ولا يتوقف الجدل في اليمن عند الأسباب التي تحول بين تحرير القوات الحكومية مدنا كالعاصمة صنعاء وتعز، رغم توفر الإمكانات والغطاء الجوي الذي يوفره التحالف العربي.
وبين من يرجع تأخر الحسم إلى أسباب عسكرية وجغرافية، وبين من يرى في خلفية ما يحدث حسابات سياسية، بدا واضحاً أن ثقة الشارع المؤيد للشرعية في التحالف العربي بدأت تتراجع مع بروز أجندة سياسية لأطراف في التحالف وتحديداً الإمارات تستهدف في المقدمة "حزب الإصلاح" الإخوان المسلمين، بعيداً عن مهمة إعادة الشرعية وإنهاء انقلاب الحوثيين.
وعلى ما يبدو، فإن لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد برئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي، يوم الأربعاء الماضي، والذي يعد الأول من نوعه منذ تدخل التحالف العربي، يأتي في سياق إزالة المخاوف بين الطرفين لصالح المعركة ضد الحوثيين، في ظل فشل ورقة حزب "المؤتمر الشعبي العام" في كسر شوكة الحوثيين من داخل صنعاء بعد مقتل زعيمه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الحالي على يد الحوثيين، ومساعي التحالف لإعادة لملمة الحزب الذي يعاني انقساماً واضحاً بعد رحيل صالح.
وجاءت تظاهرة الثلاثاء الماضي بمدينة تعز، والتي شارك فيها الآلاف، لمطالبة التحالف والحكومة بسرعة الحسم وتقديم الدعم اللازم للجيش لتحرير المحافظة، لتعكس حجم المعاناة التي تتعرض لها المدينة التي وقعت ضحية "إهمال" التحالف لحسابات سياسية تتعلق بترتيبات ما بعد التحرير، وقصِف الحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من المحافظة. كما لا يختلف الوضع في العاصمة صنعاء التي هرول التحالف لتحريرها عند أول إشارة للرئيس السابق علي عبدالله صالح للتخلي عن الحوثيين، قبل أن يأتي مقتل الأخير ويلخبط حسابات المعركة، وهو ما يشير إلى أن التحالف كان أجرى تفاهمات مع حزب صالح ليكون البديل عن الحوثيين في صنعاء.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها لمسؤول حكومي، اعترف نائب رئيس الوزراء، وزير الخدمة المدنية، عبدالعزيز جباري بأن أطرافا في التحالف، في إشارة ضمنية إلى الإمارات، تؤخر حسم المعركة خوفاً من سيطرة حزب الإصلاح، الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن.
ولفت جباري في مقابلة تلفزيونية إلى أن الجيش الوطني لديه القدرة على حسم المعركة مع الحوثيين، لكن هناك من يفكر أنه إذا انتصرت الشرعية على الحوثي سيسيطر الإصلاح على اليمن، قبل أن يضيف قائلاً "نحن تقييمنا غير هذا التقييم، الإصلاح حزب سياسي ولا يمكن أن تتاح له السيطرة على كامل اليمن، وقلناها للمسؤولين في التحالف وبعض السفراء إنه لا يمكن لنا كقوى سياسية أو مجتمع مدني أن نترك الفرصة لأي فصيل مهما كان أن ينفرد بحكم الشعب اليمني، ويمثل خطورة على دول الإقليم لأن هذا يشكل كارثة علينا".
وتأتي تصريحات جباري انعكاساً لتطورات المعارك على الأرض، فباستثناء ما تقوم به تشكيلات عسكرية جنوبية بإشراف إماراتي من التقدم في السواحل الغربية وأخيراً تحرير مدينة الخوخة الساحلية، لا يزال تقدم الجيش بطيئاً في جبهات نهم شرق صنعاء، وميدي وحرض شمال البلاد، فضلاً عن جبهات تعز التي تحوّل الوضع فيها إلى ما يشبه حرب استنزاف، وذلك على ما يبدو مرده إلى مخاوف التحالف من سيطرة "مفترضة" لحزب الإصلاح على هذه المناطق بعد تحريرها.
وكان محافظ الجوف، اللواء أمين العكيمي، قد أبدى استياءه من هذا الوضع في وقت سابق. وقال في تصريحات صحافية إن الجيش على استعداد كامل لتحرير ما تبقى من أراضٍ تحت سيطرة الحوثيين، لكنه يفتقر إلى توجيهات الحكومة والتحالف بهذا الخصوص.
وتتزامن حالة الإهمال لتلك الجبهات مع هجوم مستمر من قبل الأذرع الإعلامية للإمارات على قيادات الجيش والسخرية من بطء التقدم في هذه الجبهات، في مقابل إشادات بالقوات الجنوبية وتقديمها كحليف قوي للتحالف.
ويبدو واضحاً أن سير المعارك وتقدم الجيش الوطني والمقاومة بات مرهوناً بترتيبات ما بعد التحرير، فالإمارات المعروفة بخصومتها مع تيارات الإسلام السياسي لا ترغب في سيطرة مناطق تشكل حاضنة لحزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي، وهو ما يفسر إنشاءها تشكيلات مسلحة موالية لها في كل المناطق التي حررت بإشرافها، بدءاً من عدن مروراً بلحج وأبين والمخاء ووصولاً إلى الخوخة التي يقدم فيها إعلام التحالف "الحرس الجمهوري" الموالي لأحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس السابق، كرقم صعب في المعركة تمهيداً لتسليمه المناطق المحررة في المحافظة على ما يبدو.
ولا يستبعد سياسيون، أن التحالف يهدف من وراء تأخير الحسم إلى إنهاك الأطراف السياسية غير المرغوب بها. وفي المقابل دعم كيانات سياسية وعسكرية لتتولى زمام الأمور فيما بعد في المناطق المحررة.
وبالتزامن برزت دعوات تطالب حزب الإصلاح بحل نفسه، تحت مبرر إزالة مخاوف دول الإقليم، بالرغم من مشاركة الحزب في الحكومة الشرعية، وتأكيده المستمر على الوقوف إلى جانب التحالف العربي والحكومة الشرعية في مواجهة انقلاب الحوثي، وهو ما حذر منه سياسيون يمنيون باعتبار ذلك تفكيكاً لكتلة صلبة في البلاد تواجه الحوثيين، وتكريسا للوضع المليشياوي على حساب العمل السياسي.
في ذات السياق، قال الصحافي والكاتب السياسي محمد الشبيري، إن الحسابات السياسية كانت حاضرة منذ بدء الحرب في اليمن، وهو وضع طبيعي في علاقات الدول ببعضها، لكن الغريب في الحالة اليمنية أن خصم الشرعية والتحالف واحد، مليشيا مسلحة تفرض وجودها بقوة السلاح، ونعني هنا الحوثيين.
ولفت الشبيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "كان يمكن أن يكون لحسابات التحالف معنىً منطقي لو أنها تمت بعد تحرير الأرض من الحوثيين وعودة الدولة اليمنية، لكن أن يخضع سير المعارك التي ما تزال تدور رحاها لحسابات سياسية، فإننا أمام وضع ملتبس حقاً ويدعو للريبة". وأشار إلى أنه "يوجد جبهات قتال تعثرت وطال أمدها بسبب الحسابات السياسية الضيقة هذه، ولولاها لكانت حسمت المعركة مبكراً، وكان حجم الخسائر والاستنزاف أقل بكثير مما حصل". وذكّر بأن الإماراتيين يرون في أحزاب "الاسلام السياسي"، عدواً لدوداً، ولا يفرقون بين حزب الإصلاح وحزب الرشاد أو أي حزب ذي صبغة إسلامية، لكن لأن وجود الإصلاح قوي في الشرعية يتم التركيز عليه.
وبرأي الكاتب السياسي فإن التخوف الإماراتي غير مبرر، لا سيما في ظل تطمينات يعبر عنها "الإصلاح" بين حين وآخر، وتأكيده على يمنية المنشأ والمنطلق، وعدم ارتباطه بعلاقات خارجية، وهو ضمن مكوّن الشرعية اليمنية التي تواجه الحوثي، عدو التحالف العربي.
وعن مستقبل المعارك على الأرض، قال الشبيري إنها مستمرة، إلا أن هذه الحسابات تحبطها في أحيان كثيرة وتؤخر عملية الحسم، لكنها لن توقفها أو تحدّ من فاعليتها. والأكيد أن تمتين الثقة بين حلفاء الشرعية يزيد من قوتها، وما دون ذلك يصب لصالح الانقلابيين.
من جهته أكد الباحث السياسي، عدنان هاشم، أن الحسابات السياسية باتت تتحكم في سير المعارك مع الحوثيين على الأرض، وهي حسابات "ضيقة مشبعة بالإقصاء والاستهداف الممنهج"، ولا يبدو أن المعارك ستحرز تقدماً ضد الحوثيين ما لم يتم القفز عليها.
وأشار هاشم في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن حديث نائب رئيس الوزراء عبدالعزيز جباري يؤكد أن ما تقوم به الإمارات من حسابات سياسية تستهدف السيادة والدولة اليمنية الناشئة في مناطق سيطرة الحكومة، الأمر الذي يضعف دور الحكومة الشرعة في معركتها مع الحوثيين في الشمال. واستبعد هاشم إحراز التحالف أي تقدم حقيقي على الأرض ما لم يعد حساباته التي وصفها بـ"الخاطئة" بشأن الحوثيين أولاً وبشأن الحلفاء المحليين ثانياً.