14 نوفمبر 2024
اليمن.. الحوثيون من الانقلاب إلى التمكين
تتجه قاعدة "التمكين"، في اليمن، إلى أن تعدّ حقا إلهيا مقدّسا، وفق شروط الغلبة والاستقواء بالخارج، بغرض إكراه اليمنيين وقهرهم، مهما أفضت هذه السياسة إلى تأبيد الحرب المؤقلمة، إذ لا يأتي تفضيل القوى والأحزاب والجماعات بناءً على برنامجها السياسي، أو خطابها الوطني، وبقاعدة الانتخاب، وإنما وفق ما يريده المتغلبون الإقليميون وحلفاؤهم المحليون، فالمصائب في اليمن لا تأتي فرادى، وكأنما لا تكفي اليمنيين خمس سنين من انقلاب جماعة الحوثي، وتسبّبها بحرب ظالمة، أتت على كل شيء، فيما يواجهون اليوم واقعا مليشياويا لا مثيل له، تتغوّل فيه مليشيات متعدّدة في شمال اليمن وجنوبه، مليشيات جاءت من رحم الحرب، وبدعم أطرافها الإقليمية، إلا أن الأنكى من هذا الواقع الكابوسي أن القوى الإقليمية التي تدخلت في اليمن، تحت لافتة إعادة السلطة الشرعية اليمنية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى السلطة، وتقليم قوة المتمرّدين الحوثيين، قوّضت اليوم ما تبقى من شرعية هشّة، ومكّنت جماعة الحوثي قوة وحيدة مهيمنة على نحو نصف اليمن.
رجّحت سياقات الحرب الحالية في اليمن تفوّق جماعة الحوثي على خصومها، إلا أن هذا لم يتأتَ من عوامل قوة ذاتية، وإنما لاتكاء الجماعة على صراعات خصومها بدرجة رئيسية، وهو ما عزّز من سلطتها في المناطق الخاضعة لها، بيد أن ذلك ليس سبباً كافياً لتقييم قوة الحوثي في الوقت الحالي، إذ أكدت مسارات خمس سنين من الانقلاب، بما في ذلك سنوات الحرب، أن السعودية، قائدة التدخل العسكري في اليمن، لم تهدف إلى تجحيم جماعة الحوثي، أو إزالتها من الخريطة السياسية في اليمن، وإنما إبقاء الجماعة خطراً وشيكاً على حدودها، وعلى اليمنيين،
بشكل يمنحها ذلك غطاءً إقليمياً ودولياً للوصاية على اليمن. ومن جهة أخرى، استمرار شرعية تدخلها في اليمن في المستقبل، تحت مبرّر الدفاع عن النفس في مواجهة المد الإيراني، ولذلك وجهت استراتيجيتها إلى تشعيب الصراع في اليمن، إذ دفعت الإمارات، ومن ورائها السعودية، قواعد الاشتباك في اليمن، من خلال حلفائها المحليين، إلى تجريف السلطة الشرعية، في مقابل تعضيد سلطة جماعة الحوثي التي أصبحت أكثر تماسكاً من السنوات الأولى للانقلاب، فضاعفت قدرتها العسكرية، وطوّرت الجماعة منظومتها العسكرية، ودخلت الطائرات المسيّرة، لأول مرة في هذا العام، خط المواجهة غير المباشرة مع السعودية، إلى جانب الصواريخ الباليستية المعدّلة محلياً، التي تطاول وبشكل يومي عمق المنشآت السعودية الحيوية. وبالتالي، فإن علاقة الدول المتدخلة في اليمن بجماعة الحوثي تبادلية، تكرّس وجود أحدهما لشرعنة الآخر، وبقائهما شوكة في خاصرة اليمن واليمنيين.
تتويج المصالح المتبادلة بين الخصوم الإقليميين والمحليين في اليمن يتمظهر في الساحة الجنوبية أكثر من غيرها، فمن جهة، حرف صراع الفرقاء في جنوب اليمن مسار الحرب في اليمن، في الوقت الحالي، إذ حوّل الصراع مع جماعة الحوثي إلى صراع ثانوي في هذه المرحلة، والتي قد تطول، وذلك قبل حسم السلطة في جنوب اليمن، وهو ما يمنح جماعة الحوثي وقتاً طويلاً لتثبيت قبضتها في مناطقها، أو التوسّع إلى مناطق أخرى على حساب مواقع السلطة الشرعية. من جهة أخرى، أسهم انشغال خصوم الحوثيين المحليين في صراع السلطة في خفض التهديد في مناطق المواجهات، ووقف جبهات الحرب الرئيسية ضد جماعة الحوثي، ما جعل مقاتلي الحوثي يتحوّلون إلى موقع الهجوم في أكثر من منطقة يمنية، سواء في أطراف مدينة الحديدة، أو في شمال مدينة حجّة. واستعادوا أخيرا مواقع عسكرية في منطقة كتاف في مدينة صعدة، وذلك بعد مجزرة مروّعة قضى فيها مئاتٌ من مقاتلي الشرعية اليمنية. وبالتالي، يصبّ صراع الفرقاء في جنوب اليمن، وفي كل الحالات، في صالح جماعة الحوثي، ففي حال حسمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، السلطة في جميع المناطق الجنوبية، فذلك يعني، في الأخير، سحب المقاتلين المنتمين للمناطق الجنوبية، أو تخفيض أعدادها، وهو ما سيؤثر على بعض الجبهات في الشمال، وتحديداً في الحديدة والساحل الغربي، إذ إن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي لا ترى في جماعة الحوثي تهديداً لها، لأن معاركه تنحصر في شمال اليمن، وهي قضية شمالية بحسب أجندته، كما أن سيطرة المجلس الانتقالي تعني بالنسبة لجماعة الحوثي تكريس قوة مليشياوية، ذات نزعة انعزالية مثله تماماً، إضافة إلى انسجام توجهات المجلس الانتقالي المستقبلية مع الخط السياسي الجديد في اليمن الذي أحدثه التقارب الإماراتي ــ الإيراني أخيرا، أي تثبيت سيطرة جماعة الحوثي في شمال اليمن، في مقابل تكريس سلطة المجلس الانتقالي في الجنوب. وفي حال حسمت السلطة الشرعية الصراع في جنوب اليمن، وإن كان هذا مستبعداً وفق التطورات الأخيرة، أو على الأقل تموضعت في مناطق محدّدة في الجنوب، فذلك يعني استنزافها عسكرياً، ومن ثم تخفيف الضغط على جماعة الحوثي في مناطق المواجهات في شمال اليمن.
في النهاية، أثبتت مسارات الحرب في اليمن أن الوكيل السعودي - الإماراتي في الإقليم لا
يكرس أجندته من دون ضوء أخضر من راعيه الدولي، ومن ورائه المجتمع الدولي، وتمثل الحالة اليمنية نموذجاً على ذلك، فقد أدّى انكشاف الموقف السعودي ــ الإماراتي في صراع السلطة في جنوب اليمن إلى تبني الإدارة الأميركية موقفاً مغايراً من الأزمة اليمنية. وبالطبع، ليس بهدف إنهاء مأساة حرب تقتل اليمنيين، وإنما لإيجاد مخرجٍ لحليفها السعودي، لا يضر بمصالحها في المستقبل، فقد سرّبت الإدارة الأميركية، أخيرا، دعمها للقاءات بين قادة حوثيين ومسؤولين سعوديين في مسقط، للانخراط في تسويةٍ ثنائية. وبعيداً عن مصداقية تكذيب الموقف الرسمي السعودي لانعقاد هذه اللقاءات من عدمه، إلا أن الإدارة الأميركية تسعى إلى التسريع بفرض تسوية سياسية شاملة في اليمن، حتى لو كان ذلك تحايلاً على جذر المشكلة اليمنية، على ألا تخرج صيغة الحل عن مضامين مبادرة وزير الدفاع الأميركي السابق، جيمس ماتيس، وهو إقامة منطقة عازلة في الحدود اليمنية ــ السعودية، وتكفل جماعة الحوثي بحماية الحدود، في مقابل تكريس الجماعة سلطة مستقلة حاكمة في شمال الشمال. وحتى في حال تخريج تسوية جديدة بمقتضى تطورات الصراع في جنوب اليمن، فإنها لن تخرج عن فحوى شرعنة سلطة جماعة الحوثي في مناطقها. وبالتالي، ستدخل الجماعة أي مفاوضات سياسية مقبلة وفق شروطها، باعتبارها القوى المليشياوية الوحيدة في اليمن المتماسكة منذ بدء الحرب؛ فيما رجّحت أجندة المجتمع الدولي في اليمن كفّة جماعة الحوثي، حتى في حال تغيّرت صيغة التوافقات المحلية والإقليمية، حيال رأس السلطة الشرعية، فإن الجماعة ستظل، كما أرادت القوى الكبرى، ممثلة في أي سلطة يمنية مستقبلاً.
بما أن الرياح وجهت الدفّة نحو تمكين جماعة الحوثي لتحقيق مصالحها في اليمن، فإن الجماعة سعت إلى مواكبة هذه المتغيرات، فمن جهة، حرصت على تخليق خطابٍ يتماشى مع المرحلة، وإن كان كالعادة نرجسيا، لا يخفي نزعة الاستعلاء لجماعة دينية مغلقة، بغرض تقديم نفسها قوة حريصة على وحدة الصف اليمني، إذ شكلت جماعة الحوثي، أخيرا، لجنة للمصالحة الوطنية، دعت خصومها من القوى السياسية إلى الحوار، بمن فيهم فرقاء السلطة في جنوب اليمن، وإن كانت الدعوى البائسة تحوي قدرا من المفارقات المضحكة، وهو أن تأتي دعوة المصالحة الوطنية من أكبر منتهكٍ لليمنيين، والمتسبّب الرئيس في شتاتهم. ومن جهة ثانية، استثمرت جماعة الحوثي صراع الفرقاء في جنوب اليمن لتسويق نفسها إقليمياً ودولياً، ونجحت في تمتين علاقتها مع روسيا، والأهم هو اعتراف إيران، حليفها الإقليمي، بها سلطة حاكمة في صنعاء، وذلك بعد قبول اعتماد سفيرها في طهران. ويبدو أن المتغيرات في صعيد التحالفات المحلية والإقليمية في معسكرات الحرب في اليمن، بما في ذلك اتضاح أجندات القوى الإقليمية في اليمن، دفعت إيران إلى تبنّي سلطة جماعة الحوثي رسميا، بهدف استثمار ورقة حليفها المحلي في ملفاتٍ إقليمية أخرى، أكثر أهميةً من الساحة اليمنية.
تتويج المصالح المتبادلة بين الخصوم الإقليميين والمحليين في اليمن يتمظهر في الساحة الجنوبية أكثر من غيرها، فمن جهة، حرف صراع الفرقاء في جنوب اليمن مسار الحرب في اليمن، في الوقت الحالي، إذ حوّل الصراع مع جماعة الحوثي إلى صراع ثانوي في هذه المرحلة، والتي قد تطول، وذلك قبل حسم السلطة في جنوب اليمن، وهو ما يمنح جماعة الحوثي وقتاً طويلاً لتثبيت قبضتها في مناطقها، أو التوسّع إلى مناطق أخرى على حساب مواقع السلطة الشرعية. من جهة أخرى، أسهم انشغال خصوم الحوثيين المحليين في صراع السلطة في خفض التهديد في مناطق المواجهات، ووقف جبهات الحرب الرئيسية ضد جماعة الحوثي، ما جعل مقاتلي الحوثي يتحوّلون إلى موقع الهجوم في أكثر من منطقة يمنية، سواء في أطراف مدينة الحديدة، أو في شمال مدينة حجّة. واستعادوا أخيرا مواقع عسكرية في منطقة كتاف في مدينة صعدة، وذلك بعد مجزرة مروّعة قضى فيها مئاتٌ من مقاتلي الشرعية اليمنية. وبالتالي، يصبّ صراع الفرقاء في جنوب اليمن، وفي كل الحالات، في صالح جماعة الحوثي، ففي حال حسمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، السلطة في جميع المناطق الجنوبية، فذلك يعني، في الأخير، سحب المقاتلين المنتمين للمناطق الجنوبية، أو تخفيض أعدادها، وهو ما سيؤثر على بعض الجبهات في الشمال، وتحديداً في الحديدة والساحل الغربي، إذ إن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي لا ترى في جماعة الحوثي تهديداً لها، لأن معاركه تنحصر في شمال اليمن، وهي قضية شمالية بحسب أجندته، كما أن سيطرة المجلس الانتقالي تعني بالنسبة لجماعة الحوثي تكريس قوة مليشياوية، ذات نزعة انعزالية مثله تماماً، إضافة إلى انسجام توجهات المجلس الانتقالي المستقبلية مع الخط السياسي الجديد في اليمن الذي أحدثه التقارب الإماراتي ــ الإيراني أخيرا، أي تثبيت سيطرة جماعة الحوثي في شمال اليمن، في مقابل تكريس سلطة المجلس الانتقالي في الجنوب. وفي حال حسمت السلطة الشرعية الصراع في جنوب اليمن، وإن كان هذا مستبعداً وفق التطورات الأخيرة، أو على الأقل تموضعت في مناطق محدّدة في الجنوب، فذلك يعني استنزافها عسكرياً، ومن ثم تخفيف الضغط على جماعة الحوثي في مناطق المواجهات في شمال اليمن.
في النهاية، أثبتت مسارات الحرب في اليمن أن الوكيل السعودي - الإماراتي في الإقليم لا
بما أن الرياح وجهت الدفّة نحو تمكين جماعة الحوثي لتحقيق مصالحها في اليمن، فإن الجماعة سعت إلى مواكبة هذه المتغيرات، فمن جهة، حرصت على تخليق خطابٍ يتماشى مع المرحلة، وإن كان كالعادة نرجسيا، لا يخفي نزعة الاستعلاء لجماعة دينية مغلقة، بغرض تقديم نفسها قوة حريصة على وحدة الصف اليمني، إذ شكلت جماعة الحوثي، أخيرا، لجنة للمصالحة الوطنية، دعت خصومها من القوى السياسية إلى الحوار، بمن فيهم فرقاء السلطة في جنوب اليمن، وإن كانت الدعوى البائسة تحوي قدرا من المفارقات المضحكة، وهو أن تأتي دعوة المصالحة الوطنية من أكبر منتهكٍ لليمنيين، والمتسبّب الرئيس في شتاتهم. ومن جهة ثانية، استثمرت جماعة الحوثي صراع الفرقاء في جنوب اليمن لتسويق نفسها إقليمياً ودولياً، ونجحت في تمتين علاقتها مع روسيا، والأهم هو اعتراف إيران، حليفها الإقليمي، بها سلطة حاكمة في صنعاء، وذلك بعد قبول اعتماد سفيرها في طهران. ويبدو أن المتغيرات في صعيد التحالفات المحلية والإقليمية في معسكرات الحرب في اليمن، بما في ذلك اتضاح أجندات القوى الإقليمية في اليمن، دفعت إيران إلى تبنّي سلطة جماعة الحوثي رسميا، بهدف استثمار ورقة حليفها المحلي في ملفاتٍ إقليمية أخرى، أكثر أهميةً من الساحة اليمنية.