي تتحرك صعوداً ونزولاً في ضوء حصيلة هذه العناصر التي تتحكم بحركة الهبوط والارتفاع في أسعار الأسهم. لكن تأرجحها يبقى عادة في حدود المناخات العامة لعالم الأعمال. فلو كانت هذه العوامل سلبية لبقيت الأسهم تدور إجمالاً في فلكها نزولاً وضمن الحدود التي تعكس هذا الواقع، والعكس صحيح.
حركات متناقضة
لكن الغريب الآن أن البورصة الأميركية تدور بعيداً عن هذه الحدود، وبما يناقض المعادلة والقواعد المألوفة. فليس من المعتاد أن تهبط أسعار الأسهم أكثر من 600 نقطة، ثم تنقلب الخسائر في اليوم التالي إلى أرباح بأكثر من 1000 نقطة، لتعود إلى الهبوط في اليوم الثالث بأكثر من 600 يليها صعود بأكثر من 700 نقطة، كما حصل يوم الجمعة الماضي.
وقد تكرر هذا القفز مؤخراً، وكأن العملية مبرمجة لتأخذ هذا المنحى المحيّر، أو على الأقل غير الاعتيادي. وما يحيّر أكثر أنها تحصل في زمن اقتصادي أميركي معافى حسب الأرقام الرسمية.
ففي الشهر الماضي دخل سوق العمل الأميركي أكثر من 300 ألف طالب وظيفة. ومستوى الأجور ارتفع 3.2%، ومعدلات الاستهلاك الذي يشكل نحو 70% من الاقتصاد الأميركي، جيدة كما أكدتها إحصاءات الشهر الماضي، يضاف إلى ذلك أن أسعار الطاقة وبالتحديد النفط، مواتية تماماً لحالة الانتعاش القائمة.
في بيئة اقتصادية من هذا النوع، كان آخر ما يمكن أن يحصل، هو أن تشهد أسواق "وول ستريت" مثل هذا الانفلات الخارج عن المألوف.
إجابات منقوصة
من التفسيرات أن الهبوط في البورصة ليس سوى "عملية تصحيح " متوقعة لأسعار الأسهم، التي انتفخت أكثر من اللزوم، وأن ارتفاعها يحصل كردّ على سياسات واعدة، مثل إشارة جيروم باول رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، التي ذكر فيها بأنه لا ينوي رفع سعر الفائدة في المدى القريب.
اقــرأ أيضاً
لكن هذه التفسيرات لا تقدم إجابة وافية للسؤال عن أسباب القفز السريع والكبير، الذي حصل أحياناً من غير مقدمات لأسواق المال الأميركية، مثل الكسب الذي حققه السوق الأسبوع الماضي بأكثر من ألف نقطة في يوم واحد، ولأول مرة في تاريخ البورصة.
الرئيس ترامب الذي يراهن على استمرار الانتعاش كأقوى ورقة بيده لمواجهة متاعبه الضاغطة، وضع الملامة على محافظ البنك المركزي باول، إذ زعم أن هذا الأخير برفعه سعر الفائدة على الدولار أكثر من مرة خلال السنة الماضية، ساهم في تخويف مستثمري "وول ستريت"، من احتمالات التباطؤ التي قد تتسبب بها الفائدة المرتفعة على حركة الإقراض، ومن ثم الاستثمار وبما أدخل البورصة في حالة من الالتباس.
وأعرب ترامب صراحة، عن عدم ارتياحه لهذه السياسة النقدية، وإلى حد ما لوّح بإمكانية إقالة رئيس البنك المركزي جيروم باول، علماً بأن الرئيس لا يقيل صاحب هذا المنصب حسب الأعراف المصرفية المتبعة.
وقد رد باول يوم الجمعة، قائلاً بأنه لن يستقيل، لكنه في ذات الوقت أعطى إشارة بأنه سيتوقف عن رفع سعر الفائدة وحتى إشعار آخر. وموقف باول بدا أنه جاء تحت ضغط رئاسي غير مباشر.
الحرب التجارية
لكن الشروحات الأوسع تدور حول عدم اطمئنان سوق وول ستريت، وخشيتها من عواقب سياسات ترامب الاقتصادية. ومنها سياسة رفع نسبة التعرفة الجمركية على البضائع المستوردة، في إطار ما يشبه الحرب التجارية التي أعلنها ترامب وقال بأن "من السهل كسبها".
لكن الواقع كان بخلاف ذلك، فالتعرفة أدت إلى خفض المبيعات وهبوط أسعار الصادرات، وخاصة الزراعية التي كانت تستوردها الصين، كما يرى الخبير جارد بارنستاين.
ومن ناحية ثانية، أدت زيادة أسعار الفائدة على الدولار إلى ارتفاع أسعار المستوردات التي يدفع المستهلك الأميركي بالنهاية مقدار التعرفة التي فرضت عليها.
الأمر الذي يتسبب بنزف يقود إلى "الركود الذي تتراكم عوامله يومياً"، بتعبير الخبير رون إنسانا. وخاصة أن مؤشرات "التباطؤ تتزايد في الصين واليابان" وغيرهما، ما يساهم في مفاقمة حالة عدم الاستقرار في البورصة الأميركية، التي بدأت تتحسس "قرب نهاية الانتعاش الذي قاد إليه خفض إدارة ترامب للضرائب"، حسب بول كروغمان أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون والحائز جائزة نوبل.
وفي اعتقاد كروغمان، فإن الاقتصاد الأميركي "دخل في طور الإبطاء الذي سوف يهبط معه معدل النموّ السنوي إلى أقل من 2%". وهي قراءة تتردد بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة. وثمة من يعتمدها لتفسير سرعة عطب وول ستريت، الذي يفاقمه الإغلاق الحكومي والأزمة السياسية المفتوحة.
وينعكس ذلك في أرقامها وتخبط مداولاتها اليومية، التي تندرج غالباً في خانة ردة الفعل المبالغ فيه على تصريحات وبيانات ومؤشرات اقتصادية ومالية وسياسية، أكثر مما هي استجابة لمعطيات صلبة تبرر حركتها.
ويطرح التذبذب تساؤلات حول العوامل التي تؤدي دورها في تحويله إلى ظاهرة، بات معها ارتفاع الأسهم أقرب إلى الورم منه إلى العافية، وهبوطها أشبه بالنزف الذي ينذر بعواقب مكلفة.
البورصة بطبيعتها متقلبة بفعل المضاربات التي تشكل جزءاً من تعاملاتها، كما بفعل التغيير الذي يحصل في العوامل المؤثرة في مداولاتها، مثل عائدات الشركات ونسبة البطالة وأسعار الطاقة وعلى رأسها النفط، ومعدل نسبة الفائدة ومناخات الاستثمار وغيرها من الاعتبارات.
فهي تتحرك صعوداً ونزولاً في ضوء حصيلة هذه العناصر التي تتحكم بحركة الهبوط والارتفاع في أسعار الأسهم. لكن تأرجحها يبقى عادة في حدود المناخات العامة لعالم الأعمال. فلو كانت هذه العوامل سلبية لبقيت الأسهم تدور إجمالاً في فلكها نزولاً وضمن الحدود التي تعكس هذا الواقع، والعكس صحيح.
حركات متناقضة
لكن الغريب الآن أن البورصة الأميركية تدور بعيداً عن هذه الحدود، وبما يناقض المعادلة والقواعد المألوفة. فليس من المعتاد أن تهبط أسعار الأسهم أكثر من 600 نقطة، ثم تنقلب الخسائر في اليوم التالي إلى أرباح بأكثر من 1000 نقطة، لتعود إلى الهبوط في اليوم الثالث بأكثر من 600 يليها صعود بأكثر من 700 نقطة، كما حصل يوم الجمعة الماضي.
وقد تكرر هذا القفز مؤخراً، وكأن العملية مبرمجة لتأخذ هذا المنحى المحيّر، أو على الأقل غير الاعتيادي. وما يحيّر أكثر أنها تحصل في زمن اقتصادي أميركي معافى حسب الأرقام الرسمية.
ففي الشهر الماضي دخل سوق العمل الأميركي أكثر من 300 ألف طالب وظيفة. ومستوى الأجور ارتفع 3.2%، ومعدلات الاستهلاك الذي يشكل نحو 70% من الاقتصاد الأميركي، جيدة كما أكدتها إحصاءات الشهر الماضي، يضاف إلى ذلك أن أسعار الطاقة وبالتحديد النفط، مواتية تماماً لحالة الانتعاش القائمة.
في بيئة اقتصادية من هذا النوع، كان آخر ما يمكن أن يحصل، هو أن تشهد أسواق "وول ستريت" مثل هذا الانفلات الخارج عن المألوف.
إجابات منقوصة
من التفسيرات أن الهبوط في البورصة ليس سوى "عملية تصحيح " متوقعة لأسعار الأسهم، التي انتفخت أكثر من اللزوم، وأن ارتفاعها يحصل كردّ على سياسات واعدة، مثل إشارة جيروم باول رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، التي ذكر فيها بأنه لا ينوي رفع سعر الفائدة في المدى القريب.
لكن هذه التفسيرات لا تقدم إجابة وافية للسؤال عن أسباب القفز السريع والكبير، الذي حصل أحياناً من غير مقدمات لأسواق المال الأميركية، مثل الكسب الذي حققه السوق الأسبوع الماضي بأكثر من ألف نقطة في يوم واحد، ولأول مرة في تاريخ البورصة.
وأعرب ترامب صراحة، عن عدم ارتياحه لهذه السياسة النقدية، وإلى حد ما لوّح بإمكانية إقالة رئيس البنك المركزي جيروم باول، علماً بأن الرئيس لا يقيل صاحب هذا المنصب حسب الأعراف المصرفية المتبعة.
وقد رد باول يوم الجمعة، قائلاً بأنه لن يستقيل، لكنه في ذات الوقت أعطى إشارة بأنه سيتوقف عن رفع سعر الفائدة وحتى إشعار آخر. وموقف باول بدا أنه جاء تحت ضغط رئاسي غير مباشر.
الحرب التجارية
لكن الشروحات الأوسع تدور حول عدم اطمئنان سوق وول ستريت، وخشيتها من عواقب سياسات ترامب الاقتصادية. ومنها سياسة رفع نسبة التعرفة الجمركية على البضائع المستوردة، في إطار ما يشبه الحرب التجارية التي أعلنها ترامب وقال بأن "من السهل كسبها".
لكن الواقع كان بخلاف ذلك، فالتعرفة أدت إلى خفض المبيعات وهبوط أسعار الصادرات، وخاصة الزراعية التي كانت تستوردها الصين، كما يرى الخبير جارد بارنستاين.
ومن ناحية ثانية، أدت زيادة أسعار الفائدة على الدولار إلى ارتفاع أسعار المستوردات التي يدفع المستهلك الأميركي بالنهاية مقدار التعرفة التي فرضت عليها.
الأمر الذي يتسبب بنزف يقود إلى "الركود الذي تتراكم عوامله يومياً"، بتعبير الخبير رون إنسانا. وخاصة أن مؤشرات "التباطؤ تتزايد في الصين واليابان" وغيرهما، ما يساهم في مفاقمة حالة عدم الاستقرار في البورصة الأميركية، التي بدأت تتحسس "قرب نهاية الانتعاش الذي قاد إليه خفض إدارة ترامب للضرائب"، حسب بول كروغمان أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون والحائز جائزة نوبل.