إعصاران كبيران خلال أسابيع قليلة ضربا الولايات المتحدة الأميركية، وما زال رئيسها ينكر التغير المناخي
الطبيعة في الولايات المتحدة شرسة بقدر ما هي متوازنة ومتنوعة، تجمع بين أقصى التناقضات المناخية والجيولوجية. بتركيبته، ينتج موقع بلاد العم سام كوارث مختلفة، هي جزء من تاريخها وجغرافيتها. كوارثها مواسم موزعة على فصول السنة في كلّ أرجائها. كلّ منطقة متخصصة بواحدة منها. الهزات الأرضية من حصة الغرب الذي تجتاحه الحرائق الواسعة في أوقات الجفاف. الأعاصير تضرب الجنوب والجنوب الشرقي في الصيف. الزوابع الجارفة تعصف بالجنوب والشرق المحاذي له وأيضاً الوسط، في الربيع. الفيضانات تحدث في الوسط، بشماله وجنوبه ومناطق أخرى. كلّها من العيار الثقيل الذي يتسبب في خسائر كبيرة وأحياناً فادحة في الأرواح والأرزاق. بعضها دخل التاريخ: زلزال سان فرانسيسكو عام 1906 الذي دمر 80 في المائة من المدينة وحصد 3 آلاف قتيل، وإعصار كاترينا الذي استهدف ولاية لويزيانا سنة 2005 وسقط فيه أكثر من 1800 ضحية.
إعصار "إيرما" الذي انقضّ الآن على فلوريدا، ليس بضاعة طارئة، ولا مثيله "هارفي" الذي ضرب تكساس قبل أيام. الجديد أنّهما من نمط غير مسبوق بالحجم والزخم وبالتالي القدرة التدميرية. حجم "إيرما" يغطي مساحة بريطانيا وإيرلندا معاً، بحسب معظم التقديرات. قطره يمتد لأكثر من 600 كلم. قطر وسطه الدائري الذي يشكل آلية الدفع، يتراوح بين 35 و60 كلم. أرقام قياسية نادرة أعطته لقب "الإعصار القاتل" الذي اقتضى إجلاء 5 ملايين نسمة من طريقه. بعد اجتياح شبه مدمّر لعدة جزر في البحر الكاريبي، من بينها كوبا، وصل "إيرما" أرض فلوريدا بسرعة رياح وصلت إلى حدود 200 كلم بالساعة، مع أمطار غزيرة هطلت بمعدل 4 إنشات (101 ملم) في الساعة. بنتيجة ذلك، غمرت المياه المناطق الساحلية بأكثر من 15 قدماً (4.57 أمتار)، خصوصاً في غرب فلوريدا التي لا تعلو اليابسة فيها عن 8 أقدام (2.40 متر) إلى 10 أقدام (3 أمتار) عن سطح البحر.
اقــرأ أيضاً
بحسب خبراء الطقس والمناخ، وصل "إيرما" إلى البرّ الأميركي بهذه القوة، لأنّ سخونة مياه المحيط الأطلسي التي انطلق منها غرب القارة الأفريقية القريبة من المدار الاستوائي، بلغت 30 درجة مئوية. هكذا حرارة تكفي لإنتاج جبال من السحب الركامية التي تتحول إلى إعصار من هذا النوع المصنف من الفئة الخامسة الأعلى في هذا المقياس. وسجلت وسائل الرصد أنّ هذا الإعصار احتفظ خلال مسيرته في المحيط قبل أن يصطدم بالجزر، بسرعة 180 ميلاً (290 كيلومتراً) في الساعة. سرعة يقول المختصون إنّه لم يسبق أن عرفها إعصار على وجه الأرض. وفي هذا السياق، ربط خبراء المناخ بين هذا الغضب الطبيعي وبين ارتفاع درجة الحرارة القياسي غير المسبوق، خلال شهر يوليو/تموز خلال العام الجاري والعام الماضي، وهو الشهر الذي يبدأ فيه "طبخ" الإعصار في مياه المحيط الأطلسي.
هذه المستجدات طرحت من جديد موضوع سخونة المناخ وتأثيراته وما يستوجب عمله لاستباق المزيد من كوارثه الطبيعية. الربط بين التغير المناخي ومثل هذه الانفجارات الطبيعية، بات بمثابة تحصيل حاصل، وربما ما أصاب الجنوب الأميركي في الأيام الأخيرة وما قد يصيبها قريباً بسبب إعصارات زاحفة في مياه المحيط، ما يحفز الجهات التي تنكر مثل هذا الربط على تغيير مقاربتها للموضوع. الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أنّ قصة الاحتباس الحراري "خدعة صينية". وما زال ترامب أحد ناكري العلاقة بين السخونة وبين الانبعاثات الكربونية التي يتسبب فيها الإنسان، خصوصاً في البلدان الصناعية والتي تشكل حصة أميركا منها 20 في المائة. ومن هنا كان انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، يسانده في تلك الخطوة فريق واسع من المحافظين المتشبثين بمقولة أنّ مشاركة الولايات المتحدة في تخفيض الانبعاثات الكربونية يؤذي اقتصادها الذي يأخذ الأولوية.
والغريب أكثر في التقليل من شأن التغير المناخي، أنّ الولايات المتحدة المعروفة بأنّها بلد العلم تتنكر للعلم في هذا الشأن الحيوي. لكنّ هذا التنكّر سياسي، فالغالبية الكاسحة من العلماء الأميركيين ما برحت تحذر من التمادي في تجاهل ظاهرة الاحتباس الحراري. الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) تصدر التقرير تلو الآخر بالمؤشرات والظواهر التي تدق جرس الإنذار وتدعو إلى التحرك السريع لوقف الانزلاق إلى نقطة "اللا رجوع الكارثية". في آخر معلوماتها أنّ الغطاء الجليدي في القطبين الشمالي والجنوبي والذي توفر انعكاساته البرودة المناخية "بدأت سماكته تتقلص ومساحته تنكمش". كذلك، أفادت عمليات رصد "ناسا" أنّ مياه البحار أخذت في الارتفاع 0.7 إنش (1.8 سم) سنوياً بين 2002 و2014، في كثير من السواحل، خصوصاً في ولايتي فلوريدا وكاليفورنيا.
هل تشكل هذه الزلازل المناخية المتنوعة صحوة من باب أنّه "ربّ ضارة نافعة" وتحمل الناكرين لسخونة المناخ، على اليقظة وفرك عيونهم جيداً قبل فوات الأوان؟ ربما يحصل ذلك، لكن بعد انكشاف خسائر الأعاصير الهائلة التي لم تتضح بعد.
اقــرأ أيضاً
الطبيعة في الولايات المتحدة شرسة بقدر ما هي متوازنة ومتنوعة، تجمع بين أقصى التناقضات المناخية والجيولوجية. بتركيبته، ينتج موقع بلاد العم سام كوارث مختلفة، هي جزء من تاريخها وجغرافيتها. كوارثها مواسم موزعة على فصول السنة في كلّ أرجائها. كلّ منطقة متخصصة بواحدة منها. الهزات الأرضية من حصة الغرب الذي تجتاحه الحرائق الواسعة في أوقات الجفاف. الأعاصير تضرب الجنوب والجنوب الشرقي في الصيف. الزوابع الجارفة تعصف بالجنوب والشرق المحاذي له وأيضاً الوسط، في الربيع. الفيضانات تحدث في الوسط، بشماله وجنوبه ومناطق أخرى. كلّها من العيار الثقيل الذي يتسبب في خسائر كبيرة وأحياناً فادحة في الأرواح والأرزاق. بعضها دخل التاريخ: زلزال سان فرانسيسكو عام 1906 الذي دمر 80 في المائة من المدينة وحصد 3 آلاف قتيل، وإعصار كاترينا الذي استهدف ولاية لويزيانا سنة 2005 وسقط فيه أكثر من 1800 ضحية.
إعصار "إيرما" الذي انقضّ الآن على فلوريدا، ليس بضاعة طارئة، ولا مثيله "هارفي" الذي ضرب تكساس قبل أيام. الجديد أنّهما من نمط غير مسبوق بالحجم والزخم وبالتالي القدرة التدميرية. حجم "إيرما" يغطي مساحة بريطانيا وإيرلندا معاً، بحسب معظم التقديرات. قطره يمتد لأكثر من 600 كلم. قطر وسطه الدائري الذي يشكل آلية الدفع، يتراوح بين 35 و60 كلم. أرقام قياسية نادرة أعطته لقب "الإعصار القاتل" الذي اقتضى إجلاء 5 ملايين نسمة من طريقه. بعد اجتياح شبه مدمّر لعدة جزر في البحر الكاريبي، من بينها كوبا، وصل "إيرما" أرض فلوريدا بسرعة رياح وصلت إلى حدود 200 كلم بالساعة، مع أمطار غزيرة هطلت بمعدل 4 إنشات (101 ملم) في الساعة. بنتيجة ذلك، غمرت المياه المناطق الساحلية بأكثر من 15 قدماً (4.57 أمتار)، خصوصاً في غرب فلوريدا التي لا تعلو اليابسة فيها عن 8 أقدام (2.40 متر) إلى 10 أقدام (3 أمتار) عن سطح البحر.
هذه المستجدات طرحت من جديد موضوع سخونة المناخ وتأثيراته وما يستوجب عمله لاستباق المزيد من كوارثه الطبيعية. الربط بين التغير المناخي ومثل هذه الانفجارات الطبيعية، بات بمثابة تحصيل حاصل، وربما ما أصاب الجنوب الأميركي في الأيام الأخيرة وما قد يصيبها قريباً بسبب إعصارات زاحفة في مياه المحيط، ما يحفز الجهات التي تنكر مثل هذا الربط على تغيير مقاربتها للموضوع. الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أنّ قصة الاحتباس الحراري "خدعة صينية". وما زال ترامب أحد ناكري العلاقة بين السخونة وبين الانبعاثات الكربونية التي يتسبب فيها الإنسان، خصوصاً في البلدان الصناعية والتي تشكل حصة أميركا منها 20 في المائة. ومن هنا كان انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، يسانده في تلك الخطوة فريق واسع من المحافظين المتشبثين بمقولة أنّ مشاركة الولايات المتحدة في تخفيض الانبعاثات الكربونية يؤذي اقتصادها الذي يأخذ الأولوية.
والغريب أكثر في التقليل من شأن التغير المناخي، أنّ الولايات المتحدة المعروفة بأنّها بلد العلم تتنكر للعلم في هذا الشأن الحيوي. لكنّ هذا التنكّر سياسي، فالغالبية الكاسحة من العلماء الأميركيين ما برحت تحذر من التمادي في تجاهل ظاهرة الاحتباس الحراري. الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) تصدر التقرير تلو الآخر بالمؤشرات والظواهر التي تدق جرس الإنذار وتدعو إلى التحرك السريع لوقف الانزلاق إلى نقطة "اللا رجوع الكارثية". في آخر معلوماتها أنّ الغطاء الجليدي في القطبين الشمالي والجنوبي والذي توفر انعكاساته البرودة المناخية "بدأت سماكته تتقلص ومساحته تنكمش". كذلك، أفادت عمليات رصد "ناسا" أنّ مياه البحار أخذت في الارتفاع 0.7 إنش (1.8 سم) سنوياً بين 2002 و2014، في كثير من السواحل، خصوصاً في ولايتي فلوريدا وكاليفورنيا.
هل تشكل هذه الزلازل المناخية المتنوعة صحوة من باب أنّه "ربّ ضارة نافعة" وتحمل الناكرين لسخونة المناخ، على اليقظة وفرك عيونهم جيداً قبل فوات الأوان؟ ربما يحصل ذلك، لكن بعد انكشاف خسائر الأعاصير الهائلة التي لم تتضح بعد.