يتوسط أسامة العامري، وهو شاب في العشرينيات من عمره، أحد المراكز التجارية في شارع هائل، شمال غرب صنعاء، بعد قيام السلطات بتعقيمه وإعادة فتحه، لينادي بصوت مرتفع للفت اهتمام المارة والمتسوقين إلى السلعة التي يروج لها، في طريقة عرض جاذبة تتمثل بسعر واحد وثابت لكل قطعة من الملابس.
ولم يمنع هذا النمط المنتشر حاليا في أسواق الملابس اليمنية التي تتحدى إجراءات مكافحة فيروس كورونا، من ارتفاع الأسعار رغم حالة الركود الشديدة التي يعاني منها التجار خلال الفترة الأخيرة.
يقول العامري إن طريقة السعر الموحد تناسب الأوضاع الراهنة وهي محاولة لجذب المستهلكين.
وتشهد أسواق الملابس في صنعاء ومدن يمنية أخرى حركة شبه اعتيادية، في تجاهل واضح للإجراءات الاحترازية التي تتخذها السلطات لمكافحة فيروس كورونا، بينما تعاني أسواق الملابس من ركود في عدن وحضرموت، جنوب اليمن، على غير العادة.
وعلى الرغم من انتشار سلع كثيرة خرجت من مخازن التجار كانت مركونة منذ سنوات، إلا أن أسعار بعضها مرتفعة بنسبة تزيد على 400% عما كانت عليه العام الماضي، وبشكل يفوق قدرات اليمنيين الشرائية، في ظل أزمة معيشية صعبة وتوقف دخل كثير من المواطنين بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ ما يزيد على خمس سنوات.
وتكلف السلعة الواحدة المكونة من بنطلون وقميص وجاكيت لطفل بعمر العشر سنوات نحو 15 ألف ريال في المحال والأسواق الشعبية، بينما في المراكز التجارية يتجاوز سعرها 20 ألف ريال، علماً أن الدولار انفلت سعره إلى 755 ريالاً للدولار الواحد.
ويؤكد المواطن نصر السعدي (40 عاماً)، الذي كان يتجول في شارع جمال التجاري في منطقة التحرير، وسط صنعاء، حيث يبحث عن شراء ملابس لأطفاله الثلاثة، أنه وجد صعوبة كبيرة في الشراء بسبب ارتفاع أسعار الملابس، وبالذات الملابس الخاصة بالأطفال.
يقول السعدي لـ"العربي الجديد"، إن الأسواق تغرق بكل ما هب ودب من الملابس بمختلف أنواعها وأشكالها وأحجامها، حيث تتدفق على الأسواق بصورة واسعة بحسب طلب التجار عبر الاستيراد أو التي في المخازن وأصبحت رديئة.
من جانبه، يؤكد تاجر الملابس محمد العباسي أن الحرب الدائرة في اليمن منذ خمس سنوات وتبعات مكافحة فيروس كورونا، كانت لها أضرار بالغة على العمل التجاري ليس فقط في اليمن بل في جميع دول العالم، لكن اليمن أكثر تأثراً لاعتماده على الاستيراد بشكل رئيسي.
وبينما تعتمد الأسواق اليمنية على تركيا والهند ومصر وسورية، إضافة إلى ما تنتجه معامل ومشاغل الخياطة التي تعد مهنة رائجة في اليمن، يرتبط السعر بنوعية القطعة، وفق تأكيدات العباسي لـ"العربي الجديد"، باستثناءات بسيطة في بعض الموديلات الحديثة.
وتسببت الحرب وإغلاق التحالف منافذ التصدير والاستيراد البرية والبحرية والجوية في تنامي ظاهرة الغش في السلع والخدمات، سواء كان في الغذاء والدواء أو قطع غيار السيارات أو مواد التجميل أو الملابس وألعاب الأطفال، والتي أصبحت ظاهرة متجذرة في الأسواق اليمنية.
وأصبحت السلع المغشوشة تشكل، حسب تقديرات رسمية، ما بين 50 و60% من حجم التجارة في اليمن، وهو الأمر الذي يلحق أضرارا بالغة بالمستهلكين.
وتشهد صعدة (أقصى الشمال)، حركة تجارية، كما يقول العباسي لـ"العربي الجديد"، رغم الأوضاع الصعبة في المحافظة الحدودية مع السعودية والتي تعد المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي، والتي تشهد معارك متواصلة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن.
في المقابل، تتركز تجارة الملابس في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، على البسطات ومع الباعة الجائلين، مع إقبال المتسوقين القادمين من الأرياف، إذ وجدوا فيها ملاذاً مناسباً للتبضع واقتناء حاجاتهم من الملابس بسبب الفارق السعري المنخفض مقارنة بالأسعار المتداولة في المحال التجارية الخاصة بالملابس، كما يفيد المواطن عبد الجبار الشرجبي، الذي قطع مسافة شاقة ومضنية من إحدى القرى الواقعة شمال تعز.
ووجد كثير من العمال والموظفين ممن فقدوا رواتبهم في تجارة الملابس على البسطات في أرصفة شوارع تعز فرصة سانحة ومناسبة للعمل وتوفير مصدر دخل لمواصلة حياتهم بأبسط الإمكانيات المتاحة.