ربما تكون لحظة موت روي في فيلم "بليد رانر" (1982) للمخرج ريدلي سكوت، اللحظة المفضلة لديّ من بين كل مشاهد الموت السينمائي.
يجلس روي (الإنسان البديل) منتظراً الموت، ويدخل في مناجاة أو مونولوغ فاتن: "رأيت أشياء لن تصدقوها أنتم أيها البشر"؛ مستعيداً مشاهد سفن الحرب وهي تشتعل والانفجارات وهي تبرق في ظلمة الفضاء، في عبارات تذكّر بنيران الإلياذة وسفن أخيل.
يختصر روي (الإنسان البديل) ألم الحضارة وألم الإنسان في الحرب والموت: "كل هذه اللحظات ستضيع في الزمن، مثل دموع في المطر. حان وقت الموت".
يلفظ روي كلمة "لحظات" بتلك الدقة والتحديد، بهذا الإحساس العميق بقيمة خسارتها، وبالإحساس الفادح بالخسارة الكبرى المقبلة؛ فقدان الحياة، هذه التي تظلّ عظيمة حتى وهي تتلاشى مثل دموع في مطر.
في مشهد سابق من الفيلم نفسه، يتواجه روي مع العالِم الذي صنعه، يسأله الأخير "ما المشكلة"، ليرد: "الموت"، حتى يعود الصانع لتذكيره "لقد صُنعت لتفنى". استعادة هذا الفيلم اليوم، ومعه أخيل وهرقل وأوديسيوس، تتكرّر لدى مشاهدة "العائد" و"المرّيخي" الذي أخرجه سكوت أيضاً، فسواء عادت السينما إلى القرن التاسع عشر أو سافرت في فضاء الخيال العلمي، فهي تغرف من المنبع ذاته؛ الأساطير والملاحم، الإغريقية خصوصاً، ويظل موضوعها مغالبة الموت والبحث عن الإنسان القادر، واهماً، على هزيمته.
ألا يبحر المهاجرون مدفوعين بالوهم نفسه؟
اقرأ أيضاً: إلى المنارة