يواجه اليمنيون في الوقت الراهن الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا الجديد، بانعكاسها على المنظومة الصحية المنهارة أساساً في البلاد من جراء الحرب التي بدأت قبل سنوات، فيما يعانون أيضاً من نقص المساعدات.
لعلّ أبرز الأضرار التي خلفتها أزمة كورونا في المؤسسات الصحية في اليمن المنهارة أساساً بفعل الحرب التي بدأت عام 2015، وفاة عشرات الأطباء والعاملين في المجال الصحي من جراء إصابتهم بالمرض. يأتي هذا في الوقت الذي أقدمت فيه بعض المنظمات الدولية على وقف نشاطها في كثير من المراكز الصحية لعدم توفر الدعم اللازم، ما تسبب بأزمة إنسانية حرمت 19.7 مليون شخص من الرعاية الصحية، بحسب الأمم المتحدة.
وبسبب الإقبال الشديد على المستشفيات، بالإضافة إلى الإجراءات الاحترازية التي تنفذها المؤسسات الصحية للحدّ من انتشار فيروس كورونا، يجد سكان العاصمة صنعاء صعوبة في الحصول على الخدمات الصحية، لا سيما في المستشفيات الحكومية. وفي السياق، تقول المواطنة سميرة العريقي إنّها عانت كثيراً حتى وجدت سريراً لوالدتها المصابة بمشاكل صحية في الكلى. تضيف أنّها ظلت تبحث عن مستشفى حكومي يستقبل والدتها المصابة بأمراض في الكلى، ولم تحصل على ذلك لولا توسط أحد معارفها. تواصل: "أحد أقاربي توسط لنا في مستشفى الثورة، واستطعنا إدخالها إلى مركز الكلى. نعرف أنّ عملية إيجاد سرير في السابق كانت صعبة، لكنّها اليوم باتت أكثر صعوبة بسبب انتشار فيروس كورونا". تشير إلى أنّ المستشفيات تنفذ إجراءات احترازية كي لا ينتقل الفيروس إلى المرضى المعرضين للخطر بسبب مناعتهم المنخفضة.
أما المواطن هاني عبد الكريم، فقد فوجئ أخيراً بأنّه مضطر لشراء معظم احتياجاته الصحية عندما كان في المركز الصحي الحكومي في وسط صنعاء، الذي اعتاد على نقل أفراد أسرته إليه عندما يمرضون. ويقول عبد الكريم إنّه اشترى "المغذيات والحقن والكانيولا (القنية الوريدية) والشاش والأربطة وغيرها من المستلزمات"، نظراً لعدم توفرها في المركز الصحي. يضيف: "لا أدفع عادة إلا رسوماً رمزية للمركز أو لشراء الأدوية، لكن لأول مرة أشتري هذه المستلزمات بنفسي من الصيدلية. هذا الوضع الجديد يحمّل المواطن أعباءً جديدة في ظروف بالغة الصعوبة".
ويخلو كثير من المراكز الطبية من المستلزمات المطلوبة لتقديم الخدمات للمواطنين، بحسب جواهر المخلافي، العاملة الصحية في مركز "الرازي" الطبي في صنعاء. تقول إنّ "أبسط الاحتياجات الصحية غير متوفرة في المركز الذي أعمل فيه. نحتاج إلى المستلزمات المتعلقة بالجراحة والإسعافات الأولية للمرضى الذين يُنقلون إلى المركز، مثل حقن الحمى والمهدئات أو حتى السبيرتو (الكحول الطبي). لكن الأهم أنّنا نحتاج لعاملين صحيين وأطباء لأنّ أغلب الأطباء تركوا العمل في الدوائر الحكومية وذهبوا إلى المستشفيات الخاصة بسبب عدم صرف الرواتب". تصف هذه المعضلة بـ"أكبر مشكلة تواجه العاملين في القطاع الصحي اليوم". وتؤكد أنّ المركز الذي تعمل فيه وغيره من المراكز الصحية الحكومية "تعاني من انقطاع الأدوية والإمدادات الطبية، لا سيما التي تقدم للمواطنين مجاناً، ما يتسبب في حرمان المستفيدين من الخدمات الصحية المتكاملة، ويقابل هذا تزايد أعداد المرضى المترددين على المركز الصحي".
من جانبه، يؤكد المتحدث الرسمي باسم لجنة الطوارئ في محافظة تعز (وسط) الدكتور أحمد منصور، أنّ جائحة كورونا أثرت كثيراً في القطاع الصحي في اليمن عموماً، وفي تعز خصوصاً، بالترافق مع تفشي أمراض وبائية أخرى، وعدم توفر بنية تحتية قادرة على مواجهتها. ويقول منصور إنّ الجهات الداعمة والسلطات المحلية والكادر الطبي باتت تركز على جائحة كورونا على حساب الأمراض المزمنة والحمّيات الأخرى، "ما أدى إلى تفاقم معاناة مرضى كثيرين ووفاة بعضهم. يلفت إلى أنّ عدم توفر وسائل الحماية الشخصية من فيروس كورونا في بداية تفشيه "دفع بعدد كبير من الأطباء إلى المكوث في منازلهم، فتضررت المستشفيات العامة والخاصة، لكن بمرور الوقت بدأت هذه المشكلة بالتلاشي". وبحسب المكتب التنفيذي الأعلى لنقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين، فإنّ إجمالي عدد الأطباء الذين توفوا بفيروس كورونا الجديد، منذ تفشي الوباء في البلاد، بلغ 45 طبيباً حتى 13 يوليو/ تموز الجاري.
وفي العاصمة السياسية المؤقتة عدن (جنوب)، يبحث المواطن خليل الدبعي عن فرصة للسفر إلى مصر لعلاج صهره الذي أصيب في عموده الفقري من جراء حادث سير في عدن. يقول الدبعي: "لم يعد هناك أطباء متخصصون في العمود الفقري في عدن، فقد غادر كثير من الاختصاصيين اليمن خلال الفترة الماضية بحسب كلام الأطباء". يشير إلى أنّ السفر إلى الهند أو مصر هو الخيار القابل للتطبيق حالياً. يضيف أنّ أفراد أسرته يعملون على توفير تكاليف السفر والعلاج خارج البلاد: "يحاول صهري بيع بعض ممتلكاته كي يوفر تذاكر السفر له ولأحد المرافقين، وكذلك تكاليف العلاج في الخارج".
تجدر الإشارة إلى أنّ صندوق الأمم المتحدة للسكان قد أعلن عن تعليق خدمات الصحة الإنجابية في 140 منشأة صحية من أصل 180 في اليمن. وقال الصندوق إنّ نحو 40 في المائة فقط من المرافق الصحية في اليمن تقدم خدمات الصحة الإنجابية. وأشار إلى أنّ منظمات الأمم المتحدة لجأت إلى تقليص خدمات أو إغلاق 31 من 41 من البرامج الإغاثية في اليمن بسبب نقص التمويل، منها المشاريع المتعلقة بالمياه والصرف الصحي الضرورية اللازمة لكبح انتشار فيروس كورونا وغيره من الأمراض الخطيرة.