"أجد صعوبة في ايجاد عقار الأنسولين منذ أشهر. أحاول أن أحصل عليه من بعض التجار الذين يبيعونه في السوق السوداء بأسعار باهظة جدا". يتحدث المواطن اليمني سعيد المخلافي المصاب بداء السُكّري لـ"العربي الجديد" عن معاناته في ظلّ انقطاع أصناف مهمة من الأدوية في صيدليات محافظته تعز (وسط). وهو ما ينسحب على معظم المحافظات الأخرى بما فيها العاصمة صنعاء.
الحرب التي تعيشها اليمن والحصار يضطر المخلافي وآلاف المرضى الآخرين إلى طلب الأدوية من صنعاء. هناك تُؤمّن من السوق السوداء بأسعار مرتفعة. يقول: "يمنع المسلحون دخول الأدوية إلى المحافظة منذ أشهر طويلة، لكنّ أقربائي في صنعاء يرسلون لي ما أحتاجه من أدوية السكري والضغط. بينما يتحمل الكلفة أحد فاعلي الخير". فهو لا يمكنه تحملها كغيره من الفقراء في قريته. يشير المخلافي إلى أنّ بعض المرضى في القرية المجاورة ماتوا بسبب ارتفاع السكر والضغط ولم يتمكنوا من توفير الدواء لعدم امتلاك المال.
أما عزيز عبد الكريم (52 عاماً)، فقد نجا من جلطات دماغية خفيفة وتلقى الإسعافات في المستشفى ثلاث مرات بسببها، بعد انقطاع الأنسولين في الصيدليات. وهو الأمر الذي اضطره إلى شراء ثلاجة خاصة بحفظ الأدوية لتخزين كميات من الأنسولين بعد شرائها من السوق السوداء أو من خلال ما يتم توزيعه من بعض المستشفيات الحكومية بين فترة وأخرى.
يقول: "قبل الحرب، لم أكن أهتم بشراء الأنسولين فقد كان متوفراً في أيّ صيدلية، لكنّه بدأ بالاختفاء. حرص أبنائي على توفير الأنسولين بكميات تكفي لأكثر من 3 أشهر لحظة توفرها لدى تجار السوق السوداء". كما يلفت إلى أنه يخسر مبالغ كبيرة مقابل توفير الأنسولين.
لا يختلف الحال بالنسبة للمواطنة عبير الحمادي المصابة بسرطان الثدي، فهي تضطر لشراء أدويتها من الأردن أو مصر. تقول لـ "العربي الجديد": "توقفت المراكز التي كانت تزودنا بالأدوية بشكل نهائي عن ذلك، ما اضطرنا إلى الاستعانة بالمسافرين ليشتروا لنا من الخارج".
من جهته، يؤكد مدير إحدى الصيدليات في صنعاء عبد الناصر الزبيري، أنّ اليمن يعاني من انقطاع عدد من الأصناف الدوائية نتيجة الحصار المطبق عليه، واستغلال بعض شركات الأدوية الوضع واحتكارها بعض أصناف الأدوية التي تحصل عليها من خلال التهريب. ويشير الزبيري لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المهربين يوصلون بعض الأصناف المطلوبة "عن طريق عُمان والسعودية، ويبيعونها في السوق السوداء حيث يتضاعف ثمنها عدة مرات، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة".
وتعاني اليمن اليوم تحديداً من انعدام تام للقاحات الأطفال، ومعظم الأدوية التخصصية والأمصال، ومنها أدوية السكري والصرع والسرطان وأمراض الدم. وكان بعض هذه الأصناف يصل عن طريق البحر والجو من دول الاتحاد الأوروبي. وهو ما يحول الحصار الحالي دون تحققه.
مع ذلك، يتوفر كثير من الأصناف الدوائية الأخرى في الأسواق لتوفر مخزون كبير منها لدى المستوردين يكفي لأكثر من عامين، خصوصاً أنّ فترة صلاحيتها تصل لثلاث سنوات بحسب مسؤول العلاقات الخارجية في إحدى شركات استيراد الدواء الكبرى فيصل محسن.
يقول محسن لـ"العربي الجديد" إنّ "عدداً من المصدّرين من دول الخليج والأردن مستمرون في تصدير المنتجات إلى اليمن عبر منفذ الوديعة الحدودي". وهو ما يسمح برفد سوق الأدوية بالأصناف الشعبية المختلفة. ويشير إلى أنّ وزارة الصحة "لم تبذل جهوداً حقيقية لتوفير الأصناف التخصصية، أو تعمل حتى على توفير ممرات آمنة للسماح باستيراد هذه الأصناف من مختلف بلدان العالم". وهو ما تسبب بارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير نتيجة صعوبة الاستيراد وارتفاع أسعار النقل والتأمين على الشحنات المستوردة.
اقرأ أيضاً: الوضع الإنساني يتفاقم في اليمن