ومن بين أهم القرارات المتخذة في هذا المضمار، قرار فتح عدة مراكز اعتقال خاصة بالجهاديين العائدين من مناطق القتال في سورية والعراق في الأشهر المقبلة. وكان رئيس الوزراء مانويل فالس، قد تحدث في وقت سابق عن اعتزام الحكومة فتح مركز من هذا النوع ابتداء من يناير/كانون الثاني المقبل، غير أن الحكومة قررت في النهاية فتح عدة مراكز بدل مركز واحد على الرغم من أن عددها لم يتحدد بدقة حتى الساعة.
وشرع مكتب رئيس الوزراء الذي يعود إليه تطبيق هذه المبادرة الحكومية بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والعدل، في البحث عن مواقع مناسبة لهذه المراكز. وبخصوص طبيعة هذه المراكز ومهماتها ينصبّ الاهتمام حول مشروعين أساسيين. يتمثّل الأول في مراكز مغلقة هي أقرب إلى السجون من حيث بنيتها ومهماتها وتؤوي الأشخاص المُتابعين قضائياً بتهم التطرف الديني أي أولئك الذين توجّهوا إلى مناطق القتال في سورية والعراق وأيضاً الأشخاص الذين توجهوا إلى تركيا وحاولوا عبور الحدود إلى سورية للالتحاق بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة. وتنوي الحكومة أن تكون هذه المراكز بديلاً عن السجون وأن تؤوي بشكل خاص الفتيات والنساء اللواتي عدن من مناطق القتال.
أما النوع الثاني من هذه المراكز فسيكون بمثابة فضاء مفتوح أقرب إلى صيغة مراكز إعادة تأهيل "المنحرفين"، ويؤوي خصوصاً الأشخاص المغرَّر بهم أو الواقعين تحت تأثير الأفكار المتطرفة ولم يتورطوا بعد في أي عمل مخل بالقانون ولم ينتقلوا إلى مناطق القتال. وغالباً ما تكون عائلات هؤلاء الأشخاص هي التي قامت بإبلاغ السلطات بتحوّل جذري في سلوك أبنائهم. ومن المتوقع أن يتم تخصيص بعض هذه المراكز للشبان والمراهقين والشباب ما دون العشرين عاماً.
وحسب آخر الإحصائيات لدى وزارتي الداخلية والعدل، فهناك حوالي 3 آلاف شخص مصنفين في هذه الخانة، وغالباً ما تم إشعار السلطات من قِبل العائلات التي استخدمت الرقم الأخضر المجاني الذي خصصته السلطات للتبليغ عن الأشخاص المتطرفين. في حين هناك حوالي 4 آلاف شخص رصدتهم الأجهزة الأمنية المحلية وصنفتهم في خانة "المتطرفين الأصوليين" ويخضعون حالياً للمراقبة من قِبل أجهزة الاستخبارات، ما يرفع العدد الإجمالي للمشتبه فيهم إلى حوالي 7 آلاف شخص.
والجدير بالذكر أنه حتى الآن ما يزال الغموض يلف طبيعة سير هذه المراكز وتخصصات العاملين فيها. ومن المتوقع أن تضم رجال أمن وموظفين في أجهزة الاستخبارات، وأيضاً متخصصين في علم النفس والاجتماع ومربين وناشطين من المجتمع المدني.
اقرأ أيضاً: فرنسا بعد هجمات باريس: المزيد من الخوف
وعلى الرغم من أن ميزانية الحكومة للعام المقبل لم تضع في حسبانها تمويل مراكز لمحاربة التطرف، فإن رئيس الوزراء يعتزم تخصيص ميزانية استثنائية لتمويلها، كون هذه المؤسسات باتت تكتسي أهمية بالغة ضمن الاستراتيجية الحكومية لمحاربة الإرهاب التي تم إقرارها في ظل قانون الطوارئ.
وبالإضافة إلى مراكز الإيواء، تنوي الحكومة وضع خطة لمحاربة "التطرف الإسلامي" في أماكن العمل ورصد المتطرفين الذين يعملون في مواقع حساسة مثل المطارات والموانئ والمواصلات العامة. وتعمل وزارة العمل حالياً على تحرير "دليل للتعامل مع المُعطى الديني في الشركات والمؤسسات" يتناول المسائل المرتبطة بممارسة الصلاة والشعائر والأعياد الدينية والسلوكيات المنافية لتقاليد المجتمع الفرنسي كرفض مصافحة أو مخالطة النساء أو ممارسة الوعظ والضغط على الزملاء في العمل.
غير أن الحكومة ترفض تبليغ الشركات والمؤسسات بالعمال والموظفين المصنفين في خانة "سين" الخاصة بالمتطرفين والمشتبه في اعتناقهم للأفكار الجهادية العنفية لكون أهمية هذه الخانة تكمن بالأساس في سريتها. كما أن الحكومة لا ترغب في أن تقوم الإدارات المعنية بالتركيز على هؤلاء الأشخاص وفصلهم من العمل لمجرد الاشتباه فيهم، ما قد يزيد من تعصّب هؤلاء الأشخاص وتسريع وتيرة تطرفهم وحقدهم على السلطات. وارتفعت أخيراً بعض الأصوات في أوساط اليمين وحتى الاشتراكيين تطالب بمنع المتدينين من العمل في المطارات ومنع التحدث باللغة العربية، وهي مطالبات تدخل في باب المزايدة السياسية وردود الفعل المتسرعة بعد اعتداءات "الجمعة السوداء".
أما الشق الأكثر حزماً في الخطة الحكومية لمحاربة التطرف الديني، فيتعلق بالمساجد والأئمة والجمعيات الإسلامية. فمنذ اعتداءات باريس تبنت الحكومة واحداً من أكثر مطالب اليمين المتطرف إلحاحاً، وهو المتعلق بإغلاق المساجد السلفية وحل الجمعيات الإسلامية ذات الخطاب الأصولي وطرد الأئمة المتطرفين. وكان وزير الداخلية برنار كازنوف، أعلن غداة الاعتداءات أن سياسة طرد الأئمة المتطرفين معمول بها منذ العام 2012 وتم طرد وإبعاد 40 إماماً ما بين 2012 و2015.
ومن بين 1072 عملية دهم قامت بها الأجهزة الفرنسية بعد الاعتداءات، تمت مداهمة 25 مسجداً و5 منازل لأئمة تشتبه السلطات في تبنيهم لخطاب دعوي أصولي، بالإضافة إلى مداهمات لمنازل أشخاص مرتبطين مع بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية المقربة من التيار السلفي. ولم تسفر هذه المداهمات عن اعتقال جهاديين أو متورطين في الاعتداءات، لأن السلطات تحت ضغط الاعتداءات وسّعت من عمليات الدهم بشكل عشوائي لتشمل كل الأوساط الدينية السلفية حتى تلك المعروفة بإدانتها للفكر الجهادي المتطرف.
اقرأ أيضاً: اليمين الأوروبي يستثمر آلام باريس ضد المهاجرين والحدود المفتوحة